مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

“رؤية ” قصة قصيرة

بقلم خيرية الساكت ..تونس

” توقفت عن الدعاء منذ ثلاثة أيام إذ لم يعد يجدي نفعا

أن أرفع يدي للسماء و بطني خاوية من الجوع و قدماي

ينهش جلدهما التعفن و الجرب ” ..

أجابت ماتيلدا عرابها لوسيانو عند سؤالها عن الصلاة..

زم شفتيه و امتعض من كلامها و لكنه لزم الصمت لأنه

لم يجد عبارات تخفف من حدة معاناتها منذ طفولتها .

طيلة حياتها لم تشتك ماتيلدا من الألم و المرض .كانت

تلجأ دائما للمداواة بالأعشاب البرية التي تنبت على

ضفاف الوادي و في أحراش الغابة .تعالجها بالبخار و

تعصرها لتتحصل على سائل تدهن به قدميها فأحيانا

تتخثر قدماها و تغط في نوم عميق و أحيانا أخرى

تجعلها تئن كامل الليل و تتلو جميع الأدعية التي

حفظتها ..

أثناء الدرس في الدار ، تكلم العراب مرددا نفس الحكم و

المواعظ محذرا من الوقوع في الخطايا و غضب الرب..

دعا إلى الأكل بقدر و الشرب بقدر و التنفس بقدر.. إلى

الحياة بقدر.. ربعها فقط يكفي.. يقضونه في الأكل

القليل و الدعاء الكثير ..

هكذا هم الفائزون.. المحظوظون..

هذه المرة ألقى العراب سؤالا على الجميع : –

بماذا تحلمون ؟

يبدو السؤال عاديا و إجابته متوقعة لدى طارحه..

وصف الجميع في إجاباتهم الفردوس و صحبة الرب..

الجميع يحلمون بقضاء فترة الحياة الدنيوية بسرعة

بأقل ما يمكن من الخطايا و الآثام..

و الولوج إلى النعيم المنشود. الجنة و الفردوس. هناك

قد يهمك ايضاً:

عند وعدي

أوتار المساء

سيعيشون الحياة كاملة لا نصفها أو ربعها ..

و هناك سيتجردون من أجسادهم الفانية..

ردد العراب راضيا عن اجابات متساكني الدار : –

يجب أن نموت حتى نحيا !

التفت إلى ماتيلدا التي تلازم دائما الصمت و الهدوء

أثناء الدرس.. –

و أنت بماذا تحلمين ؟

ردت دون أن ترفع نظرها: –

أحلم بأن أنام دون آلام تقض مضجعي..

كانت اجابتها مخيبة لآمال العراب و للحاضرين.. –

هذه الآلام ستجعلك قديسة في السماء ماتيلدا! –

أريد أن أكون قديسة في الأرض! لا حاجة لي

بالسماء إذا كان السبيل إليها كل هذا الألم…

واصل العراب درسه محاولا إخفاء انزعاجه من تغير

موقف الفتاة مما يحدث معها .

كانت ماتيلدا قد رأت نفسها في المنام تقطع أعشاب

الوادي كالمعتاد ..تأخذها إلى المطبخ و تحضر ذلك

السائل اللزج..

تقف أمام الوعاء.. تهم بإستعمال المستحلب الذي

صنعته ..

نور عظيم يعمي بصرها و يحجب عنها مشهد الدواء..

ملاك أبيض تجسد أمامها.. ضرب الوعاء بجناحه

فانسكب السائل على الأرض..

حزنت ماتيلدا و طأطت رأسها لتترك دموعها تسيل دون

انقطاع ..

فوق قدميها الملطختين بالوحل رمى الملاك حقنة و عاد

من حيث أتى

تمت

 

 

اترك رد