سلطنة عُمان واستراتيجية النأي بسياستها الخارجية بعيدا عن التحالفات والتكتلات
كتب – سمير عبد الشكور:
ارتكزت السياسة الخارجية العُمانية على مبادئ استراتيجية أسسها السلطان قابوس، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، من خلال الوعي المتوازن ما بين الضرورات والمحظورات السياسية والعسكرية، والفكر السياسي والاستشراف المستقبلي الذي تنبه إليه السلطان لمستقبل المنطقة.
وكان النأي دائما بالسياسة الخارجية العمانية بعيدا عن الصراعات والحروب التي اشتعلت في اكثر مناطق العالم سخونة وانفلات أمني وتدخلات عسكرية وسياسية وكذلك التحالفات والتكتلات التي تنتج عن الاضطرابات الإقليمية والعالمية.
ولم يكن النأي العُماني عن الصراعات والحروب، والدخول في التحالفات والتكتلات بهدف الانسحاب من خريطة الأحداث والحياد السلبي، وإنما بهدف قراءة المشهد السياسي الإقليمي والدولي قراءة عميقة بناء على قاعدة المصالح السياسية و مبدأ الحياد الإيجابي الذي سارت عليه السياسات العُمانية منذ عام 1970.
وبالرجوع إلى خطابات السلطان قابوس في مختلف المناسبات الوطنية, وكذلك للقاءات الصحفية والإعلامية التي تمت معه فيما يخص رؤيته للتحالفات والتكتلات الدولية، ومدى قبول سلطنة عُمان وسياساتها الخارجية للانضمام إلى بعضها, أو عدم الانضمام إلى بعضها الآخر في الحاضر والمستقبل، يمكن إبراز النقاط والجوانب التالية:
اولا: ثبات مبدأ الرفض العماني القاطع والكلي لجميع اشكال التحالفات والتكتلات الإقليمية والدولية الموجهة للاعتداء على الدول أو لتغيير أنظمتها أو سياساتها الداخلية والخارجية, لأن ذلك يتناقض مع المبادئ الموجهة للسياسة الخارجية العمانية كما وردت في خطاب العيد الوطني عام 1972م, والتي يقع على رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ثانيا: لا يوجد في الفكر السياسي للسلطان قابوس بن سعيد, ولا في التطبيق العملي للسياسة الخارجية العمانية منذ عام 1970م ما يشير إلى تبني مبدأ الحياد المطلق, بل إن الواقع المشاهد الذي تؤكده تطبيقات النظرية السياسية هو تبني عُمان مبدأ الحياد الإيجابي, وهو مبدا يأخذ بمعيار الملائمة في تبني القضايا أو الدخول إلى الأحلاف والتكتلات المختلفة, أو الوقوف بعيدا عن الانضمام إلى بعضها الآخر, والتأكيد على ان سياساتها الخارجية تعمل وفق مصالحها بمختلف توجهاتها, والذي اكد على هذه النزعة في العقيدة السياسية العمانية ما جاء على لسان السلطان قابوس في اكثر من موضع وموقف، من بينها ما قاله في الأول من يونيو 1974 من أن: “الالتزام بذلك الخط ,أي, خط عدم الانحياز لا يعني الانقياد التام للمفهوم, من خلال نزع الشخصية الوطنية العمانية وخصوصيتها ومصالحها السياسية وأهدافها الجيوسياسية”. وبالتالي فإن الحياد العماني هو حياد مواقف ومصالح, وليس حياد انعزال وعزلة سياسية.
ثالثا: ان سلطنة عمان لا ترفض ابدا, وليس في نظامها السياسي أو الفكر السياسي للسلطان قابوس ما يشير ضمنا ولا صراحة إلى رفض الانضمام إلى أي تحالف أو تكتل إقليمي أو دولي يهدف إلى احلال السلام والأمن والاستقرار في العالم, سواء كان في جانب الأمن الوقائي أو العلاجي, وسواء كان توجهه سياسي أو اقتصادي أو أمني, بل على العكس من ذلك فعمان منذ عام 1970م وهي تجتمع مع دول العالم الشقيقة والصديقة في تجمعات متعددة الأهداف والتوجهات السلمية والتعاونية.
وقد كان للسلطان قابوس كلمة واضحة وصريحة أكد فيها هذه الرؤية في سؤال وجه إليه من محرر مجلة المستقبل الفرنسية بتاريخ 30 أكتوبر1983م حول احتمال فتح حوار بين دول الخليج والاتحاد السوفيتي وإقامة علاقات طبيعية معه. فقال السلطان قابوس: (إن الحوار مع موسكو والعلاقات معها ليست مسألة جماعية تخص مجلس التعاون. لأن المجلس ليس تكتلا سياسيا. فكل دولة لها سياساتها الخاصة تمارسها منفردة حسب مقتضيات مصالحها الوطنية).
رابعا: إن توازن القوى في أي منطقة من مناطق العالم يستدعي لتحقيقه ويستلزم لاستمراره أن تقوم الدول على بناء تحالفات دولية, وأخرى مضادة لها بحسب موازين القوة والمصالح السياسية والقومية لها, وليس في ذلك ما يتناقض مع السلام أو تحقيق الاستقرار في العالم, بل ربما يكون في بعض الأوقات سبب من أسباب صناعة السلام والاستقرار.
خامسا: تبقى مسألة اختلاف وجهات نظر الدول تجاه تلك الاحلاف والتكتلات, والاحتمال الكبير لتناقض افكارها ومصالحها وتوجهاتها السياسية والعسكرية نحوها, امر طبيعي للغاية, ولا يتنافى مع مبادئ التعاون المشترك ولا مع ضرورات التنسيق لتحقيق اهداف عليا أو دولية, ولا مع قيم حسن الجوار, لأن مسألة الدخول في الاحلاف والتكتلات الدولية هي مسألة ملائمة وليس مسألة مبدأ, وتخضع للقيم والمبادئ التي تعبر عن سيادة الدول واستقلال قراراتها ومصالحها القومية.