بسملة سمير:
يدرك المتخصصون في العلاقات السياسية والإقليمية، خصوصية وتاريخ وعراقة العلاقات العُمانية المصرية الراسخة، ويأتي الدكتور على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والأكاديمي الموسوعي في علم السياسة في مقدمة هؤلاء الباحثين والمتخصصين، وعكست مشاركته فى ندوة عن « العلاقات العُمانية – المصرية مرتكزات ومواقف»يوم 24 يناير 2025، وذلك ضمن البرنامج الثقافى المرتبط باستضافة سلطنة عمان كضيف شرف لمعرض القاهرة الدولى للكتاب في دورته الـ 56، المشاعر الفياضة والحقيقية عن العلاقات التاريخية بين عُمان ومصر عبر مراحل التاريخ الحديث والمعاصر.
وأكد د. علي الدين أن الباحث يستطيع أن يسجل بعض عناصر التقارب بين سلطنة عُمان ومصر ، فكما أن عمرو بن العاص كان قائد الجيوش التى دخلت مصر، فقد كان أيضا مبعوث الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى حكام عُمان لإقناعهم بدخول الإسلام، وكلا البلدين يشرف على أحد الممرات الحيوية لتجارة العالم وهما مضيق هرمز وقناة السويس، وفى كليهما نشأت مؤسسات الحكم والدولة مبكرا، وتطور الشعور بالوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعى بين شعوبهما، ونزوع حكامهما إلى الاستقلال.
والمواقف المُشتركة بين البلدين عديدة، والعلاقات مُتشعبة فبعد قيام ثورة 1952، أيدت مصر النضال العمانى ضد النفوذ البريطاني، وأرسل الرئيس عبدالناصر، البكباشى على خشبة الملحق العسكرى فى جدة وقتذاك فى زيارة سرية لمعرفة الأوضاع على الأرض، وقدمت مصر الدعم السياسى والمالى والعسكرى لدعم القضية العُمانية.
وأثناء حرب 1973، أصدر السلطان قابوس مرسوما يقضى باقتطاع ربع مرتبات موظفى الحكومة، وتقديمها كتبرع لدعم الجيش المصري، وقام بزيارة لمصر فى 24 نوفمبر من نفس العام مرتديا زيه العسكرى واستقبله الرئيس السادات فى مطار القاهرة بالزى العسكرى أيضا. وفى حادث المنصة بأكتوبر 1981، استشهد المُقدم خلفان ناصر الغمارى أحد أعضاء الوفد العُمانى المُشارك فى الاحتفال.
توقف الدكتور علي الدين هلال، أمام محطتين فى تاريخ العلاقات بين البلدين: الأولى فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، والتى شهدت الاتصالات بين والى مصر محمد على الذى حكم خلال الفترة 1805-1848،والسلطان سعيد بن سلطان البوسعيدى الذى حكم خلال الفترة 1806-1856، وإعجاب سلطان عمان بالنهضة الشاملة التى حققها محمد علي. وفى أكثر من مناسبة أرسل له تهنئة بانتصاراته العسكرية.وعندما قام السلطان بأداء فريضة الحج فى عام 1824 أثناء فترة حكم محمد على للحجاز، أمر الوالى بإطلاق المدافع فى ميناء جدة تحية للضيف الكبير، كما أمر مجموعة من ضباط وجنود الجيش المصرى باستقباله على الشاطئ وأداء التحية العسكرية له،وطلب من أمير مكة،الشريف يحيى بن سرور،تكريم الضيف العمانى وحسن وفادته.
كما تضمنت المراسلات التنسيق السياسى بين الرجلين بشأن شبه الجزيرة العربية وإمارات الخليج. وتسجل المراسلات أنه فى عام 1840 طلب السلطان سعيد من محمد على إرسال أحد الجنود المتخصصين فى المدفعية للعمل فى جيشه.
والمحطة الثانية فى نهاية سبعينيات القرن العشرين، عندما كانت سلطنة عمان إحدى ثلاث دول عربية -مع السودان والصومال-رفضت قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر فى أعقاب توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل فى عام 1979.
ووقتها صرح السلطان قابوس «بأن مصر لا تُقاطَع ولا تُعزَل ولا تموت بسبب موقفها»، وذلك انطلاقا من إيمانه بمبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وأن من حق كل دولة تبنى السياسات التى تخدم مصالحها الوطنية. وقام بزيارة رسمية لمصر فى مايو 1982.
وأضاف فى خطاب له فى 18 نوفمبر 1984، بمناسبة العيد الوطنى الرابع عشر» لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربي. ولم تتوان يوما فى التضحية من أجله، والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل تقدير».
وقال الدكتور هلال أنه التقى بالمغفور له السلطان قابوس، خلال مشاركته في مشروع «موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب» خلال الفترة من (1985-1990) وأكد أن استخدام تعبير «أسماء العرب» وليس «الأسماء العربية»، كان هدفه تجميع وتحليل الأسماء التى يتسمى بها العرب المعاصرون وبحثها من جوانبها اللغوية والاجتماعية والتاريخية، ونطاق انتشارها الجغرافي. وساهم فى هذا العمل باحثون متخصصون فى علوم اللغة والاجتماع والثقافة والتاريخ من عشر دول عربية.
وذكر الدكتور هلال أن الموقف العمانى امتد إلى ما هو أكثر من ذلك، واستشهد بما ذكره الباحث والدبلوماسى العمانى سالم بن سيف الحربي، أن سلطنة عمان رتبت اجتماعا سريا بين الرئيس المصرى مبارك وملك الأردن حسين بن طلال فى 1984، أعقبه إعادة الأردن العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وكانت أول دولة عربية تتخذ هذا القرار. كما أنها توسطت للإفراج عن البحارة والصيادين المصريين الذين اعتقلتهم إيران.
وأكد الدكتور هلال أن العلاقات ظلت وثيقة بين البلدين. وفى الحقبة الأولى من القرن الحادى والعشرين، زار السلطان قابوس مصر 8 مرات، وزار الرئيس مبارك عمان 3 مرات. وفى عهد الرئيس السيسي، قام بزيارة عمان مرتين 2018، و2022، كما زار السلطان هيثم بن طارق مصر فى مايو2023.