في عالمٍ يتسارع فيه التغيير وتتداخل فيه الأزمات، لم يعد بالإمكان النظر إلى المشكلات العامة بمنظور فردي ضيّق. فالأزمات، حين تمسّ المجتمع بأسره، تحتاج إلى حلول تتجاوز حدود المبادرات الشخصية، نحو تعاون جماعي منظّم يستند إلى التخطيط والمشاركة والمسؤولية المشتركة.
لقد أثبت الواقع، مرارًا وتكرارًا، أن الحلول الفردية لا تكفي لمواجهة أزمات جماعية. فحين يواجه مجتمع أزمة اقتصادية أو تعليمية أو صحية، لا يمكن لأي شخص بمفرده – مهما كانت قدراته أو إخلاصه – أن يُحدث تغييرًا جذريًا ما لم يكن هناك وعي جمعي وإرادة موحدة.
ولعل أبرز مثال على ذلك ما شهده العالم خلال جائحة «كوفيد-19». فقد بيّنت التجربة أن النجاة لم تكن من نصيب من اتخذوا إجراءات فردية، بل من الدول والمجتمعات التي أحسنت إدارة الأزمة عبر التنسيق بين الأفراد والمؤسسات، والاعتماد على العمل الجماعي في التخطيط والتنفيذ.
في المقابل، فإن الاعتماد على الجهود الفردية وحدها يؤدي إلى حلول مؤقتة أو سطحية. فالمعلم الذي يحاول بمفرده إصلاح منظومة تعليمية متدهورة، أو الموظف الذي يجتهد في بيئة إدارية مضطربة، كلاهما يصطدم بحدود قدرته الفردية إذا لم يجد دعمًا مؤسسيًا أو تعاونًا من حوله.
إن تجاوز الأزمات يحتاج إلى وعي مجتمعي يشارك فيه الجميع، يبدأ من الأسرة ويمتد إلى مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني. فالمسؤولية هنا لا تُلقى على عاتق شخص أو جهة واحدة، بل هي مسؤولية تكاملية تتوزع الأدوار فيها بوضوح وشفافية.
إن ثقافة “الفرد المنقذ” لم تعد صالحة لعصر الأزمات المتشابكة. وحده العمل الجماعي القائم على الحوار والتخطيط المشترك يمكنه أن يعيد التوازن ويمنح الأمل. فالقوة الحقيقية لا تكمن في الجهد الفردي، بل في تكاتف الأفراد نحو هدف واحد.
وفي خضم التحديات التي نعيشها، تبقى القاعدة الذهبية التي لا تسقط بمرور الزمن:
> الأزمات الجماعية لا تُحل بحلول فردية، وإنما بتضامن العقول والقلوب معًا.
