بقلم – أحمد تركي
خبير الشؤون العربية
يعكس استضافة سلطنة عُمان النسخة الثامنة من مؤتمر المحيط الهندي IOC والمقرر عقده في مسقط يومي 16 و17 فبراير الجاري، تحت شعار “رحلة نحو آفاق جديدة من الشراكة البحرية”، اهتمام عُمان بتعزيز الأمن البحري في المحيط الهندي ودعمها للتجارة المستدامة وتطوير آليات التعاون بين الدول وتعزيز المصالح الاقتصادية واستدامة موارد المحيط وتجويد إمكانات النقل والأمن البحري.
والمؤكد أن المؤتمر يمثل فرصة كبيرة لإطلاع الدول والمشاركين على المقومات التي تتمتع بها عُمان في مختلف الجوانب ومنها البنية الأساسية والموانئ التي تعزز من كونها وجهة استثمارية جاذبة، خاصة أن المؤتمر يتم بمشاركة عدد من الوزراء والمسؤولين الذي يمثلون 60 دولة ومنظمة دوليّة من الدول المطلة على المحيط الهندي.
كما يهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون في مختلف الجوانب الاقتصادية والأمنية بين الدول المطلة على المحيط الهندي، إضافة للدول التي لديها مصالح في هذا المحيط، علماً بأن استضافة سلطنة عُمان لهذا المؤتمر ليست المبادرة الأولى بل هي من الدول المُؤسِّسة لتجمع المحيط الهندي، والذي تأسس في عام 1997، كما استضافت العديد من المؤتمرات المتعلقة بالبحار والاقتصاد الأزرق.
هذا المؤتمر يُعد مؤشرٌاً على العلاقة الاستراتيجية والمتميزة التي تجمع سلطنة عُمان برابطة دول المحيط الهندي والمبادرات التي تُسهم في تعزيز التعاون في المجالات البحرية بين سلطنة عُمان وهذه الدول.
يكتسب المؤتمر أهمية بالغة بالنظر إلى الاعتبارات التالية:
أولاً: المشاركة الدولية الكبيرة: خاصة أن وزراء خارجية 27 دولة سيطرحون رؤى دولهم حول التحديات الأمنية المشتركة وسبل تعزيز الشراكات البحرية، إذ تضم الدول المطلة على المحيط الهندي ما يقارب 3 مليارات نسمة، و70 بالمائة من التجارة البحرية العالمية تمر عبر هذا المحيط.
ثانياً: الأمن والاقتصاد والحوكمة: تسعى عُمان بحكم سياستها الراسخة في الدعوة لإحلال السلام والأمن في العالم إلى تحقيق الأمن البحري والاقتصاد الأزرق، كون هذه النسخة الثامنة من المؤتمر تناقش سبل تعزيز الشراكات البحرية، وتحسين الروابط التجارية، ودعم التنمية المستدامة والقضايا المتعلقة بالأمن البحري، وضمان حرية الملاحة، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتعزيز أمن الموانئ والحوكمة.
وتنطلق الرؤية العُمانية من أهمية تحقيق الاستقرار في منطقة المحيط الهندي، لأنه لا يمكن لأي دولة بحرية الاستغناء عن هذا المحيط عند سحب ونشر قواتها على المستوى العالمي بحكم موقعه الجيبولوتيكي في الخارطة العالمية، وارتباطه بمضائق دولية بالغة الأهمية، هي في هذه الحال مضائق ملقا وهرمز وباب المندب والتي تمثل ثلاثة من أصل ستة ممرات رئيسية للسيطرة على العالم.
ومن هنا يعد المؤتمر المعنون “رحلة نحو آفاق جديدة من الشراكة البحرية”، منصة دولية بارزة تجمع رؤساء الحكومات والمسؤولين رفيعي المستوى وممثلي القطاع الخاص والعلماء والخبراء لمناقشة القضايا الحيوية التي تهم منطقة المحيط الهندي مثل الأمن البحري والتنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية والجيوسياسة.
ثالثاً: مكان ومكانة عُمان: المؤكد أن عُمان من الدول المؤسسة لرابطة الدول المطلة على المحيط الهندي، ,اصبح لها دورا أساسيا في هذا التفاعل والتطور الذي ساهم عبر قرون في رسم مسارات العلاقات بينها وبين دول المحيط الهندي ومنطقة الخليج، وكانت عُمان في القرن السابع عشر إلى التاسع عشر نقطة تقاطع للدول المطلة على المحيط الهندي والخليج.
إذ يأتي المحيط الهندي بمزيج من المصالح الجيوستراتيجية والحقائق الجيواقتصادية. من حيث السياسة البحرية، يقع مشروع مبادرة الحزام والطريق مثل ميناء جوادر، وهو ميناء بحري عميق ومياه دافئة في باكستان، على الخليج االعربي ومضيق هرمز الذي يحتوي على ثلثي احتياطيات النفط العالمية. يتمتع الميناء بأهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لكل من الصين وباكستان لأنه يقع عند تقاطع طرق الشحن البحري الدولي وتجارة النفط.
يُشار في هذا الصدد إلى أنّ مؤتمر المحيط الهندي (IOC) منصةٌ ومنتدى دولي بارز، انطلقت نسخته الأولى عام 2016، ليصبح ساحة رئيسة لتعزيز التعاون بين دول المحيط الهندي والقوى العالمية ذات المصالح الاستراتيجية في المنطقة، وقد قامت كل من سلطنة عُمان والهند وسريلانكا وأستراليا وسنغافورة بأدوار محورية في فعالياته.