مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

سلسلة بيوت على نور (10) المتحف المصري… روحُ الهوية 

 

بقلم د إبتسام عمر عبد الرازق

ليس المتحف المصري مجرد مبنى يضم آثارًا من زمن مضى….إنه مرآةٌ لهويتنا، وذاكرة وطنٍ صنع التاريخ بيديه، وترك بصماته شاهدة على الحضارة والإبداع والإيمان بالخلود, وحين نفتتح هذا الصرح العظيم، لا نُعيد فقط فتح الأبواب للحجارة والتماثيل، بل نُعيد فتح القلوب لتسكنها روح الانتماء.

بدأ التخطيط للمتحف المصري الكبير في التسعينيات من القرن الماضي، كجزء من رؤية لإبراز التراث الفرعوني وإسناده لبُنية معاصرة يقع المتحف بمحافظة الجيزة، قرب الأهرامات، على مساحة ضخمة تقارب 500 ألف متر مربع ,يُعد أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم، حيث يضم نحو 100,000 قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لـ توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة بهذا الحجم

منذ 16 أكتوبر 2024 بدأ تشغيل أجزاء التجريب للمتحف، لكن الافتتاح الرسمي الموسّع يُحدد ليكون يوم 1 نوفمبر 2025, تم تحديد هذا الموعد بعد قرار رسمي من الحكومة، ليكون حدثاً وطنياً دولياً يعكس مكانة مصر الثقافية والحضارية, المُتحف ليس مجرد مبنى جديد، بل يمثل رسالة حضارية عن الهوية المصرية، تاريخها ومكانتها في العالم، بُني ليكون وجهة للثقافة والسياحة والتعليم، وليس فقط معرضاً للآثار

الافتتاح يتزامن مع جهود وطنية لدعم السياحة الثقافية، وتعزيز صورة مصر العالمية، وخلق فرص للتنمية في المنطقة المحيطة والمتعلقة بالبنية التحتية والاقتصاد, يمثل المتحف فرصة تعليمية للأجيال الجديدة: ليشاهد الأولاد تاريخ أجدادهم في مكان واحد، ويتعلموا أن بلادهم ذات حضارة تمتد آلاف السنين.

قد يهمك ايضاً:

في زمن تتراجع فيه القيم الوطنية أحيانًا أمام الماديات والعولمة، يصبح على الأسرة أن تعيد غرس جذور الفخر بالوطن في نفوس الأبناء ,بناء مثل هذا الصرح يُعزز شعور الانتماء والفخر بالوطن، ويُذكر كل فرد أن تراثه ليس فقط للماضي، بل أمانة في الحاضر والمسؤولية للمستقبل, كما أنه يُعد عاملًا لكيفية الربط بين البيت والمدرسة والمجتمع: زيارة المتحف يمكن أن تكون نشاطًا أسريًا يُغرس فيه حب الوطن وقيمة التراث.

فالبيت هو المدرسة الأولى، والأم والأب هما أول معلمين يغرسون معنى “هذه بلدي”، و”هنا جذوري”، و”من هنا بدأت القصة”. احكِ لابنك أن أجداده بنوا الأهرام بلا آلات، وأنهم نقشوا على الجدران علمًا وفنًا وعبقرية لا تزول, خذي بيد ابنتك لزيارة المتحف، قولي لها: “انظري… هذا تاريخنا، وهذا مجدنا الذي نحمله في القلب قبل الصور”. علموهم أن الانتماء ليس شعارات، بل سلوك يومي يبدأ من حب النظافة، وإتقان العمل، واحترام القوانين، والتطوع في الخير، والدعاء للوطن.

قال الله تعالى: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ وكأن الأمن الذي تنعم به مصر نعمة تتجدد كل يوم لمن شكرها وسعى لحفظها.

وتأملوا قول النبي ﷺ حين نظر إلى مكة فقال: “والله إنكِ لأحب أرض الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت.”

حبّ الوطن فطرة وإيمان، وليس مجرد حنينٍ إلى ترابٍ وأرض، بل وفاء لأمانةٍ ورسالة.,فليكن في كل بيت حديث عن الوطن، عن تاريخه، عن أبطاله، عن العلماء الذين رفعوا اسمه, علّموا أبناءكم أن الفخر بمصر لا يقلّ قداسة عن السعي لعبادة الله بإتقان، لأن من شكر النعمة حفظها، ومصر نعمة كبرى

البيوت التي تُربي أبناءها على حب الوطن، تُخرّج قادةً يبنون لا يهدمون، ويعملون لا يشتكون, وهكذا… تكون “البيوت على نور” ليست فقط بالإيمان والخلق، بل أيضًا بالانتماء والوعي والمسؤوليّة تجاه الوطن.