سهير صفوت تكتب: أمتنا في حاجة إلى مسحراتي من طراز خاص
المسحراتي والمسلمون
د. سهير صفوت
” اصحى يا نايم وحدّ الدّايم ” عبارة طالما شقّت صمت الليل، مدويةً توقظ الغافلين والنائمين، إنه المسحراتي – بصوته الشجي الذي تعود أن يوقظ الناس من نومهم لتناول السحور وهو يردد أعذب وأجمل الدعوات اقتداءً بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولأن رمضان له خصوصية في العبادة، فكذلك العادات لها أيضاً فيه خصوصية، والمسحراتي إحدى هذه العادات التي اختص بها هذا الشهر الفضيل، وهو ظاهرة اجتماعية إسلامية تحدث عنها التراث الإسلامي وأفاد أن مهنة المسحراتي ارتبطت بهذا الشهر الكريم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان بلال بن رباح رضي الله عنه أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي.
وفي مصر، أول من قام بمهمة إيقاظ الناس للسحور هو الوالي عنتبة بن إسحق سنة 832هـ، وفي العصر العباسي كان المسحراتي يردد أشعاراً، وأول ظهور للطبلة واقترانها بالمسحراتي كان في مصر، واختفت مهنة التسحير في معظم العصر المملوكي لكنها ازدهرت مع الظاهر بيبرس، كما اختلفت عادات وطريقة التسحير من بلد لآخر، وإن اتفقت على أن المسحراتي تراثياً هو من يقوم بإيقاظ المسلمين قديماً، ومع وجود الفضائيات التي توقظ الناس دائماً فقد أضحى المسحراتي فلكلورياً.
ولكن ما أكثر المستيقظين الغافلين النيام في سباتهم العميق! الذين لا يحتاجون إلى نداء المسحراتي بل يحتاجون إلى أبواق عالية حتى يفيقوا من غفوتهم!
إن هذا لواقع ما يزيد عن مليار مسلم، ولذلك فنحن في حاجة إلى مسحراتي من طراز خاص لا يشدو لنا الأغاني والأهازيج، بل يدّق جرس إنذار لتأكيد أهمية العلم والعمل والأخلاق والقيم، أي أننا بحاجة إلى مسحراتي يقوم بدور الإصلاح الشامل.
والمسحراتي في حالتنا الراهنة رمز للعالم والمهندس والطبيب والداعية والمفكر والمربي وكل من يملك مقدرة على إيقاظ الغافلين وتبصيرهم بدورهم الحضاري في بناء أمتهم.
ولأن النوم عميق، فلا بأس من التكرار والصبر وأسوتنا في ذلك سيدنا نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه قرابة 950 عاماً ولم ينتبه منهم إلا قليل، وهو ما يزرع بعض الأمل في نفوسنا وإن كان يعوقه الكثير من التحديات، وأولها: مرض مُزمن أصاب الأمة وهو “التنافر والتنازع”، وصدق الله العظيم إذ يقول: ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)) الأنفال آية (46)، فالنزاع فرقة، والفرقة فشل وذهاب للقوة، وهو ما تعلمه الغرب فاتحدوا، لكن اتحادهم كان من أجل تفريقنا، ونجحوا في ذلك، فهُزمنا في أنفسنا، وفي عقر دارنا.
وأما التحدي الثاني: فهو الرجوع إلى ثقافتنا الإسلامية والاعتزاز بها ورفع رايتها والتي يأتي معها النصر بإذن الله.. ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) سورة محمد (آية 7) وهذا بطبيعة الحال لا يعني الانغلاق على أنفسنا، ولكن يعني الحفاظ على أمننا الثقافي، حتى لا تذوب خصوصيتنا في حضارة مادية تُعلي من شأن الغرائز والمتع والشهوات.
والتحدي الثالث: يكمن في صنع مسحراتي قائد يقوم بالقيادة وينقذ السفينة ويدق الأبواق بكل ما أوتي من قوة وهو في ذلك يستند إلى رجال يعاضدوه. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
إنه تحدي الإخلاص والتخلي عن الأنانية.. تحدي الإصلاح والنهضة، ولأن تاريخنا الإسلامي يشهد بوجود مصلحين لعبوا دور المسحراتي أمثال صلاح الدين الأيوبي، وقطز، وبيبرس وغيرهم ممن حموا الأمة ودافعوا عنها، فإننا مرحليًا في حاجة إلى آباء وأمهات لديهم التمكن من زرع الهمّة واستنباتها في نفوس أبنائهم لعل الله يخرج لنا على المدى الوسيط أو حتى البعيد من يقوم بتسحير المسلمين وإيقاظهم من سباتهم العميق منادياً : “اصحى يا نايم وحدّ الدايم:، والتوحيد هنا يعني إطلاق العبودية لله وهي التي تقتضي نصرته وإعلاء دينه بقيمه العليا، كما يعني الاتحاد ونبذ الفرقة والتسلح بمقتضيات العلم والمعرفة ولقد خوطبنا منذ الأزل بـ(اقرأ)، وتعني أن نهبَّ من سباتنا العميق، تمامًا كما خوطبنا بــ “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” الأنفال (60).. ألا قد بلّغ رسول الله.. اللهم اشهد.