زيارة السيسي التاريخية لجيبوتي كأول رئيس مصري.. دلالات ونتائج
بقلم – د . إسلام جمال الدين شوقي:
خبير الشئون الإفريقية
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
تتمتع دولة جيبوتي بموقع استراتيجي عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث تتميز بموقعها الجغرافي الهام والمتميز على مضيق باب المندب، الذي يمثل عنق الزجاجة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، ومن هذا المنطلق نجد أن البحر الأحمر تبرز أهميته كونه ممر عالمي توجد فيه قناة السويس كمدخل شمالي، ومضيق باب المندب كمدخل جنوبي حيث يشكل أهمية اقتصادية كبيرة ويلعب دور حيوي من خلال إسهامه بشكل كبير في دعم اقتصاديات الدول المتشاطئة عليه، كما يلعب أيضًا دورًا هامًا في حركة التجارة العالمية وبصفة خاصة في إمدادات البترول والغاز الطبيعي.
تُعدُ دولة جيبوتي من الدول الإفريقية صغيرة المساحة حيث تبلغ مساحتها 23200 كم2، وبتعداد سكاني قرابة مليون نسمة، ولكنها كبيرة بموقعها الاستراتيجي فبرغم قلة الصادرات ومحدودية الإمكانيات إلا أن القرارات الجريئة للرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، الذي فتح الباب للاستثمار والاقتصاد الحر، إضافة إلى الوجود العسكري الدولي لحماية المصالح العالمية، وعلى هذا الأساس استمدت جيبوتي الدولة الإفريقية العربية الإسلامية أهميتها الجيو استراتيجية بأن تكون على مرّ التاريخ أرض التبادل التجاري، فهي منفذ إثيوبيا الوحيد للعالم الخارجي، حيث تقوم جيبوتي بنقل حوالي 90 % من حجم التجارة المتجهة إلى إثيوبيا والتي أصبحت دولة حبيسة لا يوجد لديها أية منافذ بحرية خاصةً بعد استقلال إريتريا عنها في 1991.
ولاشك أننا لا نبالغ إذا قولنا أن جيبوتي اليوم هي بوابة القارة الإفريقية من جهة الشرق ومقر دول مجموعة IGAD، وهو التجمع التنموي لشرق إفريقيا ، كما أن جيبوتي أيضًا بوابة لتجمع أكبر وأوسع، وهو مجموعة دول التبادل التجاري الحر لجنوب شرق إفريقيا ( COMESA)، وإنتماء جيبوتي لهذه التجمعات الإقليمية يؤكد أهميتها في الوصول والنفاذ إلى الأسواق الإفريقية والآسيوية على حد سواء، كما أنها عضو في الإتحاد الإفريقي والجامعة العربية والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية ومقرها في جيبوتي، كما أنها عضو في الأمم المتحدة ومعظم المنظمات الدولية الرئيسية مثل (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي والبنك التنمية الإسلامي، مجموعة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ والمنظمة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن).
تاريخ حافل وعلاقات ممتدة جمعت بين كلٍ مصر وجيبوتي، وهي علاقات هامة عكستها زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لجيبوتي يوم الخميس الماضي والتي وصفتها الرئاسة المصرية ب” التاريخية” لعقد قمة مع نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، حيث تُعدُ هذه الزيارة للرئيس السيسي إلى جيبوتي الأولى من نوعها، لمناقشة مختلف الملفات المتعلقة بالتعاون المشترك وسبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصةً في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، بما يسهم في تحقيق مصالح البلدين الشقيقين ويجسد الإرادة القوية المتبادلة لتعزيز أطر التعاون بينهما.
ترتبط مصر مع جيبوتي بمجموعة من الاتفاقيات والتعاون ومذكرات التفاهم فى المجالات المختلفة والتي بلغ عددها 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم ، ففي ديسمبر 2016 زار الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة ، القاهرة والتقي بالرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث عقدت مباحثات ثنائية تناولت سبل تعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وتم التوقيع علي سبع اتفاقيات ومذكرات تعاون بين البلدين في التعاون التجاري والاقتصادي والفني والاشتراك في المعارض والأسواق الدولية، وهيئة قناة السويس وهيئة موانئ جيبوتي، وفي مجال التعليم الفني، ، وفي مجال الصحة والدواء، وتصدير واستيراد وعبور المواشي واللحوم.
وفي ضوء العلاقات الهامة والمتميزة بين مصر وجيبوتي والتقارب في جهات النظر فإن ذلك قد انعكس أيضًا على الوضع الاقتصادي، والذي يمكن ترجمته في ضوء ما توافر لدينا من بيانات حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وجيبوتي ليسجل 48.01 مليون دولار خلال 2018، مقابل 37.99 مليون دولار خلال 2017، بحسب تقرير لإدارة الدول والمنظمات الإفريقية ووحدة الكوميسا بجهاز التمثيل التجاري المصري، والذي أشار أيضًا إلى أن الصادرات المصرية إلى جيبوتي قد ارتفعت لتسجل 40.88 مليون دولار خلال 2018، مقابل 33.99 مليون دولار خلال 2017، وأشار التقرير إلى ارتفاع الواردات المصرية من جيبوتي لتسجل 7.13 مليون دولار خلال 2018، مقابل 3.99 مليون دولار خلال 2017، وفقًا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
وفي يناير 2019 زار وزير الطاقة والموارد المائية بجمهورية جيبوتي مصر حيث استقبله وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية بجمهورية جيبوتي في مجال الكهرباء والطاقة المتجددة، وتضمنت المذكرة مجالات التعاون ومنها وضع الخطط التنفيذية لتحقيق “الاقتصاد الأصفر” وهو (الاقتصاد الذي يهتم بالطاقة الشمسية وكيفية الاستفادة منها لتحقيق التنمية المستدامة) لكونها تمثل «المصدر الرئيسي لمعظم مصادر الطاقة»، كما أنها مصدر مجاني وغير محدود للطاقة، وتقديم الدعم الفني لجيبوتي لإقامة محطات طاقة شمسية والمساعدة في تخطيط وتشغيل وصيانة أنظمة توليد ونقل وتوزيع الكهرباء، وتشجيع القطاع الخاص المصري للاستثمار في إنشاء محطات توليد الكهرباء في مجال طاقة الرياح وغيرها من مشاريع الطاقة التي من شأنها أن تُساهم في تخفيض تكاليف إنتاج الكهرباء.
وفي نوفمر من عام 2019 تم عقد منتدى الاستثمار في إفريقيا بالعاصمة الإدارية الجديدة، وقعت الحكومة المصرية مع وكالة الاستثمار في جيبوتي، على مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بمصر، والهيئة الوطنية لترويج الاستثمار بجيبوتي، تهدف إلى تعزيز العلاقات الاستثمارية الثنائية وتطوير التعاون المتبادل بين الدولتين، والتي يمكن أن تحقق الأهداف الاقتصادية المتبادلة وتعريف كلا البلدين بالفرص الاستثمارية المتاحة وذلك بالتعاون مع الهيئة الوطنية لترويج الاستثمار بدولة جيبوتي.
وفي مارس الماضي، زار وفد مصري كبير من مختلف الوزارات والشركات ورجال الأعمال جيبوتي، لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وجيبوتي، تنفيذًا لتوجيهات الدولة المصرية بدفع العلاقات بين البلدين وتنويع مجالات التعاون ليشمل كل المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وأجريت مباحثات بشأن الفرص الواعدة للاستثمار في جيبوتي وسبل تحقيق الاستفادة من الموانئ والتعاون في مجال التدريب وأوجه الاستفادة من الدعم الفني المقدم من الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في مختلف المجالات، والمنح الدراسية المقدمة من الأزهر الشريف.
وتأتي زيارة الرئيس السيسي التاريخية لجيبوتي يوم الخميس الماضي تتويجًا للعلاقات المصرية الجيبوتية حيث اتفق السيسي مع نظيره الجيبوتى على أهمية العمل المشترك نحو توفير الدعم اللازم لزيادة الاستثمارات المصرية في جيبوتي، وإتاحة المجال أمام الشركات المصرية للمساهمة في مشروعات البنية التحتية، إضافةً إلى تيسير نفاذ المزيد من الصادرات المصرية إلى السوق الجيبوتية والمضي قدمًا نحو افتتاح فرع لبنك مصر في جيبوتي.
كما شدد الرئيس السيسي على أهمية الإسراع بالإجراءات الخاصة بإنشاء المنطقة اللوجستية المصرية فى جيبوتى خلال الفترة المقبلة، لتيسير تصدير مختلف البضائع المصرية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون فى القطاعات ذات الأولوية، خاصةً فى مجال النقل وربط الموانئ، ومجال الصحة، حيث يجرى التنسيق بين الجانبين لإنشاء مستشفى مصرى فى جيبوتى، فضلاً عن التعاون بمجال الاستزراع السمكى.
واختتمت مباحثات القمة المصرية الجيبوتية بمناقشة عدد من الملفات الإقليمية، من بينها أوضاع منطقتي شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والتعاون في أمن مضيق باب المندب والبحر الأحمر ، كما تم مناقشة ملف مفاوضات سد النهضة الإثيوبي حيث تم التوافق بين الرئيسين المصري والجيبوتي على أهمية التوصل إلى ” إتفاق قانوني عادل ومتوازن حول قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي، بما يحقق مصالح الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا”، ورفض مصر لأي مسعى لفرض الأمر الواقع من خلال إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب.
التعليقات مغلقة.