كتب – عماد السعدني:
تتألق رقة النغم وجماله في ثاني ليالي مهرجان كتارا لآلة العود، الذي أقيم في دار الأوبرا بالعاصمة القطرية الدوحة، حيث امتلأت الأجواء بموسيقى عذبة تمزج بين الأصالة والتجديد.
الحفل الذي يحتفي هذا العام بالموسيقار الكبير محمد القصبجي، قدّم وجبة موسيقية دسمة في أمسيته الثانية، جمعت نخبة من كبار العازفين العرب والدوليين إلى جانب مواهب المعاهد الموسيقية الواعدة، ليعيش الحاضرون تجربة فنية استثنائية عكست الذوق الرفيع بقالب مبتكر ومضمون مختلف.
فقد أبدع الدكتور أحمد فتحي في تقديم مقطوعات موسيقية تمزج بين العراقة اليمنية وأسلوبه الخاص الذي يعكس خبرته الطويلة في عالم العود، كما قدم الفنان شربل روحانا من لبنان أداءً مميزًا جمع بين الموسيقى الشرقية والنغمات العالمية، أما الدكتور مهمت بتماز من تركيا فتألق بعزفه على العود بأسلوب يمزج بين المدرسة التركية والطابع الشرقي الكلاسيكي، فيما أبدع العازف الكويتي أنور عبد الله في عزف مقطوعات مستوحاة من التراث الكويتي، أما العازف سعد محمود جواد من العراق، فقدم أداء مليئًا بالشجن والطرب، عكس من خلاله عراقة الموسيقى العراقية وأصالتها.
وبدوره أضفى العازف رياض بوعلام من الجزائر لمسة مميزة على الأمسية، مستعرضًا ألحاناً مغاربية تجمع بين الطرب والتقنيات العصرية، فيما أمتع العازف أيمن جسري من سوريا الجمهور بمقطوعات موسيقية تنبض بروح الشرق، مع تقنيات عزف دقيقة ومؤثرة، كما شارك في الأمسية مجموعة من مواهب المعاهد الموسيقية في الدول العربية، الذين أبرزوا قدراتهم الفنية الواعدة في تقديم مقطوعات تميزت بالبراعة والإبداع، والذين يتسابقون على جائزة الأفضل، وأبدت لجنة التحكيم استحسانها للمعزوفات التي قدمتها المواهب المتسابقة.
واختتمت الأمسية بفقرة غنائية أداها الفنان خلف المشعوف، الذي قدم أغنيتين هما “غني لي شوي شوي” و “رق الحبيب” تمزجان بين التراث والطرب العربي الأصيل، بالإضافة إلى تقديم عدة معزوفات موسيقية من إبداعات الموسيقار محمد القصبجي وسط حضور وتفاعل جماهيري كثيف.
وكانت فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان كتارا لآلة العود، والذي تنظمه المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا، قد انطلقت يوم 22 وتستمر حتى 25 يناير الجاري، بمشاركة ما يقارب 50 من أبرز الباحثين والعازفين على آلة العود وأمهر صناعه على مستوى العالم، حيث تنوعت فعاليات المهرجان بين الأمسيات الموسيقية، ومعرض صُنّاع العود، والندوات الفكرية المتخصصة، وتقديم مقطوعات موسيقية تنبض بروح الشرق، مع تقنيات عزف دقيقة ومؤثرة.
وفي إطار الاحتفاء بأيقونة المهرجان الموسيقار محمد القصبجي، استضاف مركز كتارا لآلة العود ندوة بعنوان “محمد القصبجي الريادة في العزف والتلحين”، وأدارتها أماني جميعي وكان ضيفها د. أحمد يوسف، عميد المعهد العالي للفنون الموسيقية في مصر.
وفي البداية قدم د. أحمد شكره لدولة قطر واللجنة المنظمة التي قدمت تاريخ محمد القصبجي بكل دقة ومهنية، مؤكدًا أن القصبجي كان فنانًا سابقًا لعصره، حتى في الفترة التي سبقت أم كلثوم والفترة التي تواجدت فيها كوكب الشرق، ثم جاءت بعدها فترة فتحية أحمد ثم ليلى مراد وأسمهان.
وأشار د. أحمد إلى أن القصبجي ابتكر العديد من الجمل الموسيقية اللحنية الجديدة، وكان مستمعًا جيدًا للموسيقى الأوروبية وتأثر بها، مؤكدًا أن أفكاره الموسيقية كانت بعيدة تمامًا عن التقليدية التي كانت سائدة في ذلك العصر.
وقدم د. أحمد نصيحته للجيل الجديد من العازفين بضرورة الاستماع لكل الألوان الموسيقية ولكل المطربين، وعدم الاكتفاء بفنان واحد.
وفي الندوة الثانية، التي كان ضيفها الدكتور مصطفى سعيد، وكانت بعنوان “تطور عزف العود ذاتيًا: طريقة القصبجي مثلًا”، تم خلالها مناقشة التطور الموسيقى الذي أبدعه القصبجي في عالم الموسيقى العربية، وأسلوبه الفريد والتنوع البديع في تقديم نغم موسيقى طربي وجديد، مع محافظته على الإرث الموسيقي العربي الشرقي الأصيل.