بقلم – نور النصيري “العراق”:
كانت حمامة..
ترتجف بيد صيادها يتملكها الخوف منه والحياء من نفسهاـ طالما كانت تتساءل في خلوتها، لم يخض البشر معارك خاسرة مع الفضيلة ؟
وان كنت تريد الفوز ، فكيف تخوض غمار حربك وانت طفل تلعب وهناك من يستحوذ على ضعفك ويتعامل معك بالرق كما السيد وعبيده .كأنه نوع من فصام ..
طعن المدنية الحديثة في الصميم .
انهم لصوص تعلقوا بحبال الدهاء فمنهم من يسرق مالك وتقدر عليه وعلى استرداد حقوقك منه ، وهناك من يسرق كرامتك يسرق براءتك..عرضك وهو متخفيا ، فكيف تسترد كل ذلك منه ؟
انا المرأة الجريحة ليس هنالك شفاء لجرحي .. لا زلت أتذكر وقع تلك الاقدام التي تتسلل في الليل من مكانها وتقصدني بغية الإعتداء والتحرش.. انه ابو حسن السباك زوج عمتي حيث مكثت عندهم فترة رقاد امي في المشفى وفي الصباح يداري فعلته النكراء ، كنت أراه ابا يضمر لي كل الخير، استنجدت بعمتي ان تعيدني للمشفى حيث امي .. نمت تحت سريرها
..اه امي ارجوك
..كوني بخير لاجلي
هدهديني اماه ..
أمني روعتي ..وخبايني
فقد استعصى انسكاب الدمعي
واين دموعي
من احواض بكاءك ؟
.، ذهبت ولم اخبرها لا اريد لقلبها المعذب المتعب الذي تجرع مر الحياة بعد استشهاد ابي ان يتمزق اكثر كما تمزقت وتحطمت وانا ابنة العاشرة ، كيف اخبر عمتي ..ان زوجها خائن ومريض وانها ربما فقدت جمالها بعينيه .واسقطها في بئر الشعور بالنقص ..كيف ؟
كبرت وبلغت الثالثة عشر ربيعا.. ذهبت الى بيت خالتي فوزية ولها ابنة تدرس في احد المحافظات ولديها ولد اسمه حسام طالب في المرحلة الاخيرة طب اسنان وقد تعرضت مرة اخرى للتحرش والاعتداء منه..كانت خالتي فرحة جدا بزيارتي ..وكان السعد كله زارها في بيتها …
اه خالتي…من اين اجيء بقلب يمتلك الجراة على كسر خاطرك ؟
وكيف اخبرك اني مجيئي عندك …كان وبال شأم علي
و كرهت نفسي كرهت انوثتي
بكيت وبكيت كأني لم ابك من قبل ..
ايحق لذوي الارحام …ان يكونوا اقسى الناس على ضحاياهم ؟
ايحق لنجوم السماء ان تهوي الى الطين الرخو وتتمرغ في الوحل ؟
وماذا لو كنا ..جميعا ابناء التراب ومن رحمه ؟
وسكت هذا السؤال عن ضجيجه حين ،اكملت الجامعة ، والتقيت في احد الاعراس بأحمد كان وسيما ودودا ،كان ضابطا في الجيش…
وكم منح الوطن لضباطه الشعور بالامان والايمان والثقة لمن حولهم … وكنت حينها ارتدي ساريا هنديا قرمزي اللون في حاشيته خيوط ذهبية وانتعلت حذاء في مقدمته خيوط من الجلد الملون بأساور تنسجم مع الساري ووضعت نقشة الحناء على ظاهر يدي ..فبدوت شيئا مختلفا ،وكان من فعاليات العرس قبل نهايته ان ترمي العروس اكليل الورد الذي في يدها الى جمهور البنات الآنسات حصرا ، فوقع فوق راسي وكان فأل جميل ، تزوجت من الضابط احمد نجم الدين . ..
لقد تزوجت من ألامان .. من ايماني وثقتي …باني معه افضل
ومعه اقوى
.ومعه ساكون سيدة نفسي
….لا احد يتجرأ ان يستعبدني بعد الان وانا احتمي بخيمة وطن يأوي اليها الناس ايام المحن .ومع كل هذا
هربت في ليلة زفافي .. كانت الاضواء خافتة والريح تولول ، تركت كل شيء وعدت الى امي ..هربت من الاضواء الخافتة.. من سكون الليل
،هربت من رجلان يقفان بيني وبين زوجي انهما ” زوج عمتي وحسام ابن خالتي…”
وانا اريد ان اكون طائرا لا تمسسه يد بشر ، كل الايادي اليوم باتت تذكرني بأيدي آثمة .ومضرجة بدم قلبي …انها ايادي قتلتني من غير سكين .. طعنتني بلا دماء وتركتني اذهب للزواج ليس بفكري نعم ذهبت بقلبي لا بل بقشوره فقط ، فلم استطع الاندماج مع كينونتي كأنثى ..ان هذا الزواج هو ابعد ما يكون من حياتي لقد كرهت هيكلي البشري …فكيف انسلخ اليوم منه ؟
وجريمة التحرش وان كان سطحيا
..سهم مسموم وليس بإمكان الايام ان تصلح ما اعطبه الزمن و العودة الى ما انت عليه ..، لقد وافقت على الزواج ولكن هناك ارادة تفوق ارادتي تدفعني الى النكوص والانكسار.
قال زوجي احمد لي يجب ان اذهب الى طبيب نفسي وفعلا راجعت وجلس الطبيب معي لوحدنا ، لم اتكلم..دموعي افصحت
. نادى على امي .. يا حاجة ابنتك تعاني من ذكريات اليمة ربما تحتاج الى جلسات من التنويم المغناطيسي وبعض المهدئات ، واثناء الجلسات حكيت للطبيب..حكيت عن كوابيسي الليلية .عن اختناقي ليلا ..عن البحث عن هواء نقي …حيث غبار البشر لوث الحياة ..
وكانت مهمته صعبة ..انه لن يجد جرحا ظاهرا حتى يداويه ..انه يداوي شرخا في نواة الروح ..فكيف سيصل اليه؟
وكتب تقريره عني
(…من اثار التحرش
.تلكؤ وتعثر في تطور الهوية الانسانية لكينونتي الانثوية ) …..لقد رميت بالحجر الذي يرهق ظهري رميته في النهر.. وكان هذا النهر هو طبيبي النفسي ،
دعت امي لي بالشفاء والسعادة واستجاب الله سبحانه وتعالى لها وشفيت مع الايام ..وذاب الجليد وبزغت شمس الحياة تمنح البشر الدفيء والنور
شفيت ..وانجبت ابنتي سارة وعشت سعيدة لم تنقص سعادتي حتى استشهد زوجي دفاعا عن الوطن ، يبدو ان السعادة دائما عمرها قصير رحل عني تاركا لي ابنته وسلاحه الشخصي امانة عندي يجب ان اصونها بأكثر ما يكون ، وحدث ان ساءت الاوضاع السياسية في البلاد ورافقها سوء الوضع الامني ، الناس في خوف وفزع وقلق وانا اعيش وحدي مع ابنتي ، كبرت امي في العمر زادت امراضها كأنها تريد ان تودع الحياة ، قالت لي يا موج .. الناس باتوا يهجعون الى بيوتهم قبيل المساء ويحكمون اقفال ابوابهم بسلاسل من حديد يجب ان يكون هناك رجل يحميك انتي وابنتك من انياب الزمان ، كلمتني عنك صديقة لي عن اخيها هو رجل اربعيني يقطن في اطراف المدينة يعيش في بيت لوحده ولم يسبق له الزواج ..يحتاج الانسان في حياته الى رفقة طريق ..ربما تهاجرين يوما او تغادرين اجواء الوطن الساخنة ..اتغادرينها وحدك ؟
المراة نصف يجب ان يكمل نفسه ..وعارضت
عارضت ..ولكني استسلمت حبا في ارضاؤها
– قلت لها :_جل نساء قريته يتقولن عليه الاقاويل وان امه القروية قد رأت في منامها انه سيموت مقتولا الم تخبريني ذلك عنه ايضا ؟
– لا عليك لا تتطيري ستذهبين الى قريته فترة وجيزة ثم يستأجر لك بيتا في العاصمة
– تزوجته وانا لا احبه ..لا تلمني ..النسا ء في بلادنا لا تختار من تتزوج ، ان خياراتها محصورة بمن يطرق الباب فقط .
..كانت امي قد توفيت .
وكشرت الحياة عن انيابها لي ، حتى استيقظت ذات يوم قبيل الفجر اروم شرب الماء مررت على غرفة ابنتي سارة وهي في الحادية عشر كي اطمأن عليها وعلى غطائها ..فوحدت زوجي ممدا بالقرب منها صعدت بلا وعي فتحت خزانة ملابسي اخذت مسدس زوجي الشهيد الضابط احمد نجم الدين ونزلت سكبت الماء على وجهه وهو يصرخ مَن ..مَن ..؟؟
– رددت ملك الموت جاء يقبض روحك .
ثم ضغطتُ على السلاح بيد ترتجف وشفاه ترتعش اتمتم رأيتك تريد … تريد ان تلقي بإبنتي في الحطام ..رأيتك وانت تريد ان تأد عصفور براءتها بيديك المجرمتين … اليوم انت رميت عود ثقابك على خزان وقود متروك منذ زمن .
– انها اوهامك كانت حرارتها مرتفعة لم اشأ إيقاظك عملت لها كمادات الحرارة ولأني متعب نمت ونسيت نفسي .
-قالت و كل شيء فيها ينهار .
- لي معك معركة حامية الوطيس .
-وما اراك الا مغتصب ارض استشهد الضابط احمد من اجل ان يصونها ويصونك ايها الوغد ..افهكذا ترعى الامانات ؟
– رد وهو مذعورا موج استعيذي من الشيطان يا موج
رددت
– الشيطان ؟.
– .والدموع تنهمر من عيني .. شياطين الدنيا كلها ارحم منك واطلقت الرصاصة الاولى
– …شياطين الدنيا كلها ارحم منك يا.. يا زوج عمتي واطلقت الثانية
– وانا اصرخ مرددة شياطين الدنيا كلها ارحم منك يا حسام ..واطلقت الثالثة
–
وتركت الرابعة … لرحلة جديدة من ذكرياتي الاليمة
تحققت نبؤة نساء القرية …فلقد كتب لزوج موج ان يمووت مقتولا لكن …على يديها ..
تمت