مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

د. محمد الحلفاوي يكتب الحدود .. والفهم المغلوط

بقلم د. محمد الحلفاوي 

قال محدثى :

إن مصر تحكم بقانون وضعى فرنسى مخالف للشريعة الإسلامية !!

قلت :

إن الدستور المصرى ينص صراحة على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر .

وأي تشريع جديد يعرض أولا على اللجنة الدينية بمجلس النواب قبل الموافقة على عرضه للمناقشة بله إقراره وذلك للتأكد من عدم مخالفته للشريعة الإسلامية .

وأي قانون أو لائحة أو قرار يصدر مخالفا لأحكام الشريعة يطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا والتى تقوم بدورها بإلغائه تنفيذا للمادة الثانية من الدستور .

فكيف تدعى رغم ذلك أن القانون المصرى – فرنسى – ويخالف الشريعة الإسلامية ؟!

قال :

فأين الحدود العقابية مثل ” حد الزنا وحد السرقة مثلا ” من القانون المصرى

قلت :

الإسلام لا يتشوف لتوقيع الحدود العقابية على العباد – بخلاف الصورة الذهنية الموجودة جراء انتشار أفكار فرق الإسلام السياسي – بل يحض على الستر ويفتح للعصاة باب التوبة .

علاوة على أنه لا يدعو لتعقب العصاة والتجسس عليهم للإيقاع بهم بل ينهى عن ذلك فى كثير من النصوص الثابتة سواء بالقرآن أو السنة .

وهذه بعض الأدلة الشرعية التى تؤكد ذلك :

أولا : أحاديث تؤكد أن الإسلام لا يتشوف لتوقيع الحدود العقابية ويفتح لهم باب

التوبة :

فهذا ماعز الأسلمي :

الذى كان يتيما عند هزال , يخطئ مع الجارية ” فاطمة ” جارية هزال ؛ فيغضب هزال ويأمر ماعزا بالذهاب للنبي صلى الله عليه وسلم والاعتراف بخطيئته قائلا له :

” اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرك , فإنك إن لم تخبره أنزل الله على رسوله خبرك !!

ويذهب ماعز بنفسه للرسول صلى الله عليه وسلم معترفا بالزنا , والرسول صلى الله عليه وسلم يعرض عنه قائلا له : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه 3 مرات

ويسأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة فى الرابعة :

أبه جنون ؟! أتعلمون بعقله بأسا ؟! أشرب الخمر ؟!

ويقول له صلى الله عليه وسلم : لعلك قبلت , لعلك لامست , لعلك فاخذت !!

ولكنه يصر على الاعتراف والإقرار!!

فما كان من النبى صلى الله عليه وسلم – أمام إصراره – إلا أن يأمر بإقامة الحد عليه !!

ولكنه عند إقامة الحد شعر بالألم الشديد ففر يعدو هاربا , ولكن الصحابة تعقبوه حتى قتل .

وعندما علم صلى الله عليه وسلم بذلك قال لهم مستنكرا : ” هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه ” !!

ووجه كلامه لهزال معنفا :

” بئس ما صنعت يا هزال , لو سترته بطرف ردائك لكان خيرا لك ” !!

ولم يقم الحد على الجارية فاطمة وقال لها : أذهبى ولم يسألها عن شئ ” 1)

وهذه المرأة الغامدية :

ارتكبت خطيئة الزنا , وذهبت من تلقاء نفسها– وليس مقبوضا عليها – للرسول صلى الله عليه وسلم لإقامة الحد !!

فقال لها صلى الله عليه وسلم: ويحك ! ارجعى فاستغفرى الله وتوبى إليه , فقالت : أراك تريد أن تردنى كما رددت ماعز بن مالك !!

فقال لها صلى الله عليه وسلم : ارجعى حتى تضعى ما فى بطنك .

فرجعت بعد الوضع مباشرة لإقامة الحد عليها .

فقال لها صلى الله عليه وسلم : اذهبى فارضعيه حتى تفطميه

ثم ترجع بعد الفظام وابنها صبى فى يده كسرة خبز , ويتم إقامة الحد عليها .

وهكذا فإن الواقعتين الثابتتين – لمسلمين – اللتان أقيم فيهما حد الزنا فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .. قد حضر أصحابهما – من تلقاء أنفسهما – فى لحظة مثالية للتطهر وإقامة الحد ولم يتم القبض عليهما متلبسين مثلا سواء بمعرفة الأهالى أو المسئوليين .

وحاول النبى صلى الله عليه وسلم ردهم أكثر من مرة رحمة بهم .

وهذا يخالف لما تربى عليه أعضاء تنظيمات الإسلام السياسى من التهليل والفرح والتشهير عند القبض على أصحاب هذه الذنوب والشماتة عند إقامة الحدود خصوصا حد الزنا , وكأنها هى غاية وهدف من الشريعة الإسلامية .

علاوة على أن الشروط التي وضعها الفقهاء لإثبات جريمة الزنا ؛ يجعل إثبات الجريمة – يكاد – يكون مستحيلا !!

مثل اشتراطهم وجود 4 شهود رجال عدول .. وهذا نادر في عصرنا !!

ولو شهد 3 فقط يجلدون بحد القذف !!

وكذلك اشتراطهم رؤية الشهود الأربعة للجريمة كاملة ” المرود في المكحلة ” !!

وهذا صعب جدا بل مستحيل !!

ولا يتوفر ذلك إلا إذا تمت هذه الجريمة في ميدان عام !!

ثانيا : أحاديث تؤكد أن الستر أولى وأفضل من الشهادة على المذنب:

 قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” لو سترته بثوبك كان خيرا لك ” رواه مسلم

 قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ” رواه مسلم

 قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله , إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ” رواه البخارى ومسلم

 قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” كل أمتى معافى إلا المجاهرين , وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل فيستره ربه , ثم يصبح فيكشف ستر الله عنه ” رواه البخارى ومسلم

 قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من رأى عورة فسترها , كان كمن استحيا موءدة من قبرها ” رواه أبو داود والحاكم

ثالثا : نص الفقهاء على أن الستر – خصوصا فى جرائم الزنا – أولى وأفضل2):

يقول الشيخ عطية صقر :

” ننصح من يتورطون فى جريمة عقوبتها الحد أو غيره , وبخاصة ما ليس فيها حق للعباد أن يستروا أنفسهم فلا يبيحوا بها , ولا يطلب أحد أن يقام عليه الحد لتكفير خطئه ؛ فالتوبة النصوح أحسن وسيلة وأوقع فى عدم الوصمة للقرد والمجتمع بالإنحراف “3)

رابعا : التوبة تسقط الحد:

ذهب كثير من العلماء إلى أن من حق الإمام أو القاضى أن يسقط الحد بالتوبة , وهذا هو رأى إمامي السلفية الوهابية في عصرنا ” ابن تيمية وابن القيم ” !!

مستدلين بالآتى:

• قوله تعالى : ” إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ” المائدة 34

• وواقعة الرجل الذى جاء للنبى صلى الله عليه وسلم قائلا : يا رسول الله إنى أصبت حدا فأقمه على , ولم يسأله عنه , فحضرت الصلاة فصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم , فلما قضى النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إليه الرجل , فأعاد قوله , فقال : أليس قد صليت معنا ؟ قال نعم , قال : فإن الله عز وجل قد غفر لك ذنبك . ” رواه البخارى ومسلم

خامسا : علاوة على أنه جاء بكتب الفقه الإسلامي المعتبرة أنه يستحب ويندب للقاضي تلقين السارق ما يسقط الحد:

قال الإمام أحمد : ” لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن اقراره ” 4)

وهناك آثار ثابتة عن أبى بكر وعمر وأبى الدرداء رضى الله عنهم أنهم كانوا يلقنون السارق إنكار الجريمة 5)

سادسا : لا يجوز للحاكم التجسس على خصوصيات الناس الخاصة , بل يجب صيانة حرمات الناس الخاصة :

فهذا الفاروق عمر بن الخطاب يخرج يوما فرأى ضوء نار وكان معه عبد الله بن مسعود فتبع الضوء حتى دخل الدار فوجد سراجاً في بيت فدخل وذلك في جوف الليل فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب ومغنية فلم يشعر حتى هجم عليه عمر فقال: ما رأيت كالليلة منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله، فرفع رأسه إليه فقال: بلى يا أمير المؤمنين ما صنعت أنت أقبح تجسست وقد نُهي التجسس، ودخلت بغير إذن. فقال عمر: صدقت ثم خرج عاضاً على ثوبه يبكي، وقال: ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه ” 6)

وهذا هو رأى الدكتور يوسف القرضاوي – مفتى الإخوان – في كتاباته وفتاويه حيث يقول :” أود أن ألفت النظر إلى حقيقة مهمة في أمر الحدود وهي: أن الإسلام لا يركض وراء إقامة الحد، ولا يتشوف إلى تنفيذ العقوبة، فيمن اقترف ما يستحقها، ولا يضع أجهزة للتصنت على العصاة، أو ينصب لهم كاميرات خفية تصورهم حين ارتكاب جرائمهم، ولا يسلط الشرطة الجنائية أو المباحثية تتجسس على الناس المخالفين للشرع، حتى تقبض عليهم متلبسين!! بل نجد توجيهات الإسلام هنا حاسمة كل الحسم في صيانة حرمات الناس الخاصة، وتحريم التجسس عليهم، وتتبع عوراتهم، لا من قبل الأفراد، ولا من قبل السلطات الحاكمة ” 7)

وكما هو واضح فإن هذا يتعارض مطلقا مع رؤية وفكر تيارات الإسلام السياسى التي تؤمن بضرورة وجود هيئة مطوعين , تكون وظيفتهم مراقبة المواطنين والقبض عليهم متلبسين !!

وحالتى الزنا اللتان تم تنفيذهما عبر عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ” ماعز والغامدية ” كل منهما ذهب للرسول صلى الله عليه وسلم في لحظة مثالية ولم يتم القبض عليهما وإحضارهما مقيدين مثلما تفعل داعش الآن كما أوضحت سابقا !!

قال :

ولكننى سمعت من دعاة مشهورين أن القانون المصرى يبيح الزنا , وأن الزوج هو الشخص الوحيد الذى من حقه إقامة دعوى الزنا على زوجته ؟!

قلت :

هذا الكلام كذب صراح :

أولا : الإتهام متناقض , فكيف يبيح القانون المصرى الزنا وفى نفس الوقت يجعل من حق الزوج رفع دعوى زنا على زوجته ؟! أليس هذا تناقضا ؟!

هل يرفع الزوج دعوى على شيء مباح ؟!!

ثانيا : قانون العقوبات المصرى رقم 58 لسنة 1937م بالمادة رقم 274 ينص صراحة على عقوبة الزنا كالتالى : ” المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين ” وهذا يكذب دعوى إباحة القانون المصرى للزنا .

ثالثا : المشرع المصرى كان حكيما – وعالما بمقاصد الشريعة وبفساد الزمان – عندما أعطى حق رفع دعوى الزنا للزوج فقط ولم يجعلها من حق كل أحد لماذا ؟!

لأن هذا الحق لو ترك لمن هب ودب بدعوى الغيرة على الفضيلة ؛ سيساء استخدامه , وسيستخدم سلاحا للطعن في الأعراض في أي خلاف سواء في العمل أو بين الجيران , وما أكثر الشكاوى الكيدية خصوصا في أزماننا هذه التي فسدت فيها الذمم ومن السهل جدا استئجار 4 شهود للشهادة على أي امرأة بالزنا !!

وإذا وضعنا في الاعتبار أن جريمة الزنا لا تسيئ للمرأة فقط , بل تسيئ لأبنائها أكثر , ندرك أن المشرع المصرى كان حكيما بحصر هذا الحق للزوج فقط لأن الزوج يضع مستقبل أبنائه في اعتباره , لأنهم أكثر الناس الذين سيضارون – اجتماعيا – عندما تتهم والدتهم بهذه الجريمة , فإذا هانت عليه زوجته وأراد الإضرار بها , تذكر أبناءه وخشى على مستقبلهم .

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب صفحة الرئيس الأمريكي المنتخب !

خالد عامر يكتب في ختام العام… مصر القوية على الدوام

قال : إن ما تقوله يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” لأن يقام حد في الأرض خير للناس من أن يمطروا أربعين صباحا ” !!

قلت :

أكد علماء الجرح والتعديل ” ضعف ” هذا الخبر وعدم صحة نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك ؛ فهذه الرواية ليس حجة في الأحكام .

علما بأن هذا الخبر روى عند الإمام أحمد بالشك هل ” أربعين أم ثلاثين صباحا ” وعند الإمام النسائى برواية ” ثلاثين صباحا ” .

يقول دكتور ماهر ياسين الفحل : ” هذا الخبر أورده ابن حبان عن مسند بن أبى يعلى …. وهذا إسناده ضعيف ؛ لأن في إسناده ” جرير بن يزيد البجلى ” وهو ضعيف وكذلك في إسناده عيسى بن يزيد ” 8)

وممن أكد ضعف هذا الحديث: الشيخ عبد العزيز بن باز في فتاويه 9)

قال :

قد أتفق معك فيما قلت بخصوص حد الزنا ولكن ألست تتفق معى أنه إذا تم تنفيذ قطع اليد على سارق واحد ما سرق أحد أبدا ؛ وسوف يتم القضاء على مختلسي الملايين وناهبي المال العام !!

قلت :

هونا عليك يا أخي الكريم , أتعرف أن كتب الفقه وضعت شروطا عديدة لإقامة حد السرقة .. جعلت ناهبى المال العام في مأمن من إقامة الحد وقطع اليد ؟!

قال :

كيف هذا يا رجل ؟!

قلت :

تعالى معا نتصفح كتب الفقه المعتمدة عند المسلمين وهذا بعض ما جاء بها نصا:

” لابد أن يكون السارق :

مكلف بالغ عاقل , أن يعلم السارق أن ما سرقه يساوى نصابا لقوله صلى الله عليه وسلم ” لا حد إلا على من علمه ” , وأنه لا قطع في سرقة الابن لأبيه , ولا قطع في سرقة الأب لابنه , ولا قطع بسرقة مال له فيه شراكة , ولا قطع على سارق من بيت المال ” المال العام ” وبذلك يخرج من حد السرقة الموظف المختلس والمواطن مغتصب للمال العام , وألا يكون مضطرا حيث يرى ابن عباس عدم قطع يد السارق لدفع الجوع , وأن يكون من معتادى السرقة لأن كلمة “السارق”، و”السارقة” وصفان وليسا فعلين، والوصف لا يتحقق في الشخص إلا بالتكرار 10) ” .

ولابد أن يكون المسروق :

” مالا , أن يكون منقولا , أن يكون محرزا ” يعنى اللى يسرق سيارة من الشارع أمام البيت لا تقطع يده لأنها ليست في جراج مغلق ” , ولا قطع فى سرقة المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة قبل حصادها, ولا قطع في سرقة البيوت التي تكون في البساتين أو الطرق أو الصحراء وليست في العمران إذا لم يكن بها أحد وسرقت مع اتخاذ المغاليق، وضبط الأبواب، لا يكون ثمة قطع يد; لأن من ترك متاعه في مكان خال من الناس والعمران لا يعد حافظا له، وإن أغلق بابه وأحكم الإغلاق ” وهذا رأى جماهير السلف والخلف.

ولابد من إتمام عملية السرقة .

ولا قطع إذا غرم السارق:

قال أبو حنيفة والثورى وأحمد وإسحاق : ” لا يجمع بين القطع والغرم , فإن غرم فلا قطع ” 11)

وقال ابن قدامة الحنبلى : بتخيير المسروق منه بين القطع والتغريم وبأنه لا بأس بالشفاعة في السارق قبل إبلاغ الحاكم 12)

والحدود لا تقام فى المجاعة والحاجة وأرض المعركة :

مثلما فعل الفاروق عمر بن الخطاب فى عام الرمادة ومع غلمان حاطب بن أبى بلتعة , ولا فى أرض المعركة مثلما فعل حذيفة بن اليمان مع الوليد بن عقبة لما شرب الخمر وهو أمير الجيش فى أرض الروم .

قال :

هل أنت متأكد أن هذا الكلام موجود بكتب الفقه الإسلامي ؟!

قلت :

نعم يا أخى , ولكننا للأسف تربينا فكريا على الكتيبات المبتسرة الموجهة , التي لا تنشر الحقائق ولكنها تتاجر بالشعارات الدينية الفضفاضة من أجل تأليب الشعوب على الحكام والإدعاء عليهم أنهم يرفضون تطبيق الحدود !!

قال :

وأين حد شرب الخمر , فالدولة تبيح شرب الخمر ؟

قلت :

إن شرب الخمر – والعياذ بالله – من الكبائر , وعقوبتها تقع ضمن التعاذير التي تركت للحكام والمجالس التشريعية .

ويوجد عقوبة بالحبس ” للسكر والعربدة ” في القانون المصرى تصل للحبس 6 أشهر بالقانون رقم 63 لسنة 1976م .

وهذا يؤكد كذب دعوى أن القانون المصرى يبيح شرب الخمور مطلقا .

بل أنه حصرها في الأماكن السياحية فقط وفى أماكن محددة لغير المسلمين

ولكن ممنوع شربها في الأماكن العامة .

والخمر كانت موجود فى ظل دولة الخلافة وفى قصور الخلفاء والأمراء وفى أزهى العصور الإسلامية ولم يقم أحد بتكفيرهم مثلما تفعل فرق التكفير الآن ؟!

قال :

هل تنكر الحدود الواردة بالقرآن الكريم ؟!

قلت :

لا والله , إننى أؤمن بكل ما ورد بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة .

ولكن الحدود العقابية التى وردت بالقرآن الكريم لها شروط وموانع للتنفيذ أوردها علماء الأمة .

وشروط تطبيق الحدود العقابية غير مستوفاة فى الوقت الحاضر .

ففى زماننا الذى انتشر فيه الفساد وخراب الذمم باعترافكم ليل نهار , يستطيع أى أحد شراء شهود بالرشوة وبناء على أقوال هؤلاء الشهود تقطع الأيدى ويجلد الأبرياء !! فهل هذا يرضى الله سبحانه وتعالى وهو العدل الحق ؟

ولذلك تم إيقاف العمل بهذه الحدود فى زمن طويل فى جميع دول العالم الإسلامى .

مثلما أوقف الفاروق عمر بن الخطاب تنفيذ حد السرقة فى عام الرمادة .

ولم يتهمه أحد من الصحابة رضى الله عنهم بإنكار الحدود الواردة بالقرآن !!

لأنهم كانوا أفقه الناس بالقرآن الكريم وغاياته الكبرى .

وهناك اجتهادات هامة لعلماء أثبات فى قضية الحدود يجب دراستها جيدا فى جو علمى هادئ بدون تشنج مثل :

الشيخ عبد المتعال الصعيدى رحمه الله :

الذى يقول :” العلماء مجمعون على أنه ليس كل سارق تقطع يده ومجمعون أيضا على أن الإمام له ألا يعفو فى السرقة فى بعض الحالات .

وهناك اجتهاد آخر بأن كلمة السارق والزانى لا يطلق إلا على من تكررت منه السرقة

فليشهد التاريخ بعد هذا أن السرقة يجب فيها القطع أو الغرم أو الحبس على التخيير لا القطع وحده .

ويرى أن يكون القطع فى السرقة أقصى عقوبة فيكون الطرف الأعلى فى حدها ويجوز العدول عنه فى بعض الحالات إلى عقوبات أخرى رادعة وإن كانت أخف من حبس أو نحوه من العقوبات 13)

الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله :

يقول : ” القرآن ليس كتاب قانون تسرد فيه العقوبات سردا , بل هو كتاب هداية وتهذيب وإرشاد وتوجيه إلى الطريق المستقيم , تذكر فيه العقوبة على أنها علاج للجريمة فى المجتمع , ثم يذكر مع العقوبة المادية العلاج النفسى والروحى وهو أجدى وأقوى وأبعد أثرا ”

وذكى الرأى القائل بأن كلمة السارق والسارقة وصفان وليسا فعلين والوصف لا يتحقق فى الشخص إلا بالتكرار , فلا يقال لمن ظهر منه الجود مرة أنه جواد , ولا لمن وقع منه الكذب مرة ولم يتكرر أنه كذاب … وبتطبيق هذا القول على من تقع منه السرقة لا يكون مستحقا للقطع إلا من تكررت منه السرقة وعلى حد تعبير القانونيين يكون ذلك العقاب للسارق العائد .

وطالب بعدم إقامة حد السرقة إلا فى الحالات المتفق عليها وهى نادرة جدا , أما إذا كان بعض الأئمة لا يرى إقامته فلا يقام الحد ومن الممكن استبداله بالسجن 14)

الشيخ عبد الله العلايلى رحمه الله :

يقول : ” لا قطع ولا جلد ولا حد إلا بعد استتابة ونكول واصرار معاود للمعصية

المخزومية كانت معتادة السرقة وكانت لا ترد الودائع التى تودعها ولا العوارى التى تستعيرها ”

ويرى أنه مهما يكن فالرأى عندى فى الحدود مطلقا أنها فى الشريعة العملية ليست مقصودة بأعيانها بل بغاياتها ولا يلجأ إليها إلا عند اليأس مما عداها , والأهم اعتماد التعزير الخاضع لتقدير القاضى … وهذا من شأنه تطوير ما يتعلق بالشرعة الجزائية والجنائية وينهض بها إلى غايتها الإنسانية ” 15)

الهوامش :

1- طبقات ابن سعد ج4 ص 52

2- أنظر الموسوعة الفقهية الكويتية

3- برنامج فتاوى وأحكام للشيخ عطية صقر .

4- المغنى لابن قدامة ج10 ص 289

5- فقه السنة للسيد سابق ج3 ص 474

6- رواه الحاكم فى المستدرك ج4 ص377

7- موقع إسلام أون لاين ” سؤال : هل تسقط التوبة الحدود ؟!

8- مقطع على اليوتيوب بتاريخ

9- مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز ج 26 ص 300

10-أنظر تفسير ” زهرة التفاسير ” للإمام محمد أبى زهرة تفسير سورة المائدة .

11-أنظر تفسير الإمام الفخر الرازى عند تفسيره الآية ” السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما …. ” المائدة 38

12- أنظر ” الكافى في فقه الإمام أحمد ” لابن قدامة ج4 ص 80

13- مقال نشر بجريدة السياسة الأسبوعية بتاريخ 20-2-1937م وكتاب قضية مجاهد فى الإصلاح للشيخ عبد المتعال الصعيدى مطبعة الاعتماد بمصر 1958م ص 125, 130

14- أنظر تفسير ” زهرة التفاسير ” للإمام محمد أبى زهرة تفسير

سورة المائدة .

15- كتاب أين الخطأ ؟ للشيخ عبد الله العلايلى 1992م ص 76 , 83

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.