بقلم د. محمد الحلفاوي
بطاقة حياة :
١-ولد فى 24-6-1924م فى حى شبرا بالقاهرة
٢-حصل على بكالوريس الهندسة المدنية جامعة القاهرة فى 1945م
٣-عين معيدا بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية
٤-حصل على درجة الدكتوراه فى الهندسة الإنشائية من جامعة ” سانت أندورز ” باسكتلندا عام 1950م
٥-سافر لأمريكا فى منحة دراسية ” ما بعد الدكتوراه ” لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا ببوسطن. M.i.T
٦-تدرج فى الوظائف الجامعية حتى رقى لدرجة ” أستاذ ” بكلية الهندسة جامعة عين شمس .
٧-انتخب وكيلا لنقابة المهندسين المصرية
٨-عين عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة المصرى .. ورئيسا للجنة الثقافة العلمية .
٩-عمل نائبا لرئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بالقاهرة 1985م لعدة دورات .
١٠-عضو مؤسس وعضو مجلس إدارة لمؤسسة سيفنكس العالمية وتم منحه وساما دوليا فى 1996م .
١١-حصل على وسام ” النجم القطبى ” من ملك السويد فى 1998م
١٢-حصل على جائزة ” سيمون بوليفار ” فى 1998م
١٣-حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية فى 1999م
١٤- توفى فى ٢٦-١١-٢٠١٢م
من مؤلفاته :
” أريد مسكنا , نعم أقباط ولكن مصريون , ذكريات سبتمبرية , , الإسكان والمصيدة , مصر لكل المصريين , الأعمدة السبعة للشخصية المصرية , المثقف العربى والآخر , الإسكان والسياسة , خصوصية مصر , ساسة ورهبان وراء القضبان , صراع الحضارات والبديل الإنسانى , قبول الآخر , الانصهار الوطنى .. قضايا كرست لها حياتى ”
الدكتور ميلا حنا .. أستاذ هندسة ومناضل سياسى وعروبى ومثقف وحقوقى وحكيم وعاشق لوطنه ومستشرف للمستقبل ورائد من رواد المواطنة المصرية
فهو أستاذ الهندسة :
الذى حصل على بكالوريس الهندسة ثم الماجستير والدكتوراه وقام بالتدريس الجامعى – قسم الإنشاءات الهندسية – لما يزيد عن 30 عاما.
وفى ذلك يقول : ” أعتز كثيرًا بمن درّستهم وتفاعلت معهم علمياّ داخل المدرجات من خريجى هندسة عين شمس، وأشعر بأننى أيضًا قريب إلى قلبهم بقدر ما هم قريبون إلى قلبى ولا زالت تربطني ببعض منهم صداقة وطيدة إلى الآن ” 1)
وأنشأ مكتبا استشاريا شهيرا بالقاهرة فى مجال الهندسة الإنشائية منذ 1951م .. قام بتنفيذ أعمال إنشائية هامة فى مصر والسودان وليبيا وغيرها .
وله كتابات كثيرة لحل مشكلة الإسكان فى مصر .. وحسب رؤيته فإن مشكلة الإسكان فى مصر بدأت بعد عام 1974م , عندما زاد حجم المبانى بشكل رهيب ” كتل خرسانية خالية ومغلقة كوسيلة للمضاربة ” مما أدى إلى ” سكان بدون مساكن ومساكن بدون سكان ” وارتفاع الأسعار 2)
وعند وقوع زلزال 1992م قام بدوره فى توعية المواطنين كمهندس خبير واستشاري وذلك عبر التليفزيون المصرى قائلا :
” أهم شيء هو تحقق معامل الأمان فى بيوتنا ومنشآتنا المعمارية .. ومظاهر الألم فى المبانى هي الشروخ .
ودعا للاهتمام بمهندسى التنظيم مثلما يحدث فى الخارج .. يكون عنده حصانة ونظيف وفاهم ويراعى ربنا .
ودعا إلى الإهتمام بالنظام والسيستم ولو بعد كده فيه ضمير نبقى زى ألمانيا .
ولكن أن نعتمد على ضمير الأفراد فقط بدون ” نظام – سيستم ” .. فأصحاب الذمم البايظة بيلاقكوا سكك فى الموضوع ينفذوا منها .. فوضع النظام والسيستم فى الهندسة والاجتماع والسياسة ده بيعمل انضباط فى المجتمع ” 3)
لأنه يرى أن ” المصرى ” خامة أصيلة تلمع إذا احتكت بمناخ جيد .. ولكنه يحتاج إلى ” نظام أو سستم ” يفجر هذه الطاقات المدفونة والمتراكمة ووضعها فى إطارها الحضارى الدافع إلى التقدم .
وهو المناضل السياسى الذى يؤمن بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية ومدنية الحكم :
فكان عضوا مؤسسا لحزب ” التجمع ” فى 1976م .. ورئيسا للجنة العلاقات الخارجية بالحزب .
حيث تبنى الدكتور ميلاد حنا أيديولوجية
” الاشتراكية الديمقراطية ” لأنها مبنية على العقلانية والفكر العلمى وتدعو لتقريب الفوارق بين الطبقات وإقلال الفجوة بين الأثرياء والفقراء 4)
واعتقل فى3/9/1981م ومكث بالمعتقل لمدة 83 يومًا .. وأفرج عنه هو وزملائه كدفعة أولى (30 رجل وإمرأة) فى24/11/1981م 5)
وخاض الإنتخابات البرلمانية فى انتخابات1984م على رأس قائمة حزب التجمع عن دائرة ” شبرا , روض الفرج , المعهد الفنى , الساحل , الشرابية , الزاوية الحمراء ” ولكن الحزب لم يحصل على نسبة 8% التى وضعتها الحكومة – حسب رأيه – لاستبعاد أحزاب بعينها.
ثم عين ضمن العشرة المعينين بقرار من رئيس الجمهورية … وانتخب رئيسًا للجنة الإسكان بمجلس الشعب فى24/6/1984م.
وعمل بجد واجتهاد باعتباره نائبا على الشعب ولكنه وجد مضايقات من بعض قيادات الحزب الوطنى وعن هذه الفترة يقول :
“عندما عينت فى مجلس عام1984م وتصرفت مثل أى عضو منتخب ” نائبًا عن الأمة كلها ” فكان أن استبعدت من قائمة المعينين فى كل المجالس التى تلت ذلك على الرغم من تمتعى بشعبية جيدة بين جميع المواطنين مسلمين وأقباط لأننى تبنيت قضايا الديمقراطية والحريات وحق المواطنين الفقراء فى المسكن المناسب” 6)
وكان يرى أن أنسب النظم الانتخابية لمصر هو نظام القوائم النسبية – وليس المطلقة – مثمنا تجارب السويد والدنمارك فى هذا المضمار 7)
وكان الدكتور ميلاد حنا معارضا سياسيا جسورا له مواقف مشهودة منها :
1- انتقاده سياسة الانفتاح الإقتصادى فى السبعينات والتى أدت – حسب رأيه – إلى إنفجار الفوارق الطبقية وهزت السلام الإجتماعى 8)
وأدت إلى مصرين:
مصر الانفتاحية الدولارية ” ٥-١٠% من الشعب المصرى فقط ” وهم حفنة المنتفعين بسياسة الانفتاح الذين كونوا ثروات سريعة من خلال التجارة فى العملة والاستيراد والتصدير وتجارة الأراضي.
ومصر الشعبية الوطنية محدودة الدخل وفى القلب منها موظفى الدولة الشرفاء غير المرتشين 9)
ويرى أن الإنفتاح أتى بثروة سريعة للقلة وفقر عظيم للأكثرية .. ووسع الفجوة بين الطبقات 10)
2- مطالبته – فى مقال منشور- وزير الداخلية النبوى إسماعيل بتقديم استقالته لرئيس الجمهورية .. بعد مصيبة انهيار الأمن فى قلب القاهرة فى أحداث الزاوية الحمراء فى17/6/1981م ؛ وتسبب ذلك فى حدوث شرخ فى الوحدة الوطنية
مؤكدا فى جسارة :
” إن مصر أكبر من الحزب الحاكم .. بل أكبر من الحاكم ” 11)
3- انتقاده اللاذع للحزب الوطنى الحاكم :
ففى عهد السادات قال :
” هذا الحزب ليس ديمقراطيا ” لأن لديمقراطيته أنيابا فيصادر الصحف ويضطهد الأحزاب الأخرى ” ولا هو اشتراكى ” لأن سياسته الاقتصادية تقوم على الانفتاح الاقتصادى الذى يتضمن العودة إلى النظام الرأسمالى على حساب إقلال المكاسب الاشتراكية التى تحققت أيام جمال عبد الناصر ” 12)
وفى عهد مبارك قال :
” لقد ارتكب الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم الذى يدير الانتخابات بالتنسيق مع أجهزة الدولة ممثلة فى المحافظين والحكم المحلى والعمد مخالفات دستورية وسياسية صارخة , وأى نظام يدعى أنه ” ديمقراطى ” دون أن يحمل آليا التصحيح الذاتى محكوم عليه بالضعف والهوان وبالتالى فإنه يدمر نفسه بنفسه ” 13)
واصفا الحزب الوطنى بأنه ليس له أيديولوجية أو توجه سياسى ولكنه بحكم تكوينه ” مع الرايجة ” .. لأنه حزب صنعته السلطة بخلاف حزب الوفد الذى صنعه الشعب 14)
4- دعا الأجهزة الأمنية لأن تأخذ خطوة إلى الخلف لتترك مجال المبادرة للحلول السياسية 15)
5- انتقد سياسة الخصخصة وانتشار الفساد فى مرحلة التسعينات 16)
6- يرى أن التغيير ” الباقى” هو التغيير الذى يصنعه الناس ” من القاع ” من طموحات وآمال وآلام البشر وبرغبتهم ؛ لأن التغيير من أعلى ما يلبث أن يتغير بمجرد اقصاء الحاكم 17)
وينتقد تسييس الدين عموما :
فنجده ينتقد جماعة الأمة القبطية… التى قامت فى خمسينيات القرن الماضى معتبرا إياها فقاعات لابد من وجودها
” لتحقيق الذات ” لبعض المتعصبين ولا توجد أمة بدون بعض المتعصبين .. مؤكدا أن جماهير الأقباط قاومتها فى حينها تم تركتها تموت فى هدوء، لأن الأقباط ـــــ بذكائهم التاريخى ـــــ يعرفون أن استمرارهم وبقاءهم هو فى الانتشار والتداخل والمعايشة المشتركة … وعندما تقدم البعض بطلب فى يناير 1989م لإنشاء حزب مسيحى مستقل للأقباط .. عارض الدكتور ميلاد حنا الفكرة بشدة ومعه كبار زعامات الأقباط المدينة وكذلك قداسة البابا شنودة نفسه مما جعل أصحاب فكرة الحزب يتقدمون لسحب طلبهم .. معتبرا تلك الفكرة ” دعوة خبيثة ” ستؤدى بنا لصراعات طائفية ودينية 18)
مؤكدا إيمانه بتعدد الأحزاب السياسية بشرط الإلتزام بالشرعية والدستور وخصوصا المادة التى تنص على أن :
” المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ” 19)
ونجده يحلل فى عمق الظروف – التى ساعدت – على نشوء جماعات الإسلام السياسى قائلا : ” فى بحر السبعينيات والثمانينيات ظهرت العشوائيات والتفت حول المدن الكبرى بما فيها القاهرة والإسكندرية والمنيا وأسيوط , وفيها وجدت ” الجماعات ” البيئة الصالحة لتحويل الشباب المحبط والصبيان الباحثين عن بطولة إلى” كوادر”
وبين عشية وضحاها يكون الشاب قد جند وأصبح عضوًا فى أحد العناقيد ولا يتعرف إلا على أميره وهو قائده فى كل شئون الحياة وليس فى الجوانب الدينية فقط ” !!
ثم يصف بعمق واقع هذا التيار وفصائله فى الثمانينات والتسعينات قائلا :
” أصبح واقعًا فعالًا ومتماسكًا، ينسق فصائله بإتقان وذكاء شديدين، فقيادات ” حزب العمل ” والجريدة الرسمية له
” الشعب ” تمثل الواجهة الرسمية الحاصلة على ترخيص رسمى من الدولة، وخلفها وربما أمامها ـــ قيادات التيار المعتدل ” يقصد جماعة الإخوان ” والذى اكتسب قدرة على الحوار والمناورة والكر والفر, وقد خطط باقتدار واستولى بالفعل على معظم النقابات المهنية، كان آخرها فى سبتمبر عام1992م ، عندما استولى على نقابة المحاميين، والتى كانت معقلًا للفكر الليبرالى وكانت انتخاباتها منذ نشأتها تجسيدًا للوحدة الوطنية، وكان النقيب أو الوكيل قبطيًا ليرسخ هذا المفهوم، ولكن أصر الإخوان على كسر هذا التقليد كجزء من حلقات الإستيلاء على السلطة .. وتحت السطح تقف العديد من ” التنظيمات السرية ” تقوم بدور زعزعة استقرار المجتمع من خلال الإرهاب، لكى تجعل من المجتمع ككل ثمرة ناضجة تسقط فى حجرهم جميعًا فى اللحظة المناسبة، وما أكثر اللحظات المناسبة والتى تتساقط كأوراق الخريف مع تتالى حركة المجتمع وتفجر أزماته 20)
وهو العروبى :
الذى يعتز بانتمائه العربى قائلا:
” أنا عربى ومتمسك بالانتماء للعرب ، لأن المسيحيين العرب يختلفون عن أى مسيحيين وأى أقلية أخرى فى العالم فى أنهم عرب ثم مسيحيين ” 21)
ويكرر دائما :
” إننى لا أمل أن أكرر التشبيه الهندسى وهو أن مصر هى عمود الخيمة للأمة العربية وللمنطقة فإذا انكسر أو اختفى العمود الأوسط ؛ أصبحت الخيمة قطعة من القماش ملقى بها فى الساحة الدولية، رغم ما تحتوى من خيوط فضية أو ذهبية، كما أن العمود الأوسط وبدون القماش المكون للخيمة يصبح مجرد قطعة من الخشب تعتصرها الرياح والأنواء دون غطاء أو أوتاد ” 22)
والداعم للقضية الفلسطينية ضد الصهيونية وانتهاكاتها قائلا :
” أنا ابن مجتمع عربى يقدم أبناؤه فى فلسطين صورة باهرة للكفاح الوطنى المشترك ضد الاحتلال الاستيطانى الإسرائيلى ” 23)
مؤكدا أن قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدمغ الصهيونية بأنها حركة عنصرية ؛ يعتبر معول هدم أساسى فى الركائز الفكرية والمدنية التى تبنى عليها إسرائيل ” 24)
وفى لقاء تليفزيونى يحذر من تيار ” الصهيومسيحية ” فى أمريكا التى تعتنقه بعض الكنائس البروتستانتية قائلا:
” اللى بيحدث فى فلسطين من حرق للقرى وفظائع زى بتاعة هتلر – اللى اليهود بيشتكوا منها – وبعد كده تقول أمريكا من حقهم يدافعون عن نفسهم .. المسألة دى مكنتش فاهمها !!
وبعد ذلك تبين لى أن أحد أهم عيوبنا أننا لم ندري الخريطة الدينية لأمريكا :
” 70-80 % من الأمريكان متدينين , الكاثوليك ٦٣ مليون من ٢٨٠ مليون أمريكانى , يوجد ٢٠ ألف كنيسة
الأرثوذوكس الشرقيين حوالى ٥ مليون يمثلوا ١٢ طائفة , المسلمون ٦ مليون , اليهود ٥ مليون
الطوائف المسيحية الأخرى نحو ١٠٠ مليون .
مارتن لوثر فى ١٥١٧م قال وعد الله لليهود بالقدس والعودة الثانية للمسيح وملكوت السماوات كل ده يمكن أن يفسر تفسيرا حرفيا .. مع أن الأرثوذكس والكاثوليك يفسرونه معنويا ” مملكة الله فى السماء ” .
البروتستنات تبعثروا إلى ٢٠٠٠ طائفة
فيه ٥٣ مليون يؤيدون فكرة إقامة الدولة الإسرائيلية فى أمريكا : ” 3 مليون مسيحى صهيونى + ٥٠ مليون متعاطف مع إسرائيل وهى مجموعة منظمة ومتداخلة مع السياسة ”
اليهود لعبوا دورا فى تفسير بعض النصوص من العهد القديم بأن المؤمن المسيحى عشان يكون مسيحى كويس لازم يؤمن بحق إسرائيل فى الوجود ، وده يخلى المسيح ييجى ، وده يحقق القيامة !! 25)
وهو المثقف العضوى :
الذى يرى أن المثقفين نوعان :
” مثقف السلطة ووظيفته تبرير مواقف السلطة وده لا يغير المجتمع .
والمثقف المستقل اللى عنده وجهة نظر… ده يدفع المجتمع للأمام لكن عاوز ذكاء شديد
لأنه ممكن يفكر أفكار خيالية تصلح للمجتمع كمان ٢٠٠ سنة فيجد نفسه منعزلا عن المجتمع ويهاتى لوحده فى صحراء
ولو هو عايز تأييد الناس بس ، هيكون ورا الناس ، بيصيغ أفكار تعجب الناس ولكنها تشد الناس للوراء .
ويرى أن المثقف الذكى هو الذى يقدر أن يصيغ أفكاره فيما يتفق مع الثقافة العامة للمجتمع ، مع خطوة ولو قليلة للأمام
خطوة فيها حريات أكتر فيها ديمقراطية أكتر فيها تنمية أكتر ” 26)
وهو الحقوقى:
الذى يؤكد فى جميع كتاباته إنحيازه للفقراء والمهمشين فى جميع قضاياهم مؤكدا : ” أن حريات الإنسان هى لدى قضية أساسية ومحورية غير قابلة للتنازل أو الحلول التوفيقية فلا معنى للخبز .. بدون حرية” 27)
ويدعو لتعميق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال آليات الرقابة بين السلطات ووجود حريات فى التعبير وشفافية فى توافر المعلومات ؛ تمكن النظام الديمقراطى من أن يصحح ذاته ويعمق ويطور أشكال وحدود الديمقراطية وفى هذا المناخ الديمقراطى يكون قبول الآخر جماعيا أمرا ميسورا 28)
ويدعو لدولة المؤسسات , ولتقوية المجتمع المدنى الأهلى , ونشر ثقافة حقوق الإنسان , ونشر ثقافة التفكير العلمى .
المدافع عن حقوق المرأة :
فيقول : ” درس التاريخ يؤكد أن هناك علاقة طردية بين تقدير المرأة وحضارة المجتمعات
المرأة لها وضع عالى .. فالمجتمع له وضع عالى ومحترم ، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك .
مصر فى الحقبة الفرعونية ، المرأة شريكة للرجل فى الغيط وفى الموسيقى وفى الحكم ساعات .
فتلاقى فيه حضارة .
دخلت مصر فى عصر الحريم .. بقى فيه تخلف ونزلت مصر لتحت .
جات ثورة ١٩ انطلقت مع الرجل .. وحصلت مصر على الاستقلال والحرية والتقدم ” 29)
وهو الحكيم :
الذى عركته الحياة وله فلسفة خاصة فى الحياة ومن أقواله :
أنا جزء من تركيبتى أنى أحول الليمون إلى ليموناده .. ولو أضطريت أجرجش لمونة باخد وراها شوية سكر عشان بحس إنها لمونادة 30)
عبر حياتى الطويلة أشوف نص الكوباية المليان مش نص الكوباية الفاضى .
يقول نجله المهندس هانى ميلاد حنا فى ملتقى شباب العالم بشرم الشسخ 2018م :
” احتفظ والدى تحت زجاج مكتبه بحكمتين :
الأولى ) يظل المرء عالما طالما طلب العلم ، وإن ظن إنه علم فقد جهل .
الثانية ) ربى أعطنى العزم لتغيير ما أحتاج تغييره ، وأعطنى الصبر والإحتمال على ما لا أستطيع تغييره ، وأمنحنى الحكمة لأفرق بينهما .
وعندما ذهب لاسكتلندا لدراسة الدكتوراه هناك شارك طالبا صينيا فى السكن ولم يكن هو وزملائه يستوعبون كونه ليس ذات عقيدة سماوية ولكن بعد فترة قصيرة اكتشفوا أن زميلهم الصينى ” شانج نانج هوو ” يتمتع بأدب شديد وله منظومة قيمية راقية كان هذا هو الدرس الأول :
” الاستعلاء على الآخر لا يفيد ” .. وفصل لمسيحيى مصر عبارة :
” أنتم ملح الأرض كلما انتشرتم وشاركتم فى محيطكم أصبح المناخ العام أكثر مذاقا وأكثر صحيا .
وكلما أنعزلتم أصبح المناخ العالم لاذع المذاق ” 31)
وهو الوطنى العاشق لمصر .. الخبير بما يحاك ضدها من مؤامرات :
الذى رفض تلبية دعوة مؤتمر الأقليات بقبرص قائلا :
” أنا عندى مسائل مبدئية محسومة وهى إن كان للأقباط قضايا ، لا تناقش إلا داخل الوطن ؛ مناقشتها خارج الوطن خطر ، ولهذا السبب أنا ضد أنها تناقش فى أمريكا وضد أنها تناقش فى الكونجرس ، لأن الأقباط والمسلمين معشقين كده فى بعض قبل ما يكون فى أمريكا ” 32)
وهو المستشرف للمستقبل .. الذى صدقت معظم قراءاته وتوقعاته وتحذيراته
ومنها :
احتمالات التقسيم والصراع الطائفى فى العراق واردة 33) .. وهذا ما تم بعد الغزو الأمريكى للعراق .
أى تنازلات للفاشية يؤدى إلى زيادة قوتها وطغيانها 34) .. وهذا ما تم بعد 2011م .
إذا أهمل المجتمع تناقضاته أو أغمض الطرف عنها وتجاهلها؛ فإن ذلك لا يلغى الصراع ولكنه يخفيه، فلا يلبث أن تتراكم التناقضات وتؤدى فى النهاية إلى انفجارات, ولعل ذلك هو الفرق المبدئى بين الطريق الثورى والطريق الإصلاحى .. ودعا لإنتخابات طليقة ــــ نظيفة ــــ يتولد عنها برلمان حر متوازن, تمثل فيه كافة القوى الوطنية ويكون سندًا للحكومة – أى حكومة – وعندئذ فمصر إلى استقرار رغم كل اللهب والجحيم من حولنا.
أما أن تركب حكومة الحزب الوطنى رأسها وتتوهم أنها تمثل الأغلبية وتضغط لإزاحة أحزاب عن الساحة وترسم خريطة سياسية مريحة لها ولأصدقائها فى المنطقة .. عندئذ سيتراكم الغضب ويقود إلى طريق مجهول .. ليس بالضرورة طريق 19,18 يناير 1977م، ولا طريق مأساة أكتوبر 1981م، ولكنه على أى حال طريق مأساوى لن يوفر الإستقرار والسلام 35) وكأن رحمه الله كان يستشرف المستقبل فيما حدث بعد ذلك فى 25 يناير 2011م .
إننا فى مصر الآن أصبحنا فى مفترق الطرق, بحيث يدور الصراع الرئيسى حول إمكانية استمرار الحكم المدنى بصوره المختلفة أم تسليمه إلى حكومة دينية تدخل هى ذاتها فى صراع فقهى دموى لا يعلم إلا الله مداه … ودعا إلى عمل جبهة تتكون من عديد من القوى المتحضرة ” القوى الليبرالية مثل حزب الوفد, والقوى اليسارية، المرأة وغيرهم ” للمحافظة على المكاسب الإقتصادية والسياسية والإنسانية والحضارية ” 36)
وهذا ما تم فى 30-6-2013م فيما عرف بجبهة الإنقاذ ضد حكم جماعة الإخوان .
إن مصر فى خطر حقيقى، حيث إن الخطر يضرب ضرباته الموجعة فى كيان مصر كشعب واحد ووطن واحد ويستخدم فى عمليات الضرب هذه رصاصات الترويع ورصاصات التكفير ورصاصات الاستهانة بعقيدة دينية قائمة .. فضلًا عن رصاصات الاغتيال ويستخدم فى هذه الضربات طاقة وحيوية شباب مصر ” 37)
تنبأ بما حدث فى2012م بدستور الاخوان .. عندما قام الإخوان والسلفيون بوضع مادة مفسرة لمبادئ الشريعة ” المادة 219 ” وتعريفها بأنها أحكام المذاهب الفقهية قائلا: ” ربما يتمنون أن تتطور الأمور بحيث يتغير النص ليصبح أحكام الشريعة بدلا من مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع” 38)
أنا باعتقد أن الألفية الميلادية التالتة سيؤرخ لها بحادث ١١ سبتمبر ٢٠٠١م وفى اعتقادى المتواضع أن العشرة خمستاشر سنة اللى جايين هيبقوا وحشين .. أمريكا اتفئشت وتبين أنها جزء من إسرائيل ، وأننا كنا سذج عندما رأينا فى أمريكا نموذجا للحريات وحقوق الإنسان .. بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠١م تبين حاجات مكنتش أعرفها 39)
حذر مبكرا من سبوبة بعض مراكز حقوق الإنسان فى مصر قائلا : ” وبدلا من أن تكون هذه المنظمات فى شكل جمعيات أهلية فى إطار القانون 32 لعام 1964م ؛ لتكون تحت رقابة أجهزة وزارة الشئون الاجتماعية, اختصروا الطريق وأنشأوا لها مراكز دراسات وبشكل قانونى مختلف تماما عن الجمعيات الأهلية, فصارات وكأنها مكاتب تقدم استشارات فى مجال حقوق الإنسان, وتسرب من كانوا أمناء واحدا بعد الواحد – من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان 1985م – وفى سرية وهدوء دعموا علاقتهم الشخصية مع منظمات التمويل كل حسب مواهبه وضميره وخطوطه الحمراء !! وهكذا وخلال حقبة التسعينات تكونت عدة مراكز لحقوق الإنسان .. وبدلا من أن تصبح حقوق الإنسان حركة شعبية تلتف حولها جماهير غفيرة تحميها وتؤمن بها , إذ بأغلبها شلل أو جزر عرفت مصادر التمويل واحتكرت العمل فى هذا المجال وبشكل سرى وكأنها تعيد إنتاج التنظيمات اليسارية والدينية والراديكالية السرية القديمة 40)
وهو مهندس المواطنة والوحدة الوطنية :
الذى كرس حياته ومشروعه الفكرى لتوطيد مبدأ المواطنة والوحدة الوطنية فى مصر .
وكان يصدر كتبه دائما بالمقولة الرائعة : ” من أجل مصر وطنًا موحدًا كالصخر ” .
والذى يباهى دوما :
أن مصر ” أقدم “بوتقة انصهار فى العالم ” وأن نتاج هذا الإنصهار هو سبيكة واحدة متجانسة نظرًا للعمق التاريخى لهذا الانصهار ولأنه تم بعد قرون أطول … وأنها أقدم من أمريكا فى هذا المضمار41)
وأن الوحدة الوطنية من أساسيات مصر .. دى زى الماجنا كارتا متتعملش بقانون, تتعمل بوجدان الناس 42)
وأن مصر ليست بلد التخندق والتبندق ” أى الإمساك بالبنادق ” لكنها بلد التفاعل القبولى … والتاريخ المشترك يغذى ويقوى قبول الآخر 43)
وأن الرصيد التاريخى للوحدة الوطنية فى مصر من الضخامة والقوة بحيث ستتحطم على صخرته أى أمواج قد تكون طارئة أو عابرة 44)
وأن أقباط مصر ينتمون إلى الأرض والتراب المصرى انتماء الأهرام والنيل فلا يمكن لهم بالطبيعة والتاريخ والتراث إلا أن يكونوا مصريين وطنين” 45)
ويحكى بحب وحنين عن طفولته فى حى شبرا قائلا :
” كنت بجرى ورا المسحراتى بالليل, واشترى فانوس بتعريفة, وأحط فيه شمعة بمليم, وأغنى وحوى يا وحوى .
وأستنى المدفع والآذان ” الله أكبر ” .. ما هى دى شبه ألحان الكنيسة ” 46)
” كنت وأنا طفل أصر على شراء ” حصان حلاوة ” مثلما أصرت أختى نرجس على شراء ” عروسة مولد النبى ” وقال لى أحد أصدقائى المؤرخين إن عادة عمل حصان حلاوة فى موسم مولد النبى مأخوذة من حصان مارجرجس لدى الأقباط ” 47) .
ويحكى عن علاقة والدته الست ” حكيمة ” بجارتها الخالة ” أم حسين ” وكيف أرسلته والدته بمنديل ملفوف به مبلغ مالى كانت أم حسين شايلاه عندها لمصاريف جنازتها؛ وذلك لتسليمه لعمه أبو حسين لأن المرحومة كانت تعرف أن زوجها مسرف وكانت تخشى أن تأتى منيتها فجأة ولا يكون لدى زوجها ما يكفى لمصاريف الجنازة ويضطر إلى الاستدانة .. ويقرر أن هذه القصة تدل على التداخل والحب والثقة بين المسلمين والمسيحيين عبر الزمان 48)
وهذه بعض مساهمات الدكتور ميلاد حنا فى توطيد مبدأ المواطنة والوحدة الوطنية فكريا وعمليا :
أولا ) العطاء الفكرى :
للدكتور ميلاد حنا عطاء فكريا زاخرا .. يتمحور أساسا حول مبدأ المواطنة ودعم الوحدة الوطنية فى مصر
يقول الدكتور ميلاد حنا : ” كانت الثمانينات والسنوات الأولى من التسعينات, سنوات بحث عن مصر, فى تاريخ مصر, من أجل مستقبل مصر, عن الأعمدة السبعة للشخصية المصرية , عن التاريخ الخاص للمصريين , عن ذلك الشعب الواحد الذى تميز بالمحافظة على استمرار الديانتين .. مختلفًا عن غيره من الشعوب، عن خصوصية هذا الشعب وخصوصية تطوره ” 49)
1- خصوصية مصر :
الدارس لكتابات الدكتور ميلاد حنا .. يجده يركز الضوء كثيرا حول مسألة ” خصوصية مصر ” مؤكدا :
أن مصر أقدم دولة موحدة فى العالم منذ 3100 قبل الميلاد .. وأن المصريين أول من تعرفوا على أن هناك حياة أخرى بعد الموت .. وأن تدين المصريين تدين محب للحياة وهذا واضح فى إبداعات مصر فى ” العمارة, والزراعة, والفن، والنحت، والطب، والرياضة، والفلك، والفلسفة” وغير ذلك .
ومسيحية مصر وهى فى مجملها “أرثوذكسية” مختلفة .. وليس لها أى ارتباطات خارج البلاد ولكنها مسيحية مصرية قبطية أصيلية ارتبطت بالتراث والأرض 50)
والأقباط المسيحيين أقلية خاصة تختلف تمامًا عن الأرمن فى تركيا أو البربر فى الجزائر أو الجنوبين فى السودان أو الأكراد فى العراق أو الزنوج فى أمريكا أو البروتستانت فى أيرلندا وما إلى ذلك 51)
وإسلام مصر مختلف؛ ذا نكهه خاصة يعبر عن روح الإسلام فى شموله الحضارى والإنسانى .. متأثر بكل رقائق الحضارات التى سبقته .. والمسلمون المصريون على المذهب السنى ولكن محبة المصريين لأهل البيت واضحة تماما ؛ يدل عليها هذا الزحف الشعبى اليومى لزيارة جامع سيدنا الحسين وضريح السيدة زينب 52)
ويشترك ” المسيحيون والمسلمون ” فى بعض الممارسات المأخوذة عن الفراعنة فيما يتعلق بالأحزان المرتبطة بالموت والجنازات والمقابر وزيارتها والاحتفال بجناز الأربعين والاحتفال بموالد الصالحين والقديسين وطلب الشفاعة منهم وما إلى ذلك 53)
ويلفت النظر لواقعة كاشفة وهى :
أن عدد المصابين فى حريق مولد السيدة العذراء قرب دير المحرق بمركز القوصية بأسيوط فى صيف ١٩٨٨م .. كان خليطا متكافئا من المسيحيين والمسلمين 54)
فالموجود على أرض مصر” شعب واحد ” بكل مقاييس علم الأنثروبولوجيا؛ فلا خلاف بين مسيحى مصر وبين مسلمى مصر فى أى مظهر عرقى، أى لا خلاف فى لون البشرة أو حجم الجمجمة أو الذكاء .. كما لا توجد أى فروق لغوية فالكل يتحدثون ذات اللغة 55) .. ومقاسات الجمجمة والسحنة والشكل العام من طول القامة ولون البشرة واحدة واللغة واللهجة والمشاعر والتركيبة النفسية واحدة 56)
والأقباط المسيحيين ينتشرون فى مصر انتشار الماء والهواء فهم متواجدون جنبًا إلى جنب مع أشقائهم المسلمين فى كل مكان وموقع .. فى المدينة كما فى أعماق الريف” 57)
ويثمن التقليد الحضارى الفريد فى العلاقة بين مسيحى ومسلمى مصر وهو:
” البعد عن مناقشة القضايا الدينية الخلافية والسياسية الشائكة أى تلك التى توجد الخلافات والشقاق العائلى وذلك من باب المحافظة على مشاعر أطراف العائلة المختلفة …. ولكنهم بذكاء فى المقابل يكثرون من ترديد الآيات والأحاديث التى تحث على حب واحترام ” قبط مصر” ويردد المسيحيون فى اعتزاز ما جاء فى القرآن من آيات تُعلى من قدر السيدة العذراء وكيف أنها ” أفضل نساء العالمين ” …. ويرى أن هذه الممارسات فى رأيه ” حضارة ورقى ” لأن أحدًا منا لم يختر ديانته, وكل منا يحب دينه الذى ولد ونشأ وترعرع فى رحابه, ولكنه يحافظ على مشاعر الآخرين شركاء الوطن، ولهذا السبب فإن العلاقات بين المسيحين والمسلمين كانت واستمرت لعصور طويلة حميمة هادئة دون مشاكل ” 58)
وكذلك موقف مسيحيى مصر المعادى للحملات الصليبية :
” لأنهم أدركوا بفطنة أن انتماءهم الوطنى القومى هو الدائم والمستمر, وكشفوا عن أن هذه الغزوات الهمجية هى لأسباب إقتصادية … وإن اتخذت من الدين ذريعة وشعارًا … ولذلك أسماها الشعب المصرى “حرب الفرنجة ” 59)
2- مصر لكل المصرين:
هذا الكتاب من أهم كتب الدكتور ميلاد حنا .. وقد كتب مادته الفكرية عبر أكثر من سبعة عشر عاما ؛ بهدف : ”
” المساهمة مع الطلائع المثقفة والمستنيرة ـــ لشعب مصر العظيم الموحد عبر الأزمان، فى تأكيد خصوصية مصر… فى مواجهة مخططات الطائفية والتفتيت, لقد آن لنا أن نرفع عاليًا راية مصر المعاصرة، مصر الناهضة، مصر الحديثة , مصر الديمقراطية , مصر الوحدة الوطنية, مصر المستقبل .. مصر لكل المصرين ” 60)
ويؤكد محورية قضية الوحدة الوطنية فى مصر قائلا :
” إننى كمصرى .. أعتقد أنه لا توجد قضية أفضل أو أهم أو أكثر حيوية من قضية الوحدة بين الأقباط والمسلمين يمكن أن يجتمع عليها وحولها الغالبية الكبرى جدًا من شعب مصر” 61)
ويرفض مصطلح “عنصرى الأمة” قائلاً:
” لأننى أعتقد بيقين شأنى فى ذلك شأن غالبية كاسحة من المصريين إننا شعب واحد ينصهر فى بوتقة واحدة وكون سبيكة رفيعة المستوى ” 62)
ويفخر دوما أنه :
” ابن تراث حزب الوفد العظيم ، الذى نجح فى عمل ” الانصهار الوطنى ” بين المسلمين والأقباط بشعارى ” الدين لله والوطن للجميع ” و” عاش الهلال والصليب ” .
مما جعل الزعيم الهندى المهاتما غاندى قائد الحركة الوطنية فى الهند يرسل رسالة إلى الزعيم سعد زغلول يهنئه على نجاحه فى توحيد الصف المصرى جاء فيها :
” أن سعد باشا قد نجح فى مصر فيما لم يستطع غاندى أن يحققه فى الهند” 63)
ويرى أن ثورة 23 يوليو 1952م .. قد أعطت أقباط الطبقة الوسطى والفقراء وانطباعًا بالراحة وتفاؤلا بالمستقبل ولذلك ــــ وفى التحليل النهائى ـــ لم يحدث فى الفترة الناصرية أحداث تذكر تعكر صفو الوحدة الوطنية .
وينتقد حقبة السبعينات؛ لأن هناك قطاع من المصريين قد انتقل من ” التدين إلى التعصب ” .. رغم أن شعب مصر شعب متدين ولكنه ليس متعصب 64)
وأن الأوراق السياسية قد اختلطت – فى السبعينات – وتغير اتجاه الريح من اليسار إلى اليمين, واستغلت كافة الأسلحة فى تصعيد وإنماء القوى الدينية فى محاولة لافتعال معركة وهمية بين الدين واليسار65) مما أجج الفتن الطائفية فى
” الخانكة 1972م , والزاوية الحمراء 1981م وغيرهما ” .
ويمتدح تقرير لجنة تقصى الحقائق برئاسة الدكتور جمال العطيفى والتى شكلت بتاريخ ١٣-١١-١٩٧٢م قائلا :
” عملت اللجنة ليل ونهار وأنجزت تقريرًا عظيمًا يشرف مجلس الشعب, وسيظل شاهدًا للتاريخ بأن هذه اللجنة قد وضعت يدها على الجرح ولخصت أسباب الفتن … ولو كانت الحكومة ـــ أى حكومة ـــ قد أخذت بما جاء من توصيات بهذا التقرير لكانت الفتن الطائفية قد انتهت من وقتها، ولما استمرت أحداثها متكررة ومتعاقبة حتى الآن أو على الأقل لكانت قد حوصرت إلى حد بعيد … ويتحسر أن هذا التقرير الهام لم ير النور ولم يتم الإعلام به ولم يستطع الحصول على نسخة منه إلا بعد أن أصبح رئيسًا للجنة الإسكان الشعبى بمجلس الشعب ” 66)
3- – الأعمدة السبعة للشخصية المصرية :
وهذا الكتاب هو درة مؤلفات الدكتور ميلاد حنا .. وفكرته المحورية هى أن الشخصية المصرية غنية بالانتماءات التى تراكمت لدى كل مصرى عبر الزمان والمكان .. وأن جميع هذه الأعمدة داخلة فى التكوين النفسى الحضارى للمصريين .. وأن هذه الانتماءات متكاملة ومتناغمة وكأنها سيمفونية واحدة 67)
ويؤكد أن هذه الرقائق الحضارية متصلة ومتداخلة وهى رقائق شفافة غير معتمة, تركت بصماتها على الهوية المصرية, واعطت للشخصية المصرية هذه النكهة الخاصة, بل هذا التفرد غير المتكرر .. والذى وفر للمصرى السماحة وقبول الآخر باستمرار .
وأن المصرى مهما بدا أميا أو بملابس رقيقة الحال .. ولكنه يحمل بين ضلوعه وعلى كتفيه هذه الآلاف من السنين.
وأن هذه الإنتماءات المتعددة جعلت مصر بالفعل أكثر حيوية وفاعلية فى المنطقة ولها قدرة على الإستمرارية فى الحياة والوجود والمساهمة فى الحضارة الإنسانية على كل مستوى .
ويلفت النظر أن هذه الأعمدة ليست متساوية فى الطول والقطر والمتانة وإحساس المصرى بهذه الانتماءات يختلف من شخص إلى آخر بل يختلف داخل نفس الفرد من مرحلة إلى أخرى 68)
عبر الزمان :
عامود الحقبة الفرعونية :
يعتبر الدكتور ميلاد حنا العمود الفرعونى بمثابة الأساسات المتينة الممتدة الجذور فى التاريخ التى يقف عليها أى مصرى بصرف النظر عن انتمائه الدينى, والتى يعتز بها كل مصرى بأنه من أحفاد وسلالة الفراعنة العظماء الذين شيدوا أول دولة وحكومة مركزية فى التاريخ, وأن جدوده من المصريين القدماء قدموا تراثا إنسانيا رائعا وعظيما وفريدا من نوعه .
ويرى أن الانتماء الفرعونى يعطى المصرى مشاعر الاعتزاز والفخر لأن الدنيا كلها تشهد وتشيد بحضارة مصر القديمة 69)
ويدعو للاهتمام بالأدب والشعر والفكر والحكمة المصرية القديمة .
وأن الثقافة المصرية لها ساقان : ” الإسلام المصرى والمسيحية القبطية أى المصرية
وأن الساقين الثقافيتين ترتكزان على صخرة الثقافة الفرعونية الممتدة الجذور فى التاريخ ” 70)
وكان يكرر دائما : ” داخل كل مصرى فرعون صغير أو كبير يظهر فى الوقت المناسب ” .
عامود الحقبة اليونانية الرومانية :
ويرى أن هذه الحقبة هى فى واقع الأمر حقبتين قصيرتين متداخلتين يشكلان مرحلة انتقالية هامة امتدت 300 عاما :
” الحقبة اليونانية وتبدأ فى 332 ق. م .. سنة دخول الإسكندر الأكبر لمصر , والحقبة الرومانية وتبدأ فى عهد بطليموس الأول فى 305ق. م حتى 30 ق. م ”
وأهم ما يميز هذه الحقبة ” مكتبة الإسكندرية ” التى تمثل علامة وضاءة لهذه الحقبة؛ وكانت تضم ٧٠٠ ألف كتاب ، وظلت منارة لمدة ٨ قرون ، وكان بها مرصد للفلك واهتمت بدراسة كافة أنواع العلوم والهندسة والفلك والرياضيات والفنون والآداب والطب والجغرافيا والتاريخ والموسيقى وغير ذلك 71)
عامود الحقبة القبطية :
وبدأت هذه الحقبة بدخول المصريين فى ” المسيحية على المذهب الأرثوذكسى ” الذين تمسكوا به وناضلوا فى سبيل الاحتفاظ به ” وذلك على يد القديس مرقس فى منتصف القرن الأول الميلادى .
وتميزت الحقبة القبطية بطابع مميز فى الفن والأدب والفكر والقيم .
وتميزت هذه الحقبة بالتالى :
1-تغيرت فيها لغة المصريين إلى القبطية وهى اللغة المصرية القديمة ولكن بحروف يونانية مع إضافة سبعة حروف من اللغة الديموطيقية القديمة 72)
2- بداية التقويم القبطى فى 284م ” عصر الشهداء ” ومازال التقويم القبطى هو المستخدم عند الفلاح المصرى حتى الآن بصرف النظر عن الديانة 73)
3- إنشاء ” مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ” التى تخرج منها البطاركة والأساقفة فى مصر والبلدان المجاورة ، وأخذت دورا قياديا فى صياغة الفكر الدينى المسيحى فى القرون الأولى ” قانون الإيمان المسيحى ” 74)
4- ابتكار الرهبنة كإختراع مصرى أصيل .
وعرض الدكتور ميلاد حنا بعض الكلمات القبطية التى ما زالت تستخدم مثل :
” أيوه بمعنى نعم، ياما بمعنى كثير، أدينى بمعنى أعطنى، شوطة بمعنى انتشار المرض، متلتل بمعنى متوافر بكثرة، كمان بمعنى أيضاً، لقمة بمعنى جزء من رغيف الخبز ” 75)
عامود الحقبة الإسلامية :
وتبدأ هذه الحقبة فى 641م ويرى الدكتور ميلاد حنا أن المصريين استقبلوا العرب – ليس كفاتحين – ولكن كمنقذين لهم من نير الرومان 76) .
وكانت مصر معظم تاريخها ـــــ منذ عهد الإخشيد ـــــ هى المسئولة عن الحرمين الشريفين وأهلهما, وكان حاكم مصر مكلفا بأن يعنى بأمر الحج ويقوم على المسجد الحرام ومسجد المدينة والمزارات .. وكانت مصر ترسل سنويًا المحمل ” كساء الكعبة ” والصرة ” وهى أموال الذهب والفضة ” إلى مكة والمدينة كل عام 77)
وأهم ما يميز الحقبة الإسلامية :
1-أن التركيبة الشخصية للمسلم المصرى تختلف عن نظيره فى معظم الدول الإسلامية
2-إنشاء الأزهر الشريف ” جامعا وجامعة ” ليكون منذ إنشائه وحتى الآن منارة فكرية للعالم الإسلامى , وقبلة العلم الإسلامى لكافة أرجاء الدنيا .. والذى يمتاز بأنه يدرس المذاهب الفقهية دون تحيز أو تعصب .
3-تعايش الديانتين ” المسيحية والإسلام على أرض مصر ” فى وئام وسلام منذ اللقاء الأول 78)
وعبر المكان :
العامود العربى :
يؤكد الدكتور ميلاد حنا أن إن انتماء مصر إلى العالم العربى قدر ومصير .. وهى لا تستغنى عن العرب والعرب لا يستغنون عن مصر .. وأن مصر كانت وستظل قلب الأمة العربية 79)
وأن الانتماء العربى لمصر هو انتماء مقبول تسرب للمصريين … برضاهم ودون عنف … وذلك منذ قرار البطريرك غبريال بن تريك بأن تستخدم اللغة العربية فى صلاة القداسة وكافة الخدمات فى الكنيسة وذلك بجوار اللغة القبطية 80)
وأن قبط مصر ساهموا بالدور الأساسى فى بناء الأسطول العربى وساهموا فى بناء مسجد دمشق والمسجد الأقصى وإعادة بناء المسجد النبوى كما كسيت الكعبة بالقباطى المصرية 81)
وأن مصر هى ” الطبة ” التى ترجح أى من كفتى الميزان فى المنطقة 82)
العامود البحر متوسطى :
يرى أن مصر بها عرق بحر متوسطى بحكم الجغرافيا والتاريخ :
فمن غير الممكن أن ننكر التشابه فى العادات والتكوين النفسى بين أهالى المدن الساحلية فى مصر مثل الإسكندرية وبورسعيد وبين الشعوب المماثلة والمقابلة من أهالى مدن مثل بيريه وأثينا فى اليونان أو مدن لازنكا وليماسول فى قبرص أو نابولى وجنوه فى إيطاليا 83)
ومن غير الممكن أن ننكر دور الحقبتين اليونانية والرومانية ومكتبة الإسكندرية .. وكذلك دور البعثات العلمية التى أرسلها محمد على باشا إلى أوروبا .
ورغم اعترافه بأن الانتماء البحر متوسطى خافت التأثير تحس به عن بعد ولا يفرض نفسه فرضًا, ويمكن أن يلجأ إليه المثقفون فى لحظات الأزمات !!
إلا أنه يراه انتماء كامناً سيتفجر فى القرن القادم حضاريًا وسياسياً 84)
وأنه واقع بالفعل .. بشرط ألا يوضع هذا الانتماء كبديل فى مواجهة الانتماء العربى .
– العامود الأفريقى :
يرى الدكتور ميلاد حنا أن انتماء مصر لإفريقيا هو انتماء استراتيجى ” منابع نهر النيل قضية وجود لمصر ” .. ويمثل المستقبل لمصر .
وثمن دور الزعيم جمال عبد الناصر فى حركات التحرر الوطنى وفى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية
داعيا إلى تطوير مناهج التعليم والثقافة والإعلام لكى نعرف أفريقيا بشكل أعمق .. وضرورة قيام وزارة الخارجية بخلق قنوات اتصال مع دول أفريقيا وزيادة المنح الدراسية للأفارقة 85) مؤكدا أن السودان تمثل بعدا استراتيجيا لمصر.
4- قبول الآخر:
كتب الدكتور ميلاد حنا هذا الكتاب ردا على دعاة صراع وصدام الحضارات أمثال صموئيل هانتجتنون وبرنارد لويس وفى هذا الكتاب قرر :
أن ثقافة ” قبول الآخر” تشكل عاملا أساسيا فى منع قيام الصراعات الدموية أصلا , وكأنها إجراء وقائيا مثل المصل يحمى المجتمعات من الصراعات الساخنة, كما قد تتحول ثقافة قبول الآخر إلى أسلوب للعلاج وكأنها نوع من الدواء أو البلسم عقب إيقاف الحرب بشكل أو بآخر 86)
وأن المشاعر والقناعات الإنسانية الجماعية هى محرك التاريخ .. فقد يدفع الجوع الشعب أو الجماعة لغزو جماعة أخرى لديها خير وفير, وقد تنشأ حروب لأن المشاعر الجماعية للمنتمين لدين أو مذهب تتصاعد وتنمو حاملة الكراهية والبغض … فيكون المحرك الأول هو الكراهية للآخر 87)
وأن هانتجتون وبرنارد لويس هدفهما هو دعم مواقف سياسية تتخذها الدول الغربية إزاء أعدائها؛ خصوصا أن هانتجتون نشر مقاله فى المجلة التى يقرؤها أصحاب القرار السياسى فى الولايات المتحدة الأمريكية فى محاولة لإعطاء ضوء أخضر ثقافى للاستعمار88)
انتقد نظرية ” المادية التاريخية ” التى تقول أن صراع الطبقات هو محرك التاريخ … وانتقد نظرية ” صدام الحضارات ” التى ابتدعها صموئيل هانتنجتون والتى تدعى أن صراع الحضارات هو محرك التاريخ وذلك بكتابه صدام الحضارات ويراه امتدادا للفاشية والنازية التى ترى أن الأنجلو ساكسون هم أرقى السلالات ” حضارة الجنس الأبيض ” .. لأن كليهما يعمل من خلال مبدأ رفض الآخر .
يؤكد أنه لا توجد حتميات تاريخية لأن الإنسان ليس آلة صماء يتم يحريكها .
دعا الدكتور ميلاد حنا للاستفادة من تجربة ” لاهوت التحرير ” : التى حررته دول أمريكا اللاتينية فى 1968م والذى يدعو لتحرير الفقراء ضد جميع صور القهر والاستغلال فى إطار المحبة المسيحية التى تشمل الجميع غنى وفقير حاكم ومحكوم .
وطورته إلى ” لاهوت الحياة ” وهو تحرير الإنسان اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا والدفاع ليس عن الفقراء فقط بل جميع المستضعفين فى العالم .
والاهتمام بالقيم الأخلاقية والثقافية والروحية ومقاومة ثقافة الكراهية والاستغلال والكيل بمكيالين .
يرى أن الحروب لا تحل المشكلات ولا تقهر أو تحسم الاختيارات الدينية لأن التنوع ظاهرة كونية والجمال فى الطبيعة وفى الحياة هو من خلال الحوار بين الأديان والأيديولوجيات والتفاعل بين المذاهب والمعتقدات من أجل خلق ثقافة جديدة 89)
يدعو للقراءة فى الأديان بهدف البحث عن الأرضية المشتركة وليس بهدف اصطياد الأخطاء أو التعرف على نقط الضعف فى الأديان الأخرى مثلما يفعل بعض المستشرقين ؛ لأن هذا يؤدى إلى مزيد من التعصب 90)
يدعو للاهتمام بالمؤسسات التى تشكل الوجدان الشعبى ابتداء من الأسرة وصولا للمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية ” المسلسلات والأفلام ” لتنمية متطلبات التعايش الإنسانى … وعلينا أن نناضل لجعل وسائل تشكيل الوجدان القومية قومية بحق , وأن ننهض بها لكى تكون فى خدمة الشعب ومستقبله والتوجهات الوطنية العصرية والإنسانية بدلا من أن تكون فقط فى خدمة السلطة والحزب الحاكم وحدهما 91)
ثانيا ) مواقف داعمة للوحدة الوطنية :
1- أول من طالب بإنشاء لجان وجمعيات للوفاق والوحدة الوطنية فى مصر منذ 1974م:
يقول الدكتور ميلاد حنا : “من أجل ذلك وجب على شعب مصر أن ينظم نفسه ـــ بطريقة أو بأخرى ـــ من أجل الدفاع عن بقاء واستمرار الوحدة الوطنية , وفى مصر عشرات وربما مئات الشخصيات – ولولا الحرج لطرحت أسماءها فى هذا الكتاب – ـكلها أسماء نظيفة ولامعة فى مجالها تؤمن بالوحدة الوطنية ، ومستعدة لخوض المعارك فى سبيل استمرارها… ولكن كل منهم مجرد فرد غير قادر على فعل الكثير وحده… ولكنها إن تجمعت لصارت لجنة قومية وطنية قادرة على فعل الكثير.
وينبغى أن لا يقتصر تكوين هذه اللجنة القومية ـــ إن قدر لها أن تقوم ـــ على مستوى الشخصيات العامة فى القاهرة أو تلك المعروفة على مستوى مصر كلها ـــ لأن الأمر يحتاج وبالضروة إلى لجان إقليمية على مستوى المحافظات والمدن والقرى وبالذات تلك التى تحمل ظروفًا موضوعية أو ذاتية تولد الإحتكاك فما من قرية أو مدينة فى أعماق الصعيد أو مطلة على الساحل فى الشمال إلا وبها شخصيات متزنة ومتعلمة وموضع احترام غالبية الناس، يُمكّتهم لو سنحت لهم الفرصة أن يقدموا المشورة والتضحية ويحلوا المشاكل القائمة بأسلوب أفضل كثيرًا من أساليب رجال الإدارة ورجال الدين التقليدين” 92)
ويحذر قائلا : ” ما لم يتم تشكيل لجان وفاق وإخاء ومصالحة ووحدة وطنية فى كل قرية, وفى كل حى, فإن الموضوع سيصبح بالفعل خطيرًا خطيرًا وخطيرًا جدًا 93)
يكون هدفها ورسالتها :
دعم ثقافة المواطنة والتعايش
حماية مصر والمصريين من شرور الطائفية ومخاطر الإرهاب.
التحذير من محاولات زرع الفتن فى مصر بين الأقباط والمسلمين
ويحكى عن أول محاولة عملية لتنفيذ ذلك قائلا :
اجتمعنا فى منزل الدكتور وحيد رأفت فى 1987م واتفقنا على تأسيس الجمعية المصرية للوحدة الوطنية .. ولكن السلطات قالت : لا داعى فالدنيا هادئة !! 94)
وتحقق حلمه مساء الجمعة 9 أكتوبر فى1992م قائلا :
” اجتمعنا نحو عشرين وبدعوة من الأستاذ مكرم محمد أحمد بصفته نقيبًا للصحفين واتفقنا على تكوين” اللجنة المصرية للوحدة الوطنية ” وأمكننا أن نعقد أول اجتماع جماهيرى فى مجرى شارع عبد الخالق ثروت وفى الجزء الذى يبدأ من شارع رمسيس وينتهى أمام نادى القضاة فكان لقاء شعبيًا ضخمًا”ـــ” قدر الحضور بحوالى15 ألفًا ــ وأعقب الحفل أمسية فنية شعرية غنائية ألهبت المشاعر والحماس تأكيدًا للوحدة الوطنية … وكان ذلك بالنسبة لى أملًا حمدت الله أن عشت حتى أراه ” 95)
واقترح إنشاء إدارة فى الرئاسة تدير الأزمات الطائفية ولها أن تقترح تشريعات وقرارات تمنع وتقلل أسباب التوتر الطائفى .
واقترح إنشاء مجلس أعلى للوحدة الوطنية تابع ومرتبط بمجلس الشورى أو ما أشبه يصدر قرارات تنفذ المساواة الواردة فى المادة 40 من دستور 1971م وتعاقب من لا يلتزم بها كما هو الحال فى أمريكا .
2- طالب المجلس الأعلى للثقافة المصرى إلى صياغة ماجنا كرتا ثقافية مصرية تكون هى الإطار الفكرى العام الذى تتبناه كل الأجهزة التى تصوغ وتشكل وجدان مفكرى المصريين مثل وزارة التعليم والإعلام والأوقاف وفق جذورها وتاريخها وخصوصيتها لحماية مصر من النعرات المحيطة بها من كل جانب 96)
3-طالب بتوحيد القانون الذى ينظم إنشاء دور العبادة فى مصر” قانون واحد لشعب واحد ” .. وإلغاء ما يعرف بالخط الهمايونى والشروط العشرة السخيفة والمجحفة للتصريح ببناء الكنائس ؛ لأنها كانت من الأسباب الرئيسية للمصادمات بين الأقباط المسلمين 97)
4- طالب مبكرا بعطلة رسمية يوم 7 يناير فى المدارس :
حيث طالب فى مقال منشور فى 29-12-1975م وزير التعليم حينذاك الدكتور مصطفى كمال حلمى أن يكون عيد الميلاد فى7 يناير عطلة فى المدارس وأن ذلك سيسعد الأقباط ويدعم الوحدة الوطنية 98)
5- طالب بتدريس الحقبة القبطية فى المدارس :
دعا الدكتور ميلاد حنا لأهمية إدخال العهد القبطى فى مناهج التاريخ المدرسية؛ حتى يكون تاريخ مصر متصلًا ومستمرًا يمتد لنحو عشرة قرون, وحتى يدخل ضمن رقائق الحضارات المصرية, فيترسب ذلك فى وجدان ومشاعر كل أطفال وشباب مصر 99)
6- طالب بالتعريف بالفكر والممارسات المسيحية بوسائل الإعلام المسموعة والمرئية :
” وأن تفتح أبواب أجهزة الإذاعة والتليفيزيون ليدخلها الفكر والممارسات الدينية والمسيحية؛ حتى يتعودها ويفهمها كل السلاطين المصريين… وتعم المصطلحات والممارسات الدينية لكلا الطرفين ويصبح التفاهم جزءا من النسيج العصرى، لأن الإنسان عدو ما يجهل .. ولذلك فإن نشر الأدبيات القبطية على الساحة المصرية كلها من خلال الإذاعة والتليفزيون أمر ضرورى لإستمرار الوحدة الوطنية على أسس ثقافية وحضارية ” 100)
7-طالب بمنع إقامة الكانتونات السكنية المغلقة على فئة معينة :
فدعا إلى ضرورة عدم المضى فى إقامة مدن عسكرية لأبناء الجيش فى مصر , لأن رجل الجيش مثله مثل رجل الشرطة والقاضى والمدرس تعلم من حضارته المصرية ومن دينه حب الإندماج مع الآخرين والتعايش بينهم , وأن المسارات المغلقة فى مصر لا مستقبل لها سواء فى السكن أو التعليم أو العيش لأننا شعب بحبوح محب للحياة وللآخرين 101)
8- تحذيره من اللبننة السياسية :
يثمن الدكتور ميلاد حنا تجربة السويد مع القبائل المنجولية الأصل فى لابلاند بالشمال, واعطائهم كل الحقوق مثل حق ملكية الغابات وقصر حق صيد الغزال الشمالى عليهم وحقوق التأمينات والخدمات.. وكذلك تجربة الدنمارك مع سكان جزيرة جرينلاند وإعطائهم كل حقوق المواطنة
وينتقد تجربة لبنان ويعتبر ما يحدث بها “مرض” قائلا :
” لقد أصبحت مصر الآن كما كانت لبنان من ناحية كونها سوقًا إقتصادية لمنتجات العالم الرأسمالى ويبدو أن هناك مخططًا أن تتحول مصر إلى لبنان أخرى من الناحية السياسية … فى الصراع الطائفى أو الحرب الأهلية لا غالب ولا مغلوب ولكنه خراب ودمار على الكل… وذلك يدعونا لأن نبذل كل الجهد ونتوادد ونرجح العقل والحكمة … لكى نتجنب لبننة مصر ولو على الطريقة المصرية ” 102)
مؤكدا أن المؤامرات الخارجية لا تخلق المشكلة ولكنها تستفيد من نزاع قائم فتعمقه حتى ينتهى الجدار ويتساقط على كل من فيه 103)
ويرفض نظام المحاصصة فى المناصب بين المسلمين والأقباط ويصر أن تكون الكفاءة والكفاءة وحدها هى المعيار104)
وبعد هذه الجولة فى عقل وفكر الدكتور ميلاد حنا , يتبين لنا إنه يستحق عن جدارة لقب ” مهندس المواطنة والوحدة الوطنية فى مصر ”
ولذلك حضر قداسه بالكنيسة مثقفو وسياسيو مصر .. مقرين بقدره ومكانته ودوره الوطنى الكبير:
يقول قداسة البابا تواضروس :
” الدكتور ميلاد حنا .. أحد رموز الوحدة الوطنية , له مؤلفات ثقافية متعددة وبعضها مترجم إلى لغات أجنية متعددة .. عمل كثيرا لهذا المجتمع ”
ويقول الدكتور رفعت السعيد :
” إن ميلاد حنا أحد أعمدة مدرسة الحركة الوطنية فى مصر ورمز من رموز الوحدة الوطنية .. وكان قائدا سياسيا دافع عن الوحدة الوطنية بجسارة ”
وعن عدم حضور من رئاسة الجمهورية ” الإخوان ” لحضور جنازته يقول د. رفعت السعيد :
” لا تستحق الرئاسة أن تنال شرف حضور جنازته ” 105)
ويقول المفكر والإعلامي أحمد المسلماني :
” كان الدكتور ميلاد حنا كاتبا ومفكرا كبيرا , وكان شخصا دمث الخلق ومهذب ورقيق وكان متواضعا .. وكان دافئا مع الأجيال الجديدة.
كما أنه كان عالما كبيرا ليس فقط فى مجال الهندسة ولكن أيضا فى مجالات الفكر والسياسة.
كما كان أحد أعمدة المدرسة الوطنية المصرية .. وأنا أعتبره امتداد لمدرسة مكرم عبيد باشا.
وأتمنى أن تستمر المبادئ التى وضعها ماثلة فى الأجيال القادمة من المصريين 106)
وكرمته الدولة المصرية عندما جعلت كتابه الرائع ” الأعمدة السبعة للشخصية المصرية ” المحور الرئيسى لفاعليات منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ 2018م
التعليقات مغلقة.