مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

د. محمد الحلفاوي يكتب جمال بدوى .. عاشق التاريخ

بقلم د. محمد الحلفاوى

بطاقة حياة :

1- ولد فى 12-2-1934م بمدينة بسيون محافظة الغربية بمصر

2- حصل على الشهادة الإبتدائية ببسيون 1945م

3- حصل على الشهادة الثانوية بطنطا 1956م

4- حصل على ليسانس آداب قسم صحافة جامعة القاهرة فى 1961م

5- عين صحفيا بجريدة أخبار اليوم 1962م

6- انتدب للعمل بجريدة الإتحاد الإماراتية فى الفترة من 1972-1981م

7- شارك فى تأسيس جريدة الوفد ” مديرا للتحرير ” فى 1984م

8- عين رئيسا لتحرير جريدة الوفد فى 1989م

9- اختير رئيسا للجنة الثقافة والفكر بحزب الوفد وعضوا بالهيئة العليا للحزب

10- أسس جريدة ” صوت الأزهر ” فى 1999م

11- قام بتقديم أكثر من برنامج تليفزيونى مثل ” حدوتة مصرية , قطايف ”

12- حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى 1995م

13- توفى فى 31-12-2007م ودفن فى مسقط رأسه بسيون

 

من مؤلفاته :

( مصر من نافذة التاريخ , محمد على وأولاده , المماليك على عرش مصر , الفاطمية دولة التفاريح والتباريح , مسافرون إلى الله بلا متاع , الطغاة والبغاة , معارك صحفية , مسرور السياف وإخوانه , أنا المصرى , فى محراب الفكر , دهاليز الصحافة , الوحدة الوطنية بديلا عن الفتنة الطائفية , مسلمون وأقباط من المهد إلى المجد , حكايات مصرية وغيرها )

 

 

هو محمد جمال الدين إسماعيل بدوى .. الصحفى والمؤرخ والمعارض السياسى والوطنى والمثقف والعروبى والصوفى والإنسان ومن رواد المواطنة فى مصر.

 

فهو الصحفى :

الذى عشق الصحافة منذ شبابه المبكر؛ ولذلك التحق بقسم التحرير والصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة .. ولتميزه اختاره الأستاذ الكبير مصطفى أمين للعمل بأخبار اليوم وهو مازال طالبا , وعين فور تخرجه صحفيا بجريدة أخبار اليوم .

ثم أعير للعمل بجريدة الإتحاد الإماراتية لما يقرب من 10 سنوات .

وعندما عاد لأرض الوطن شارك فى تأسيس جريدة الوفد كمدير للتحرير ثم رئيسا لتحريرها فى 1989م  .

ثم كلفه الإمام الأكبر شيخ الأزهر بتأسس جريدة ” صوت الأزهر ” ورئاسة تحريرها فى 1999م , وقام بالمهة خير قيام ولاقت الجريدة نجاحا كبيرا .

ولذلك يعد الأستاذ جمال بدوى – بحق – شيخا من شيوخ مهنة الصحافة فى مصر والوطن العربى.

والصحافة عند الأستاذ جمال بدوى :

“مهنة سامية سلاحها القلم, ودرعها الكلمة وجيشها كتائب الصحفيين الساهريين فى خنادقهم للدفاع عن حق المجتمع المصرى فى أن يعيش حرًا عزيزًا فى وطن كريم”1)

ورسالة الصحافة عند كاتبنا الكبير:

” أن توقظ العقول المغيبة وتزرع فى نفوس المصريين بذور الوطنية والإباء والتضحية والتماسك الإجتماعى وتغرس فى قلوب الشباب قيم الرجولة والصلابة والمثل العليا ” 2)

” هز العروش وإسقاط الحكومات المستبدة والتصدى للطغاة الذين سلبوا حق الشعب فى السيادة , نريد كتابا يعرفون قيمة الكلمة ومسئولية الرأى وجسارة التعبير ومقاومة الظلم ” 3)

” أمامنا قضية الديمقراطية التى تتطلب من كل الأقلام أن تعمل على تنميتها والتشبث بها , أمامنا وصمة تزوير الانتخابات النيابية والمحلية وتزييف إرادة الشعب المصرى وإحتكار السلطة وسيطرة الحزب الواحد وأمامنا قضية العدل الإجتماعى والفساد وسقوط هيبة القانون ” 4)

وخاض الأستاذ جمال بدوى معارك كثيرة للدفاع عن حرية الصحافة واستقلالها؛

لأنه يؤمن أن ” حرية الصحافة عمود من أعمدة المجتمع  وبقدر صلابتها تترسخ وتنتعش باقى الحريات” 5)

وتتذكر الجماعة الصحفية المصرية موقفه الصلب ضد قانون “93” لسنة 1995م  المسمى إعلاميا بقانون اغتيال الصحافة وكتب مجموعة مقالات نارية تهاجم وتنتقد صدوره جاء فيها: ” هذا القانون صدر تحت جنح الظلام ليغتال حرية الصحافة ويكبت حرية الرأى ويحمى الفساد والمفسدين ” 6)

لأن حرية الصحافة – عند الأستاذ جمال بدوى – من حرية الوطن والدفاع عن حرية الصحافة واجب وطنى ومهنة مقدسة .. وبقدر ما يتمتع الصحفى بحق التعبير بقدر ما يتمتع المواطن بحقوقه العامة التى كفلتها له الشرائع والدساتير والقوانين ومواثيق الشرف الصحفى … ومن أوليات هذا الحقوق:

حرمة الحياة الخاصة فلا تنتهك ولا تستباح ولا تكون عرضة للإبتزاز والتهديد والتشهير ولا يجب أن تختلط حدود العمل العام بحدود الحياة الخاصة” 7)

وانتقد غلق الصحف  – بقرارات إدارية – مثل جريدة الدستور, وعارض حبس الصحفيين فى قضايا النشر .

وله موقف معارض لنقل الأستاذ عادل حمودة من روز اليوسف إلى الأهرام فى تسعينات القرن الماضى .

ولكنه يفرق بين الحرية والفوضى قائلًا :

” الحرية مسئولية وإلتزام ورسالة الصحافة هى البناء والتربية والانتصار للمثل العليا والترفع عن إثارة الغرائز… والحرية لها التزامات وضوابط أصعب من الفوضى… فالأديان لها حرمة … والأعراض لها حرمة لا يجوز الخوض فيها والأمن القومى له حرمة إذا اخترقت تعرضت البلاد للخطر… وأخشى أن تتحول حالة المرور الفوضوى فى شوارع القاهرة إلى سوق الصحافة؛ فيختلط الحابل بالنابل ويتصرف كل إنسان وفق هواه ومصلحته الخاصة الضيقة ويتحول القلم فى أيدى البلطجية إلى قرن غزال !! ” 8)

وعندما استشرت ظاهرة الصحف الصفراء التى لا تلتزم بالمهنية ولا بميثاق الشرف الصحفى – فى حقبة التسعينات من القرن الماضى-  كتب محذرا منها قائلا :

” لا يليق ولا ينبغى أن نسكت على ظهور الصحافة الصفراء كما هو الحال فى أمريكا وإنجلترا وفرنسا؛ فنحن مجتمع شرقى له تراث خلقى قديم وتحكمه قيم وتقاليد وآداب تراكمت عبر آلاف السنين… ثم لماذا لا نقلد الغرب إلا فيما هو تافه وضار إنهم هناك يحترمون العقل ويقدسون الوقت ويعتبرون الحرية الشخصية هى حرية الفكر والرأى وليس حرية الإيذاء والابتزاز والتشهير والفضايح والإثارة … فلماذا لا تأخذ عنهم هذا الجانب الإيجابى ” 9)

ويتساءل:

كيف صدرت تراخيص هذه الصحف الصفراء فى غيبة المجلس الأعلى للصحافة

ودون معرفة مصادر تمويلها وهياكلها المالية والإدارية عملًا بنص القانون ثم من الذى يحاسبها على ما تمارسه من أعمال الابتزاز والبلطجه والتهديد بالتشهير والفضائح 10)

وينتقد ظاهرة قيام بعض الأحزاب ببيع تراخيص الصحف لكل من يدفع … حتى امتهن الصحافة كل من لا مهنة له وأصبح الأمر سداح مداح !!

وضرب مثلا بأن أحد الأحزاب حصل على 25 رخصة 11)

ودعا لتفعيل مثياق الشرف الصحفى وشطب الصحفى الذى يخالف ميثاق الشرف الصحفى وطرده من الجماعة الصحفية وحرمانه من العمل فى هذه المهنة الجليلة معتبرا ذلك أشد وأنكى من حبسه 12)

وطالب بتطبيق وتفعيل القانون ومنع من لم يحصل على عضوية نقابة الصحفيين بالعمل بالصحافة.

ودعا نقابة الصحفيين للقيام برسالتها فى الحفاظ على آداب المهنة وعدم الوقوع فى كماشة الصفقات الإنتخابية وعدم إتخاذ قرار حاسم حتى لا يفقد مجلسها الأصوات فى الانتخابات التالية 13)

وهو المؤرخ:

العاشق للتاريخ بوجه عام والتاريخ المصرى بوجه خاص؛ الذى استطاع عرض التاريخ المصرى والعربى بالصحافة المصرية – بطريقة سهلة وشيقة – حتى أطلق عليه بحق ” جبرتى الصحفيين ” .

والذى يفخر بالتاريخ المصرى قائلا :

” إن تاريخنا هو أطول تاريخ فى حياة الأمم والشعوب , وهو ملئ بالتجارب والعبر والدروس زاخر بالأمجاد والكبوات والانتصارات والانتكاسات, ومن شأن هذه التجارب الثرية أن تزرع فى نفوسنا الثقة والأمل والتفاؤل, وتنزع منها الخوف والقلق والإحساس بالضياع ” 14)

ويؤمن أن تاريخ مصر حلقات متواصلة ومتماسكة قائلا :

” إن أحداث اليوم هى بنات الأمس .. وإن أحداث التاريخ تجرى بقوة دفع مطرد… فكل حادث يملك فى داخله عوامل ذاتية, تدفع به إلى الأمام فيتولد منه حادث جديد مشابه له فى الشكل ولكنه يخالفه المحتوى والمضمون..وهكذا تسير دومًا عجلة التاريخ” 15)

والتاريخ فى فكر الأستاذ جمال بدوى هو:

” ذلك المرشد والمنصف المثقف الذى يطوف بنا المتاحف والمساجد والمعابد والمقابر ويأخذنا إلى آثار الأقدمين لنرى ونتعلم منهم كيف ارتفعوا إلى الذرى العالية… ولماذا هبطوا إلى السطح فنضع أيدينا على عوامل السمو والرفعة والقوة وندرك أسباب السقوط والتدهور والانحدار ” 16)

والغاية والهدف من دراسة التاريخ :

” هى بث العبرة  فى نفوس الناس فينظرون إلى واقعهم نظرة واعية لأن الإنسان لن يفهم نفسه وحاضره دون أن يفهم ماضيه ومعرفة الماضى تكسبه خبرة السنين الطويلة ” 17)

ويحدد الأستاذ جمال بدوى المدرسة التاريخية التى ينتمى إليها قائلا :

” إننى أنتمى إلى مدرسة تنظر إلى التاريخ على أنه آداة للازعاج واليقظة والوعى والتنوير…وأنه دعوة شريفة إلى النظر والتفكير والتدبر ومن ثم إلى التغيير والتقدم ولا يمكن أن يكون مادة للتسلية أو تزجية الفراغ أو قتل الوقت … فالتاريخ الذى نقرؤه لن تكون له قيمة عملية إذا لم نهضمه كما نهضم الطعام ثم نتمثله داخل أمعائنا ليتحول إلى عصارة خلوية تعمل على تجديد الخلايا واستمرار الحيوية والنشاط للجسم ” 18)

ولكنه يؤكد أن جدية النظرة إلى التاريخ لا تمنع من صياغة المادة التاريخية فى شكل جذاب أدبى أو قصصى أو تمثيلى فهذه كلها قوالب شكلية هدفها تقديم المادة التاريخية فى صيغة مقبولة غير منفرة . 19 )

وأنه يكتب دراساته التاريخية بهدف إزعاج القارئ حتى يعرف نفسه … وأن همه الأول هو البحث عن أثر هذه الأحداث القديمة  فى المصريين المحدثين 20)

داعيا لقراءة التاريخ برؤية ناقدة ذكية وذلك لاستخلاص القوانين الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التى تنطوى عليها الحادثات الظاهرة 21)

لأن الشعوب العظيمة لا تتنكر لماضيها ولا تلون تاريخها وتستخرج أروع ما فى هذا التاريخ لتجعل منه نبراسا يهديها إلى المستقبل الواعد  22)

ويدعوالأستاذ جمال بدوى بكتاباته التاريخية أن يقوم القارئ بنفسه بتكملة

المشوار :

” فينقب فى بطون الكتب عن أصول هذه المشاهد وجذورها المدفونة فى تربة مصر منذ فجر التاريخ الإنسانى، عندئذ سوف تكتمل أمامه أجزاء الصورة وتتصل حلقات السلسلة …عندئذ يعرف المصرى نفسه…ويجد الجواب عن كثير من الأسئلة الحائرة التى تتزاحم بها أحداث اليوم” 23)

ولقد قام الأستاذ جمال بدوى بالتأريخ للدولة الفاطمية ودولة المماليك وأسرة محمد على وأولاده , وكتب عن الطغاة والبغاة , وجال خلال مراحل التاريخ المصرى والعربى , وحرر كتابا ضخما عن تاريخ حزب الوفد بمشاركة أ. لمعى المطيعى , وأرخ للصحافة ودهاليزها , وأرخ لمصر من خلال أعداد مجلة المصور.

 

وللأستاذ جمال بدوى نظرات تاريخية عميقة منها :

1-رفضه مقولة ” إن التاريخ يعيد نفسه ” قائلا :

” هذه مقولة تخالف طبيعة الأشياء وتناقض حركة الحياة التى تسير فى خط مطرد نحو الأمام … ولو تخيلنا أنها تسير نحو الوراء لكان شأنها شأن عقارب الساعة إذا دارت عكس الإتجاه المتعارف عليه منذ اخترعت الساعة … وكان معنى ذلك أن الزمان ثابت لا يتحرك … وهو إيقاع يقضى على الكائن الحى  بالضمور والإنقراض” 24)

” التاريخ لا يعيد نفسه أبدًا، وعجلة الزمن لا تدور إلى الوراء وإنما تمضى إلى الأمام فى تقدم مستمر؛ ولو دار التاريخ حول نفسه لتوقفت آلة الزمن، فلا يكون هناك إرتقاء إلى أعلى أو تقدم إلى الأمام …وإنما تكون هناك حركة دائرية كحجر الرحى تنتهى إلى حيث بدأت… إنما التاريخ يعيد المشكلات القديمة فتتشابه أمام عيوننا ويخيل إلينا أنها صورة كربونية لما وقع فى الماضى … ولو أنصفنا مع الحقيقة التاريخية لوجهنا اللوم إلى أنفسنا لأننا سمحنا للمحن والتجارب المريرة أن تتكرر ولم نتدخل لتغيير مسارها بمقتضى التجربة التى مارسناها والخبرات التى اكتسبناها من قراءة التاريخ ولكن أين هو الإنسان الذى يعتبر من محن غيره ؟! 25)

2- إنصافه فى تقويم الدول والرجال :

يقول الأستاذ جمال بدوى : ” إن العدالة فى تقويم العظماء تقتضى أن نحكم عليهم بمقاييس عصرهم وليس بمقاييس عصرنا , وأن نفهم الظروف التى عاشوا فيها وهى بلا شك تختلف شكلًا ومضمونًا عن ظروف عصرنا ” 26)

ولذلك نجده ينصف دولة المماليك – رغم نقده لأخطائهم – لأنهم :

” دافعوا عن مصر والشرق الإسلامى يوم أطبقت عليهما جحافل المغول من الشرق وجيوش الصليبين من الغرب, وهم الذين فتنوا بجمال العمارة وتلك آثارهم تدل عليهم فى المساجد والمدارس والأضرحة والأسبلة .. فأذلوا كبرياء هولاكو فى عين جالوت، وأسروا لويس التاسع فى المنصورة، ولكنهم حين خلدوا إلى النعيم واللهو والمجون فقدوا مبرر وجودهم … وقبل أن يفنى المماليك على يد محمد على كانت عوامل الفناء الذاتى قد حكمت عليهم بالموت البطئ وما دروا أنهم صنعوا أكفانهم بأيديهم ودخلوا مرحلة الفناء البطئ حين تجاهلوا حكمة التاريخ ” 27 )

وينصف الخديوى إسماعيل – رغم خطاياه – ويثمن له فتوح أفريقيا ووادى النيل ومحاربته لتجارة الرقيق .

وينصف مصطفى رياض باشا – أبو الإستبداد – ويعترف أنه كان ” إداريا حازما محبا للعمل يمتاز بالنزاهة والاستقامة والتعفف عن الرشوة، ألغى السخرة، وأبطل الضرب بالكرباج فى تحصيل الضرائب، وسمح بجمع الأموال الأميرية بالتقسيط وقرر توزيع مواعيد الرى توزيعًا عادلًا, وألغى 30 ضريبة صغيرة كانت ترهق صغار الفلاحين وقرر زيادة الضريبة على كبارهم، واستصدر قرارًا بأيلولة قصور الخديوى المخلوع “إسماعيل” وأفراد عائلته إلى ملكية الدولة ” 28)

3- خطيئة محمد على باشا :

رغم اعتراف الأستاذ جمال بدوى بأن محمد على باشا هو مؤسس مصر الحديثة, وأنه وضع خطة طموحة لإقامة العديد من المشروعات الكبرى… مثل شق الترع والمصارف وبناء السدود والقناطر من أجل إنشاء دولة حديثة قوية.

إلا أنه يأخذ عليه أنه ” لم يبذل أدنى اهتمام بالإنسان المصرى الذى يقوم بتنفيذ هذه المشروعات… وكان يستخدم السخرة والكرباج فى إجبار المصريين على العمل فى ظروف بالغة القسوة، وكان الآلاف يهلكون جوعًا وضنكًا وإعياء .. فما قيمة  المشروعات إذا أهدرت آدمية المواطن ” 29)

4- الزعيم محمد كريم وحكاية مزعومة :

رد الأستاذ جمال بدوى حكاية تم تداول – نقلا عن الجبرتى – مفادها أن الزعيم الشعبى محمد كريم بعد محاكمته فى6- 9-1799م بميدان الرميلة “صلاح الدين حاليًا” , والحكم عليه بالإعدام بواسطة الفرنسيين , عرضوا عليه فدية مالية ؛ لإلغاء حكم الإعدام فقال: ” اشترونى يا مسلمين” ولكنهم لم يغيثوه فقد كان كل إنسان مشغولًا بنفسه !!

وحجته :

رواية ” فانتور” كبير مترجمى الحملة الفرنسية والذى كان شاهد عيان للمحاكمة والذى شهد أن الزعيم محمد كريم رد عليه – عندما نصحه بدفع الفدية المالية – قائلا :

إذا كان مقدرًا على أن أموت فلن يعصمنى من الموت أن أدفع هذا المبلغ وإذا كان مقدورًا لى الحياة فعلام أدفعه؟!

والجبرتى لم يكن شاهدا لهذه المحاكمة بل يغلب على الظن أنه كان منزويًا فى بيته بالصنادقية فى ذلك اليوم العصيب !!

فرواية المستشرق ” فانتور ” رواية شاهد عيان ورواية الجبرتى لو كانت صحيحة لما فات الفرنسيين أن يذكروها للتشهير بالمصرين عموما  30)

5- مجلس شورى النواب وقصة مزعومة :

فند الأستاذ جمال بدوى قصة متداولة – تسئ لرواد التجربة البرلمانية المصرية – مفادها أنه قبيل انعقاد مجلس شورى النواب لأول مرة فى 1866م اجتمع شريف باشا مع النواب البالغ عددهم حينذاك “75 نائبًا” بالقلعة… وطلب منهم أن يجلس مؤيد الحكومة “بالمقاعد اليمين”، ويجلس المعارض “بالمقاعد اليسار” , ولكنهم رفضوا الجلوس فى اليسار وأجابوا أنهم لا يعارضون أفندينا !!

وأكد أن هذه قصة يرفضها العقل وميزان البحث التاريخى , وهى قصة مختلقة ليس لها أصل فى مصادر التاريخ الموثوق بها ومن مخترعات الكتابات الأوروبية 31)

واستند لقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعى الذى أكد أن هذه القصة ليس لها سند من أقوال شهود العيان ولا جاء ذكرها ولو تلميحًا فى مضابط المجلس .

6- إلقاؤه الضوء على وقائع تكاد تكون مجهولة فى تاريخنا المعاصر مثل :

– حادثة دنشواى الصغرى المنسية فى التاريخ وذلك بقرية الكونيسة القريبة من أهرامات الجيزة فى 27 مارس 1887م  32)

– مؤتمر العمال الأول فى 25 مارس 1909م بحديقة الأزبكية وبداية الفكر الاشتراكى 33)

– تبرع أميرات وأمراء الأسرة العلوية للثورة العرابية , وتبرع الأميرة خوشيار أم الخديو إسماعيل بجميع خيول عرباتها وانهالوا على عرابى بهدايا ثمينة اعترافًا بمجده وبطولته 34)

– ياسين – بطل قصة ياسين وبهية الشهيرة – قاتل بأجر ومجرم سفاح قتله اللواء صالح حرب 35)

– قصة أول دعوة إلى الإضراب العام فى تاريخ القضاء المصرى ردًا على مماطلة الحكومة فى تنفيذ قرار المحكمة بالحيلولة بين الزوجين “الشيخ على يوسف وصفية” لحين البت فى القضية فى27/7/1904م.

حيث قام القاضى الشرعى الشيخ أحمد أبو خطوة بقراءة رسالة قاضى القضاة الشيخ عبد الرحمن الأفندى بمحافظة القاهرة والتى جاء فيها :

“تتوقف جميع محاكم مصر الشرعي عن نظر القضايا المعروضة عليها إذا لم تلتزم الحكومة بتنفيذ حكم القضاء واحترام قراراته .

وخرجت الجماهير إلى ميدان باب الخلق وأحاطت بمبنى المحافظة الملاحق لمبنى المحكمة , مما اضطر مجلس الوزراء للاجتماع العاجل وأصدر بيانا أعلن فيه التزامه بتنفيذ قرار المحكمة ” الحيلولة بين الزوجين لحين الفصل فى القضية ”

واضطرت الدولة بكل هيلمانها إلى أن تتراجع أمام سطوة شيخين أزهريين لا يملكان من مظاهر القوة سوى شجاعة القلب ويقظة الضمير واحترام النفس والترفع عن تملق الحكومة والتمسك بكرامة القضاء 36)

 

المعارض السياسى:

خاض الأستاذ جمال بدوى العمل السياسى من خلال حزب الوفد , حيث عمل مديرا ثم رئيسا لتحرير جريدة الوفد , ورئيسا للجنة الثقافة والفكر وعضو الهيئة العليا بالحزب , ومن خلال عمله الصحفى كتب المقالات وقاد المعارك الصحفية ضد أوجه القصور فى الحياة المصرية بوجه عام والسياسية بوجه خاص .

1- الدفاع عن الديمقراطية :

دافع الأستاذ جمال بدوى فى جميع كتاباته عن الديمقراطية وحارب الإستبداد والديكتاتورية وكان يرى أن ” الديمقراطية هى طوق النجاة ” 37)

وأن الديكتاتورية هى ” البؤرة السرطانية ” التى تتفرع عنها كل العلل والمصائب التى تعاينها الشعوب حتى تتحول إلى وباء سرطانى يستعصى عليه العلاج 38 )

وكان يشيد دائما بكتاب ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ” لعبد الرحمن الكواكبى الذى عالج قضية الاستبداد وأنها أس الداء.

ويرى أن أثر هذا الكتاب لا يقل عن أثر العقد الإجتماعى لروسو وروح القوانين لمونتيسكو فى العالم الغربى 39)

2- مطالبته بإلغاء قانون الطوارئ:

هاجم الأستاذ جمال بدوى قانون الطوارئ فى مقالاته ولقاءاته وطالب بإلغائه 40)

مستعرضا آثاره السيئة وكيف أنه وسع الفجوة بين الشعب وبين جهاز الأمن بسبب الممارسات  والتجاوزات المنافية للديمقراطية وحقوق الإنسان .

ويستطرد قائلا : ” الطغاة ليسوا أذكياء كما يتصورون أنفسهم أو كما تصورهم أجهزة الدعاية المأجورة، ولو كانوا أذكياء حقًا لنظروا إلى المستقبل نظرة واعية، وبنوا لأنفسهم قصورًا فى صدور رعاياهم فهى الأبقى والأخلد ذكرًا من القصور المشيدة على شواطئ الريفيرا وسواحل بحيرة جنيف، فمتاع الدنيا إلى زوال، والبقاء للعدل والرحمة والنزاهة والتعفف عن أموال الدولة والثروة الحقيقية للحاكم هى: حب الناس له، وثقتهم فيه وارتباطهم به ويزداد حبهم له كلما لمسوا من تصرفاته نزعة الخير والعطف والسهر على مصالحهم 41)

3- مهاجمته تزوير الانتخابات :

هاجم الأستاذ جمال بدوى حكومة الحزب الوطنى الحاكم – حينذاك – لقيامها بتزوير الانتخابات واستعانتها بالبلطجية والفتوات وحملة الخناجر والسنج ومطاوى قرن غزال وتحدى أحكام القضاء تحت دعوى المجلس سيد قراره 42)

4- معارضته خصخصة المنشآت الحيوية :

هاجم سياسية حكومة الحزب الوطنى ببيبع المنشآت العامة الحيوية تحت مسمى

” الخصخصة ” ؛ فعارض بشدة وفى مقال نارى القانون الذى وافق عليه مجلس الشعب بإعطاء القطاع الخاص حق إنشاء وإدارة واستغلال المطارات لمدة 99 سنة 43)

واعتبر هذا وضعا للأجواء المصرية تحت رحمة رجال الأعمال والصهاينة قائلا :

” لقد أصبح كل شئ فى مصر مباحًا للأجانب وحلفائهم المصريين وصار كل شئ فى مصر عرضة للبيع والشراء والرهن والهبة والإدارة والصيانة والاستغلال؛ فلماذا لا تعلنون عن بيعها مفروشة فتستريحوا.. وتجلسوا على باب العمارة تقبضون الثمن من الغادين والرائجين!! ” 44)

5- دفاعه عن المال العام:

دافع الأستاذ جمال بدوى عن المال العام وكتب مقالات نارية عن الرعاة الذين تحولوا إلى لصوص لأموال القطاع العام 45)

وكتب قائلا : ” ويل لأمة تسحق فيها حقوق الضعفاء والمساكين وترتفع فيها رايات الأفاكين والحباكين والأقافين ؟ودعاة الضلال والفجور ” 46)

وفى 1995م حضر وفد الإتحاد النسائى الكويتى لتهنئة الرئيس مبارك بالنجاة من محاولة الإغتيال بأديس أبابا, وقام مبارك بمهاجمة الصحفيين المصريين أثناء اللقاء؛ فقامت صحفية كويتية كانت ضمن الوفد النسائى وقالت له :

“الصحفيون المصريون شوامخ وأساتذه علمونا ودفعوا ثمنا غاليا جدا من أجل الحرية”

ونشرت مقالا بصحيفة كويتية حكت فيه ما حدث .

فقام الأستاذ جمال بدوى بنشر مقال ” أصابت امرأة وأخطأ الرئيس ” بجريدة الوفد كان من نتائجه تعرضه للإعتداء البدنى العنيف!!

وهو الوطنى  الفخور بمصريته :

الذى يفخر بمصريته قائلا :

” أنا أحد أبناء هذا الشعب الطيب الصبور، الذى حمل على صدره أحجار الهرم وارتفع بها مدماكًا فوق مدماك، وحمل على كتفه القوس والسهم والسيف والبندقية، وسار خلف تحوتمس ورمسيس وصلاح الدين وقطز ويببرس ومحمد على وأمسك الفأس ليشق ترع المحمودية والإبراهمية والإسماعيلية ليعم الرخاء والنماء أرض مصر.. ثم حفر قناة السويس ليربط الغرب بالشرق” 47)

” نحن شعب يضرب بجذوره فى عمق الزمن إلى بواكير الحياة البشرية , وظهر على مسرح التاريخ المكتوب وأرسى لبنات الحضارة الأولى يوم كان الآخرون يسيحون فى الصحراء ويقطعون الفيافى ويعبرون الأنهار بحثا عن الكلأ والزاد على حواف الوادى الأخضر !! ” 48)

ودافع عن حق المصريين فى حكم بلادهم قائلا :

” الإسلام لم يقل إن حكم مصر حلال لكافور الإخشيدى وابن طولون المنغولى وحوش قدم الألمانى الأصيل…وحرام على أبنائها!! 49)

ويؤكد الفرق بين المعارضة الوطنية وبين إثارة الفوضى قائلا :

” إن معارضة الحكومة لا تعنى إثارة الشغب وتحريض الفلاحين على الفوضى واشعال الحرائق دون النظر إلى عواقب هذه الأعمال، وعندما تشتعل النار فسوف تلتهم الظالم والمظلوم والمالك والمستأجر والصالح والفاسد والنار ليس لها عيون بصيرة، تفرق بين العدل والظلم” 50)

ودافع عن مصر ضد هجوم رئيس صحيفة القدس الفلسطينية الذى أهان مصر وسوريا على قناة الجزيرة القطرية بأنها تلقت رشوة لقاء مشاركتها فى حرب تحرير الكويت معترضا على ذلك قائلا :

” كلمة رشوة تعبير ساقط لا يصدر إلا عن نفس حاقدة شريرة واصفًا ذلك بالتضليل والكذب والحقد ” 51)

وانتقد بشدة قيام صحفية قطرية بوصف الإمام الأكبر شيخ الأزهر بأنه “سنية شخلع” واصفا ذلك : بأنه حضيض السفالة وانحراف برسالة الصحافة عن النقد المهذب إلى مستوى المواخير التى تبيع الفجور فى سوق الرذيلة 52 )

ورفض تدخل المنظمات الدولية ومحاولتها فرض وصايتها على الدولة المصرية عندما ادعت إحدى الجمعيات الحقوقية إحالة 130 كاتبا صحفيا للتحقيق مع أن معظم هذه التحقيقات مضى عليها سنوات وتم حفظها” 53)

وحذر من الاستعانة بالخبرات الإسرائيلية فى مجال الزراعة 54)

وعندما قرأ تصريحا للسفير الأمريكى بأحد وكالات الأنباء العالمية يفيد بافتتاح مكتب أمنى أمريكى داخل مصر ” فرع من جهازFBi ” انتفض وكتب مقالا ناريا بعنوان ” نمضغ الزلط…ولا نبيع كرامتنا ” 55)

 

ووقف مع مصر فى حربها ضد الإرهاب اللعين قائلا :

” إن الإرهابيين مجرمون قتلة جبناء وليسوا متطرفين أو أصحاب فكر “.

” ولابد من وقفة أمنية صارمة مع أصابع الإرهاب أولا: مع الجهات التى تغذيها بالمال والسلاح ثانيًا: علينا أن نقطع رأس الأفعى قبل أن نقطع ذيلها ” 56)

وعندما وقعت مذبحة الدير البحرى بالأقصر فى 11-11-1997م والتى راح ضحيتها 58 سائحا كتب يقول :

” إن الذين قتلوا السياح فى الأقصر, يظنون أنهم سيقيمون شرع الله فى مصر وأنهم سيملئون الأرض عدلًا بعد أن ملئت جورًا, وما علموا أنهم كانوا مخالب جارحة فى أصابع خبيثة تتحرك فى الظلام من أجل إشاعة الفوضى والدمار, وإذكاء  نار الفتن والخراب وتعطيل مسيرة الديمقراطية وتحول مصر إلى كوم رماد يجلس على قمته الوغد الصهيونى” 57)

وحذر منذ ربع قرن من مخطط  إقامة سدود على منابع النيل معتبرا ذلك تهديدا للأمن القومى المصرى قائلا :

” نحن مهددون بالموت جوعًا وعطشًا؛ لأن قيام أثيوبيا بالتخطيط لبناء مشروعات هندسية على منابع النيل من شأنها التأثير على حصة مصر من المياة وتحويلها إلى صحراء قاحلة … وهناك أصابع إسرائيلية خبيثة وراء هذه المشروعات ”

وطالب الدولة المصرية باعتبار ذلك أمن قومى.”والوقوف بالمرصاد لكل من يريد لنا الخراب والفناء … وأن نقطع أصابعه قبل أن يقطع رأسنا والبادى أظلم” 58)

 

وهو المثقف :

قد يهمك ايضاً:

الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر تركيا دروب الموت والابتزاز

الإتجاهات الحديثة فى مجال تنمية الموارد البشرية 

العاشق للقراءة منذ طفولته المبكرة , فقرأ كتاب ” زعماء الإصلاح ” لأحمد أمين وهو فى الثالثة الإبتدائى بمكتبة المدرسة وتأثر به كثيرا .

ثم قرأ فى الفلسفة – وذلك بتشجيع أستاذه فى الثانوى الأستاذ ” الواثق بالله عبد المنعم ” – ويعتبرها أساس الثقافة وضرورية فى بناء عقل الأمة .

وتأثر كثيرا بكتابات الأديب مصطفى لطفى المنفلوطى فيقول:

” تتمثل سر عظمة المنفلوطى فى قدرته على بث القيم الخلقية الرفيعة والآداب السامية والمثل العليا فى أسلوب محبب إلى النفس … فلا تلبث ينابيع الخير أن تتفتح فى نفسك لتستقبل معانى الحق والفضيلة والجمال مثلما تتفتح الزهرة لتمتص أشعة الشمس، وحين تقرأ للمنفلوطى إنما تسمع ألحانًا شجية تنبعث من قيثارة مستكنة فى أعماقك فتحرك فى نفسك إحساسًا بالسمو والإرتقاء، فإذا بك تصعد إلى آفاق علوية وإذا بك قد تجردت من نوازع الحقد والجشع والظلم والأنانية …وإذا بك قد استحلت كائنًا نورانيًا يشع بالجمال والطهر والعفاف ” 59)

وكان رحمه الله يعتبر أفضل أوقاته .. الفترة التى يقضيها فى مكتبته بين كتب التاريخ والأدب والحكمة والفلسفة والشعر, وكان له طريقة خاصة فى تسجيل اللآلئ من هذه الكتب فيقول :

” أثناء تصفحى لكتب الحكمة والفلسفة ودواوين الشعر , كانت تستوقفنى عبارات ومواقف معينة تعجبنى .. كنت زمان أقوم بنقلها وكتابتها فى كراسة مشهورة

” الكراسة الذهبية ” حتى امتلئت بالحكم والمواقف والنوادر والحكايات .

ثم بدأت أكتبها فى كروت صغيرة ثم أقوم بترتيبها طبقا لموضوعاتها واحتفظ بها وهكذا ” 60)

ومما يبرز مدى تعلقه بمكتبه ومراجعه, أنه عندما شعر بدنو أجله ودخوله فى أزمة قلبية فى 31/12/2007م أصر على الانتقال لمكتبته ليلقى نظرة الوداع الأخيرة على كتبه وبعدها رحل عن دنيانا .

وهو العروبى :

المهتم بقضايا الأمة العربية .. الداعى لضرورة التعاون بين الدول العربية .

1-فنجده يهتم بالقضية الفلسطينية ويعتبر ذلك ” من قبيل الإلتزام والواجب ” من مصر تجاه شعب فلسطين .

فيقول : ” نحن عندما نقف إلى جانب شعب فلسطين فإنما نؤدى ضريبة الدم والمال والمسئولية التى يفرضها علينا الموقع والجوار والمصالح المشتركة … إننا لا ننسى ما جرى لإخواننا فى فلسطين من مطادرة وتشريد, لن ننسى عملية الاغتيال المنظمة للمناضلين على أيدى الموساد… تلك هى عقيدتنا ولن نحيد عنها إلا يوم أن نقيم دولة فلسطين عاصمتها القدس وتتخلى إسرائيل عن مشروعاتها التوسعية. ” 61 )

ويهفو قلبه للقدس الشريف قائلا :

” زهرة المدائن ومثوى الأنبياء ومهد المسيح وحاضنة المسجد الأقصى .. قبة الصخرة والحنين الذى تخفق له قلوب المسلمين والمسيحين فى كل أنحاء العالم ” 62)

وعندما تلقى رسالة اعتراض من السفارة الإسرائيلية بالقاهرة – بصفته رئيس تحرير جريدة الوفد- تطالبه بالإعتذار لقيام الصحفى مجدى مهنا بوصف شيمون بيريز بأنه أستاذ كبير فى تدريس مادة الخداع والكذب رفض ذلك رفضا قاطعا

وكتب مقالا بعنوان ” إعتذار مرفوض بالثلاثة ” .

ويؤكد دوما أن القرار الوحيد الذى يؤرق الحاكم الإسرائيلى هو قرار المقاومة والنضال والفداء والتضحية 63)

2-يدعو للسوق العربية المشتركة ويثمن إعلان دمشق وإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين 8 دول عربية كنواة لإقامة السوق العربية المشتركة 64)

ويعتبر ذلك هو الرد العملى على مشروع الشرق أوسطية التى تتبناه أمريكا لدمج الاقتصاد العربى فى الاقتصاد الإسرائيلى كى تصبح إسرائيل الدولة العظمى فى الشرق الأوسط .

 

3- يستشرف المستقبل مؤكدا أن الهجمة الأمريكية الصهيونية بدأت بفلسطين واليوم العراق وغدًا سوريا ومصر 65)

قائلا : ” كل الدلائل تشير إلى أن الضربة الأمريكية الوشيكة لن تقتصر على العراق وإنما ستمتد إلى العالم العربى, الذى حان أوان تمزيقه وتفتيته للمرة الثانية بعد أن قامت بريطانيا وفرنسا بتقسيمه واحتلاله منذ القرن الماضى .مقال”أصبحنا رهائن فى يد الولات المتحدة!! 66)

 

 

وهو الصوفى :

المحب لأولياء الله الصالحين – المسافرون إلى الله بلا متاع – العاشق لزيارتهم .

يقول الأستاذ جمال بدوى :  ” لم أذهب إلى الإسكندرية  إلا وزرت مساجد أولياء الله الصالحين ” أبى العباس المرسى والبوصيرى” ، وانسابت عيناى من الدموع  وأرتج قلبى واهتز وجدانى عند قراءة البردة المسطورة بماء الذهب على جدران مسجد البوصيرى سلطان المادحين ” 67)

والتصوف عند الأستاذ جمال بدوى هو:

” تطهير النفس من الرزائل والارتفاع بها عن الدنايا وترقيتها روحيًا وماديًا ” 68)

” التمرد على الشهوات والسمو والإرتقاء فوق الحاجات والرغبات والاختلاء بعيدًا عن صخب الناس وضجيجهم ومراجعة النفس وصحوة الضمير على التفريط فى جنب الله 69)

ويفرق بين نوعين من التصوف:

النوع الأول: هو التصوف الذى لم يخرج عن نطاق الكتاب والسنة ويمثله الجنيد وعلى منواله الغزالى وأبو الحسن الشاذلى.

النوع الثانى: هو التصوف الذى تأثر بالنظريات والفلسفات الأجنبية وخاصة أقطار المدرسة الأفلاطونية المحدثة التى تسرب منها نظريتى الاتحاد والحلول .

ويدافع عن المتصوفة قائلا :

” لماذا نعيب على رواد الصوفية إذا هم استنبطوا من آيات القرآن الكريم منهجًا خاصًا فى التعامل مع الحياة الدنيا وأسلوبًا مميزًا فى مجاهدة النفس وترويضها ومحاسبتها حسابًا دقيقًا؟!

ألم يتحدث القرآن عن النفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء والنفس المطمئنة؟!

ألم يحذر من الانسياق وراء شهوات النفس ؟! ألم يخبرنا القرآن بأن متاع الدنيا قليل , وأن المتاع الحقيقى هو متاع الآخرة , ألم يحدثنا القرآن على الحب الإلهى”يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه”

وهل خلت سورة من الدعوة إلى التقوى الورع والخوف والرجاء؟! وهل يقتات الصوفية بغير ثمار الورع والخوف والرجاء؟! 70)

منتقدا تنابلة الصوفية الذى يتخذون التصوف طريقًا للأكل والشرب فقط … الذين أساءوا إلى التصوف والمتصوفة 71)

وينتقد القائلين بأن التصوف مستورد من مصادر أجنبية قائلًا:

“إن المستشرقين – أمثال جولد تسيهر وهورتين وفون كريمر وغيرهم – وهم يبثون هذه الأفكار إنما يسعون إلى نزع صفة الأصالة عن الإسلام وإظهاره فى صورة توفيقية أو تلفيقية من نزعات شتى وعقائد متفرقة … وهذه أحكام جزافية وجدت من ينبهر بها ويروج لها , دون أن يفطن إلى مجافاتها للموضوعية وافتقارها إلى الأمانة العلمية… لأن آية مؤثرات خارجية مهما بلغت قوتها لا تستطيع أن تخلق فكرة من العدم.” 72)

 

ويرى الأستاذ جمال بدوى أن التصوف تجربة روحية ومجاهدة للنفس قائلا :

” لن تكون صوفيًا ولو قرأت ألف كتاب عن التصوف فالتصوف تجربة ذاتية لا تتحقق بالقراءة والدرس ولكن بالمعاناة والمجاهدة والصبر والتذوق”

” والتصوف لا يحتاج إلى جواز مرور، ولا تذكرة طائرة ولا تأشيرة دخول, يحتاج فقط إلى إرادة قوية ونية خالصة وإدراك بحقيقة الرحلة التى ستقطعها ومعرفة دقيقة بالمحطات التى ستتوقف عندها , والمعابر التى يجب عليك أن تجتازها حتى يصل إلى المحطة الأخيرة محطة الرؤية السعيدة لترى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر  73)

والمقامات – محطات – السفر إلى الله هى  :

( التوبة وهى الندم على فعل الذنوب، والأوبة إلى الله , الورع وهو الخوف من الله ومحاسبة النفس على كل صغيرة وكبيرة ومراقبة الأفعال, الزهد وهو عدم الافتنان بالمال والجاة والملذات ويعتبره الأستاذ جمال بدوى الأب الشرعى للتصوف وبدونه لا يكون التصوف , الفقر بمعنى الافتقار إلى الله وليس للناس , الصبر وهو تحمل حكم القضاء والقدر دون تبرم أو شكوى فكل يقع  وفق حكمة إلهية لا تعرف الخطأ , التوكل وهو الأخذ بالأسباب والسعى إلى الاجتهاد مع الاعتماد على الله وطلب التوفيق منه , الرضا وهو قبول العطاء الإلهى أيًا كانت  صور هذا العطاء وقبول المنع الإلهى أيًا كانت صور المنع , الفناء عن النفس الزائلة إلى الله الباقى , الفناء عن الصفات المذمومة والبقاء على الصفات الحميدة مثل فناء الجنيد الملتزم بالكتاب والسنة ) .

التصوف المصرى :

يرى الأستاذ جمال بدوى أن المصريين لهم تصوف من نوع خاص فيقول :

” أما أرباب التصوف المصرى فقد سلكوا منهجًا مغايرًا وكان منهجهم عمليًا أخلاقيًا … أهم ملامحه بعده عن التطرف والمغالاة والشطح ” 74)

ويضرب مثلا بالعارف بالله ذو النون المصرى” ابن اخميم بالصعيد الذى مات فى245هجرية ” واضع أسس علم التصوف وأول من تكلم فى الأحوال والمقامات .. كان عالمًا وعابدًا عارفًا حكيمًا فصيح العربية عالمًا بالكيمياء تتلمذ على الأمام مالك وروى عنه كتاب “الموطأ”.

 

وهو الإنسان :

تميز كاتبنا الكبير الأستاذ جمال بدوى – على المستوى الإنسانى – بالطيبة ونقاء السريرة والمروءة والوقوف بجانب الضعفاء والمظلومين .

وكان شعاره دائما : ” سأمضى إلى آخر نبضة من حياتى فى خندق العدل والحق مع البسطاء والفقراء والضعفاء الذين ينشدون العيش الكريم فى وطن كريم ” 75)

ويقول الصحفى الكبير محمود الشاذلى ” تلميذه وصفيه ” :

” أستاذى جمال بدوى سيظل نموذجا مشرفا للصحفى الشريف والمؤرخ العظيم , نموذجا متفردا من البشر فى العطاء والكرم والنزاهة والشرف .

شجعنى أن أحقق حلمى بالعمل صحفيا فى بلاط صاحبة الجلالة حيث كان ينشر مقالاتى فى السبعينات بأخبار اليوم فى الباب الذى كان يحرره بعنوان ” فكر إسلامى ” ممهورا بتوقيعى وصفتى رئيس إتحاد طلاب مدرسة ناصر الثانوية ببسيون .

أعظم ما تعلمته من أستاذى الكبير ” الكتابة بالإحساس , والقناعة بما أكتب , واليقين بعدالة ما أطرح , والتمسك بقيمة ما أقول , وعدم السباحة فى المستنقعات ”

كان من أهم خصاله ” نقاء وطيبة القلب والكرم والثبات على الحق ”

وأحمد الله أن تراب مقابر بلدتى بسيون يحتضن جسده الطاهر وأبنائه الأحباب

” إسماعيل وسيف ” الذين توفيا فى حياته , وأحمد الذى لحق به بعد مماته .

سأظل أقف أمام قبره مطأطئ الرأس احتراما وتوقيرا وتقديرا كما كنت أفعل معه فى حياته , عندما كان يغرد بالطيب من الكلم والرائع من الأحاديث ” 76)

 

وهو رائد من رواد المواطنة فى مصر:

 

الدارس للإنتاج الفكرى للأستاذ جمال بدوى؛ يجد أن قضية المواطنة تشكل أولى إهتماماته الفكرية سواء فى مقالاته أو كتبه أو لقاءاته التلفزيونية والعامة .

فهو يؤكد أن الوحدة الوطنية ” هى التعويذة التى جعلت المصريين باقيين على قيد الحياة برغم المحن والكوارث التى حاقت بهم … ولم ينقرضوا مثل السومريون والأكاديون والكنعانيون والبابليون … فالوحدة الوطنية سبقت ومهدت للوحدة السياسية التى قام بها الملك مينا؛ إذ لا يمكن تصور قيام كيان سياسى بين عناصر بشرية متنافرة أو متناحرة ” 77)

وأن الوحدة الوطنية كانت الصخرة والتى تحطمت عليها خطط الإحتلال الأوروبى منذ نابليون وحتى كرومر 78)

وأن التماسك الإجتماعى والإمتزاج الوطنى هو أثمن وأغلى ما تملكه مصر منذ ظهرت على مسرح التاريخ وهو النواة الصلبة التى قام عليها وجودها ثم إزداد صلابة على مر القرون .

وأن العجينة المصرية تزداد تماسكًا وصلابة إذا هبت عليها ريح العدوان من الداخل أو الخارج .

وأن التركيبة الإجتماعية والمصرية ليس فيها تناقضات عرقية أو فجوات مذهبية أو صراعات طائفية يمكن أن تهدد التماسك الأزلى” 79)

وأن الوحدة الوطنية ليست كلمات طنانه ولا شعارات براقة … ولكنها معيار الوجود المصرى وضرورة حتمية لبقاء مصر نفسها من فبقاء مصر فى وحدتها الوطنية 80)

وإذا كان للشعب المصرى أن يعتز بتاريخه وتراثه وأخلاقه فإن الوحدة الوطنية تقف على رأس هذه المقدسات الموروثة منذ عرف المصريون الدين .. وآمنوا برسالات السماء وأقاموا دور العبادة واندمجوا فى سبيكة بشرية ليس لها نظير فى العالم القديم أو الحديث فمصر هى البلد الفريد الذى يعيش فيه المسلمون والأقباط فى رباط إلى يوم القيامة 81)

–     ويحكى الأستاذ جمال بدوى أنه حفظ أوليات سور القرآن الكريم فى بيت عم صليب “من أعيان أقباط بسيون” .. الذى لم يجد حرجًا من أن يؤجر بيته لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، وكيف أن فصول الجمعية كانت لا تخلو من تلاميذ يحملون أسماء مسيحية , مرقس وجرجس وسمعان .

ويقول : ” كنا نجلس معا فوق دكك خشبية متهالكة نحفظ القرآن ونتعلم القراءة والكتابة والحساب ونتلقى من أفواه مشايخنا مبادئ الحب والإخاء ونتفاعل فى بوتقة الامتزاج الحضارى الذى ورثناه عن أجدادنا منذ آلاف السنين” 82)

وفى الوقت نفسه كان قسيس الكنيسة – أبونا متى- يسكن فى بيتنا ويعتز بأنه نشأت بينه وبين أبونا متى ألفه عقلية رغم الفارق الكبير فى السن بينهما ،كما نشأت بين أمى وزوجته عشرة قوية،فكانتا تقضيان سحابة النهار فى الثرثرة والمشاركة فى المهام المنزلية التى تتطلب تعاونًا عائليًا وفى الأعياد والمواسم تتبادلان أطباق الحلوى والكعك وعاشوراء.

–      ويحكى عن أسرة الأستاذ رشدى فخرى وزوجته أبلة مارى “الأسرة القاهرية” والتى سكنت فى بيته… وكيف أنها عندما رزقت أول مولود

” رفيق ” استقبلته أمه بين يديها وأقامت له طقوس السبوع التقليدية قبل تقام له طقوس التعميد فى الكنيسة 83)

وأن والدته أقسمت ألا تؤجر الشقة لمغترب بعد مغادرتها للنقل لبلدة أخرى حتى تتجنب ألم الرحيل والفراق بعد متعة الألفة والأفراح وبقيت العلاقات العائلية قائمة بينهما وكانوا يتزاورن فى شبرا بالقاهرة.

–      وأن هذه هى الصورة الطبيعية والمسلك المألوف عند المصريين منذ عاشوا على ضفاف النيل “يأكلون من وعاء واحد ويشربون من وعاء واحد ويتكلمون لغة واحدة ويمارسون عادات وتقاليد غاية فى التطابق حتى ليصعب على الغريب أن يميز المسلم من المسيحى إلا حين يذهب أولهما إلى المسجد وثانيهما إلى الكنيسة 84)

–      ولقد مرت على مصر – منذ  أفول الفرعونية – جحافل الآشوريين والفرس واليونان والرومان والترك والشركس, فلم تنل من وحدتها الإقليمية أو البشرية وبقيت مثل الشرنقة تحصن نسيجها القومى الذى ضمن لها ضرورة الحياة وتجددها , على حين زالت الأمبراطوريات من حولها.مقال الاضطهاد الدينى فى مصر 85)

–      وكانت الكنيسة المصرية منذ نشأتها حصنًا للوطنية ورمزًا للصلابة والصمود فى وجه السيطرة الأجنبية الدخيلة ومقاومة العقائد الوثنية الفاسدة، وعلى امتداد عهود القهر الرومانى … كان المصريون يلوذون بكنيستهم فيجدون فى رحابها طمأنينة الإيمان واستقلال الرأى والضمير ورفض الذل والمهانة والتمرد على جبروت الحاكم مهما كانت فظاعة البطش والتنكيل 86)

–      وفى الكنيسة المصرية امتزجت العقيدة الدينية بالحماسة الوطنية فأكسبها ذلك قوة روحية ومادية جعلت منها ندًا مناونًا للإمبراطورية الرومانية … وتمسكت باستقلالها الدينى والوطنى 87)

–      ومع الفتح الإسلامى بدأت حلقة جديدة من حلقات التاريخ المصرى أهم ما يميزها روح التسامح وحسن العشرة بين أتباع محمد وأتباع المسيح، واختفت صور الإضطهاد التى شغلت التاريخ القبطى طوال عهد الإحتلال الرومانى ولم نسمع على مدار التاريخ الإسلامى عن حادثة مشابهة لتلك الفظائع التى أودت بحياة الكثير من الأقباط وجعلتهم فى عداد الشهداء 88)

–      وعلى اختلاف عهود الحكم الإسلامية، كان الأقباط موضع التقدير والإعتزاز من جانب الحكام وبلغ بعضهم فى المناصب العليا شأوًا عظيمًا مثل عيسى بن نسطورس الذى كان وزيرًا للخليفة الفاطمى العزيز بالله بن المعز لدين الله وكان المعلم رزق اليد اليمنى “لعلى بك الكبير” .

–      وعندما اندلعت ثورة 1919م انجرف فيها المصريون مسلمين وأقباطًا تحت علم مصر الخالد واختلطت دماؤهم وهم يقعون صرعى برصاص الاحتلال وانجلت الثورة عن أثمن وأغلى ما يفخر به الشعب المصرى وهو رسوخ وحدته الوطنية مما أذهل الاحتلال وأدهش العالم 89)

–      وهؤلاء الذين وصلوا للقمر واستنسخوا النعاج لم يستطيعوا الوصول إلى ما وصلت إليه الحارة المصرية من عاطفة وتكامل ولم يصلوا إلى عمق البيت المصرى وما ينطوى عليه من قيم ومبادئ ومثل عليا تشد المصرى إلى أخيه المصرى برباط وثيق من الألفة والمحبة والإنسجام 90)

–      ويحذر من دعاة الكراهية والفتنة قائلًا :”إن الذين يطلقون النار فى كنيسة صغيرة اليوم، سوف يحرقون الجامع الأزهر غدا ، والذين يؤذون اليوم مصريًا بسبب إنتمائه الدينى سوف يعتدون غدًا على جميع المصريين بسبب إنتمائهم الإجتماعى أو السياسى أو الوطنى ، فنار التعصب والجهل لا تفرق بين الأخضر واليابس 91)

–  والأيدى التى تشعل النار فى الكنائس هى أيد آثيمة تستحق قطعها … ومن العار أن تكون دور العبادة فى مصر تحت حراسة الشرطة فى أواخر القرن العشرين وهى التى عاشت القرون فى عيون المصريين جميعًا يحرسونها بإيمانهم ووعيهم وتآلفهم … إن حماية دور العبادة هى مسئولية كل مصرى ولا نتصور مسلمًا يفهم تعاليم الإسلام يشعل النار فى كنيسة ولا نتصور مسيحيًا يعرف تعاليم المسيح تمتد يده بالأذى إلى مسجد فبيوت الله أجل وأشرف من أن تكون مجالًا للتنفيس عن الحقد الأسود ولا موضعًا للتعبير عن التعصب الأهوج 92)

–      ويوجهه رسالة حب للمسلمين والمسيحيين قائلا : ” يأيها الأطهار أتباع محمد والمسيح أفيقوا إلى ما يدبر لكم وأحذروا نار الفتن التى تدبرها عقول خبيثة تريد لهذا البلد أن يتحول إلى لبنان جديدة … وستكونون أنتم أول ضحايا هذه الفتنة الهوجاء وعندها لن يغفر الله لكم ما فرطتم فى حقه وفى حق الوطن ” 93)

– وأشاد الأستاذ جمال بدوى بشخصية البابا كيرلس الخامس:

فهو شخصية فريدة، تجمع بين المهابة والوقار والحزم إلى جانب الزهد والورع ولكن المدهش فى شخصية هذا البطريرك هو مشاركته الإيجابية فى كل الأحداث الخطيرة التى تعرضت لها مصر خلال عمره المديد – فترة كرازته بلغت53عامًا – منها: ” موقفه المساند للثورة العرابية حتى النهاية ، فكان فى مقدمة الذين وقّعوا عريضة خلع الخديو توفيق , ولما وقع الاحتلال تصدى البطريرك لكل المحاولات التى بذلها الإنجليز لوضع الكنيسة المصرية تحت الحماية البريطانية , رفض العروض التى قدمها اللورد كتشنر لمنح المدارس القبطية معونات مالية , وقف إلى جانب ثورة1919م مؤيدًا ومباركًا تآلف المسلمين والقبط تحت علم الوحدة الوطنية , رفض حماية الإنجليز للأقباط قائلًا “إن المصريين شعب واحد وحمايته موكولة لله وحده” , رد اللورد كرومر عندما ذهب لزيارته بدار البطريرك بدون موعد مسبق , رفض طلب الملك فؤاد لمباركة وزارة زيور باشا كما بارك وزارة سعد زغلول فلم يجيبه ولم يزد على أن قال : إن البركة لا تمنح باليمين لتسكب باليسار, رفض محاولات بعض المتغربين لتذويب الكنيسة المصرية الأرثوذكسية بالكنيسة الأسقفية البروتستانية ”

–     وأشاد بالموقف البطولى لسينوت حنا وتلقيه الطعنة القاتلة بدلًا من الزعيم مصطفى النحاس قائلا : ” لمح سينوت حنا أحدهم فى المنصورة يسدد الحرية إلى صدر النحاس, فما كان من سينوت حنا إلا أن برز بصدره ليفتدى الزعيم ويتلقى الطعنة القاتلة، فانغرست فى كتفه وانكسر نصلها فى لحمه وسالت دماؤه الزكية على ملابس الزعيم , وعاد البطل الجريح سينوت حنا إلى القاهرة حيث أجريت له عملية جراحية لإستخراج الشظية المكسورة فى كتفه , لكن تأثير الطعنة المسمومة كان أكبر من جهود الأطباء ودعوات المخلصين، فصعدت روحه الوثابة إلى بارئها ومضى إلى ربه راضيًا مرضيًا وبقيت قصته رمزًا حيًا على الشجاعة والمروءة والتضحية والتلاحم المقدس بين أبناء مصر الخالدة ” 94)

 

وبعد :

إن الأستاذ جمال بدوى شخصية ثرية , متعددة العطاء … صحفيا وثقافيا وتاريخيا وسياسيا ووطنيا وإنسانيا .

يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل :” إن رحيله المفاجئ خسارة بكل المعايير, وهى خسارة أكبر من شخصية ومهنية وإنما هى خسارة وطنية وإنسانية ” .

وتقول الصحفية الكبيرة نعم الباز : ” كيف أنعى من سكن الوطن قلبه فصار جمال بدوى فى قلب الوطن ”

ويقول الدكتور عبد العظيم رمضان:” الأستاذ جمال بدوى ليس كاتبًا سياسًا ينتمى لأكبر الأحزاب الليبرالية  فى مصر- وهو حزب الوفد العريق – فحسب  وإنما هو أيضًا مؤرخ يتمتع بأبرز ما يتمتع به المؤرخ الحق وهو الفضول العلمى والبحث عن الحقيقة … هو كاتب صحفى تميز بالشجاعة والأمانة الوطنية ويعبر تمامًا عن المصلحة الوطنية” .

 

رحم الله الأستاذ جمال بدوى وأسكنه الفردوس الأعلى .

الهوامش:

1- ” معارك صحفية ” جمال بدوى , الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة تاريخ المصريين العدد 128 ص 35

2- المصدر السابق ص66

3- المصدر السابق ص 68

4- المصدر السابق ص 69 , 70

5- المصدر السابق ص9

6- جريدة الوفد الوفد24 /6/1997م.

7- ” معارك صحفية ” مصدر سابق ص35

8- المصدر السابق ص10

9- المصدر السابق ص 10

10- المصدر السابق ص17

11- المصدر السابق ص 27 , 46

12- المصدر السابق ص 81

13- المصدر السابق ص16

14- كتاب ” مسلمون وأقباط من المهد إلى المجد ” جمال بدوى ط1 دار الشروق 2000م  ص 5 , 6

15- المصدر السابق ص10

16-  كتاب ” قطايف 2 ” جمال بدوى ط1 دار نهضة مصر 1992م ص5

17- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ .. كان وأخواتها ” جمال بدوى ط1 دار الشروق1994م ص 36

18- كتاب ” مسلمون وأقباط ” جمال بدوى مصدر سابق ص 5

19- كتاب ” قطايف 2 ” جمال بدوى مصدر سابق ص 4

20- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ ” جمال بدوى مصدر سابق ص 9

21- كتاب ” مسرور السياف وإخوانه ” جمال بدوى  ط1 دار الشروق1997م ص 36

22- كتاب ” مسلمون وأقباط ” جمال بدوى مصدر سابق ص 7

23- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ ” جمال بدوى مصدر سابق ص 12

24- المصدر السابق ص 10

25 – كتاب ” مسرور السياف وإخوانه ” جمال بدوى  مصدر سابق ص35،36.

26- كتاب ” محمد على وأولاده ” جمال بدوى  , طبعة مكتبة الأسرة 1999م ص18

27- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ ” جمال بدوى , مصدر سابق ص 75 , 76

28- المصدر السابق ص117

29- المصدر السابق ص58

30- المصدر السابق ص44

31- المصدر السابق ص140

32- كتاب ” نظرات فى تاريخ مصر” جمال بدوى ط2 دار الشروق 1994م

33- المصدر السابق

34- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ ” جمال بدوى , مصدر سابق ص157

35- المصدر السابق

36- المصدر السابق ص 216 , 217

37- جريدة الوفد 6/12/1997م

38- مقال ” أزمة حكم ” الوفد 20/ 4 /1997م

39- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ ” جمال بدوى , مصدر سابق ص182, 186

40- مقال” الانفتاح الديمقراطى طريقنا إلى الأمن ”  الوفد23/11/1997م,ومقال “جيل الطوارئ” الوفد24/2/1997م

41- جريدة الوفد.19/9/1997م

42- جريدة الوفد17/4/1997م

43- مقال “بيعوها مفروشة تستريحوا وتريحوا!!” الوفد23/2/1997م

44- مقال ” ثروة مصر” الوفد2/2/1997م

45- مقال ” الرعاة الذين تحولوا إلى ذئاب ” الوفد31/7/1997م.

46- كتاب ” معارك صحفية ” جمال بدوى , مصدر سابق ص190

47- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ ” جمال بدوى ص9

48- كتاب ” مسلمون وأقباط ” جمال بدوى ص 6

49- كتاب ” مصر من نافذة التاريخ ” جمال بدوى ص68

50- مقال ” المستضعفون فى الأرض ” الوفد13/7/1997م

51- مقال ” سقطة لا تغتفر لكاتب فلسطينى ” الوفد 18/12/1997م

52- الوفد 29/12/1997م.

53- مقال “إنهم يصنعون للصحافة جنازة يشبعون فيها لطمًا؟!” الوفد 9/4/1998م

54-  الوفد 28 /8/1998م

55- الوفد 4/1/1997م.

56- مقال ” عرس عايدة ” جريدة الوفد 15/10/1997م.

57- مقال ” أصابع الموساد فى وادى الملوك ” جريدة الوفد27/11/1997

التعليقات مغلقة.