مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

سموم سيكولوجية فى الدراما

20
 بقلم الدكتور -أحمد عيسى :
أعزائى القراء مرحبا بكم فى موضوع جديد هام وخطير فى ذات الوقت ، وترجع أهميته لإرتباطه بالنشئ وما قد يترسخ فى الضمير والعقل اللاواعى والذى يترجم بعد ذلك بسلوك وتصرف يصعب تغييره .
وحتى لا أترككم للدهشة والحيرة سأدخل فى الموضوع دون إسترسال ، وهذا الموضوع هو الدراما وما قد يشوب بعضها من سموم سيكولوجية .
ولعل أخطر ما لاحظت فى الفترة الأخيرة من متابعتى للاعمال الدرامية هو تمرير الأخطاء التى تتنافى مع الأعراف والتقاليد التى ترسخت فى ضمير الوطن الجمعى.
وهذا التمرير ما هو إلا مجرد خطوة ، ثم تاتى خطوة اكثر خطورة منها وهى تبرير الخطأ ، نعم تبرير الخطأ ، ولعلك تندهش عندما تعلم أن هناك ما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية والتى من خلالها يتم ترتيب الأولويات التى يوليها العقل اللاواعى إهتمامه ، وهذه البرمجة تحتاج فقط إلى تكرار المدخل المراد عمل برمجة له سواء سلبية أو إيجابية لعدد سبع مرات وبعده يصبح الأمر مقبولا ومسلما به وبديهيا لدى الإنسان وذلك لأنه تم برمجته عليه دون شعور منه .
إن هذه البرمجة يمكن أن تحدث للمبادئ والقيم التى تربى عليها جيل بأكمله ، فعلى سبيل المثال لو نظرنا لحال جيلين مضوا كان من غير المقبول أن ترى شخص يجلس فى أى وسيلة مواصلات ويترك إمرأة تقف بجواره ، ولكن هذه الأيام أصبح مقبولا جدا ، فإذا حاولت تحليل ذلك السلوك لأكتشفت انه لم يأتى فى يوم وليلة ، ولكنه ترسخ نتيجة تكراره بشكل جمعى وعدم وجود أى نوع من الإستهجان أو الرفض المجتمعى ثم تعاقبت الأجيال وأصبح مترسخا فى عقل أغلب الأجيال الحالية أن هذا السلوك عادى بإستثناء بعض الشباب الذين جاءوا من عائلات ما زالت تحافظ على إرثها الإجتماعى وفق نسق تتفرد به وسط اقرانها من العائلات والقبائل .
وبالمثال يتضح المقال ، وفى أثناء متابعتى لأحد الأعمال الدرامية مؤخرا وكانت تحكى قصة فتاة كانت تحب زميلا لها فى العمل وبعض أن تقدم لخطبتها وقبل البدء فى مراسم الزواج  حدثت لهذا الشاب مشاكل مما ترتب عليه فصله من عمله ، ليصبح فقيرا معدما ، مما تسبب فى إنفصال خطيبته عنه ، وبعده تزوجت هذه الفتاة من رجل أخر وسافر بها إلى أحدى الدول الأوروبية، وبعد فترة من الزمن تقابلت هذه الفتاة مع خطيبها الأول وحبيبها ، وصارت بينهما لقاءات حتى أكتشف زوجها والذى يعمل بمنصب حساس أنها عادت للقاء حبيبها الاول ، فقام بأخذ بعض الإجراءات والتى من شأنها القبض على خطيبها الاول وترحيله من هذه الدولة الأوروبية ، فوجدت نفسى أتمنى أن لا يتم القبض على خطيبها وكذلك أمنى حدوث أى ضرر لزوجها ، ثم أنتفضت فجأة وسألت نفسى ما هذا الذى وصلت إليه ؟
وبالطبع لست وحدى فقد كان معى أفراد أسرتى ووجدتهم يشاركونى نفس الرغبة والتى تتلخص فى تمنى إنفصال هذه الفتاة عن زوجها وإكمال لاعلاقتها بحبيبها (البطل ) كما كان يتم تقديمه فى تتر المقدمة حيث ان احداث المسلسل تدور حوله ، وجلست أحلل ما وصلنا إليه فأكتشفت أنها البرمجة اللغوية العصبية للضمير الجمعى بداخل كلا منا ، والتى أصبحت ترتبط إرتباط وثيق ببطل أى عمل درامى .
فيؤسفنى القول بأنه وعبر سنوات طويلة تم برمجة المشاهد على الإرتباط العاطفى بأى شخص يقدم له فى عمل درامى على انه بطل هذا العمل ، وفى خلال هذه السنوات الطويلة تم تمرير مبدأ أن البطل دائما على صواب ، ليس ذلك فحسب ولكن تم برمجة العقل الجمعى على التعاطف الكامل مع هذا البطل فى كل ما يقوم به ، وبعد فترة من التمرير ، جاء دور التبرير لكل ما يقوم به هذا البطل من أخطأء تخالف القيم والتقاليد التى تربى عليها ونشأ فى كنفها المواطن العربى .
وما هى إلا فترة يسيرة حتى أصبحت غاية البطل تبرر كل الوسائل الغير مقبولة لتحقيق أهدافه ، وهذا هو ما وصلنا إليه بفضل أعمال درامية لم ننتبه لها حتى تسربت إلى وجداننا ومنه إلى سلوكنا .
ولا تندهش عندما ترى فى الأيام القادمة أجيالا ممسوخة العقل والوجدان ليست عندها أى ولاء أو إنتماء لأوطانها ولا حتى  لقيادتها السياسة ولذلك وجب دق ناقوس الخطر فى ضرورة تنقية أعمالنا الدرامية من هذه السموم السيكولوجية إذا أردنا أن لا ننجرف نحو الهاوية .
وعلينا أن نراجع بعناية أدوار البطولة فى كل عمل درامى يقدم ، لأنه وبكل تأكيد من يتم تقديمه على أنه بطل يصبح قدوة لدى أبنائنا ، ويتم عمل روابط ذهنية بين كل ما يقوم به وبين مفهوم البطولة ، فيصبح فى العقل اللواعى جملة شرطية تتلخص فى (إذا أردت أن تصبح بطلا ، عليك أن تفعل كذا وكذا ) وطبعا من أفعال هذا الشخص طبقا للسيناريو المقدم للمشاهد ، فعلى كل المعنيين مراجعة الأمر حتى لا نتسبب فى إيجاد أجيال عبارة عن أبطال ولكن من ورق .
وإلى اللقاء فى مقال جديد إن شاء 

التعليقات مغلقة.