في زمنٍ تتسارع فيه الصور قبل الحقائق، ويُقدَّم المظهر على الجوهر، تصبح الحكمة القديمة: “لا يغرك المظهر، حتى الملح يشبه السكر” أكثر صدقًا من أي وقت مضى. فالإنسان بطبيعته ينجذب إلى ما تراه عيناه، لكنه كثيرًا ما يكتشف متأخرًا أن ما يبدو جميلًا ليس بالضرورة طيبًا، وما يبدو بسيطًا قد يحمل في داخله قيمة لا تقدَّر بثمن.
نعيش اليوم في عالم تُباع فيه الانطباعات في لحظة، عبر صورة مُنمَّقة أو كلمة محسوبة أو سلوك تمثيلي، فينشغل البعض بمنظر الأشياء أكثر من حقيقتها. لكن الواقع يثبت دائمًا أن المظهر خادع، وأن الحكم السريع على الناس أو المواقف غالبًا ما يقود إلى الندم. فالملح والسكر مثلاً يتشابهان في الشكل إلى حد التطابق، لكن تجربة صغيرة كفيلة بأن تكشف الفارق الهائل بينهما. وهكذا البشر… قد تجد وجهًا بشوشًا يخفي نوايا قاسية، وقد تلتقي شخصًا بسيط الهيئة يحمل قلبًا أبيض وروحًا لا مثيل لها.
المظاهر قد تجذبك للحظة، لكنها لا تصمد أمام اختبار المواقف؛ فالمواقف وحدها هي التي تعري الحقيقة، وتكشف المعادن الأصيلة من الزائفة. لذلك، فإن الاعتماد على العين وحدها في تقييم الناس يشبه الاعتماد على شكل الحبيبات لتحديد إن كانت ملحًا أم سكرًا—خطرٌ كبير لا يُنصح به.
ربما يكون الدرس الحقيقي هو أن نمنح أنفسنا الوقت الكافي لمعرفة الآخرين، ألا نستعجل الحكم، وألا ننبهر بما يُعرض أمامنا دون تجربة أو تدقيق. فالجمال الحقيقي لا يظهر في الصور، بل في الأفعال، والنية، والصدق، والرحمة، والثبات عند الشدائد.
وفي النهاية… ستظل الحياة تعلمنا يومًا بعد يوم أن الجوهر هو ما يبقى، وأن المظهر مهما كان براقًا، لا يعني شيئًا أمام الطعم الحقيقي. تمامًا كما أن الملح قد يخدع النظر، لكنه أبدًا لا يخدع اللسان.
الاعلامية الدكتوره رشا الشريف محاضر مركزي ومستشار تدريب مؤسسي
