د. إبراهيم يوسف عبد الحميد محاضر اللغة العربية بماليزيا..يكتب اللغة العربية في عيون ماليزيا
نبذة عن ماليزيا
تقع ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة في جنوب شرق قارة آسيا، وهي إحدى النمور الآسيوية التي بدأت نهضتها الحديثة في ثمانينات القرن الماضي على يد زعيمها الدكتور مهاتير محمد. وتتميز ماليزيا بتعدد أعراقها؛ حيث إن الغالبية العظمى من السكان هم من جنس الملايو المسلمين، وهم يمثلون ٦٠٪ من السكان، إلى جانب أجناس أخرى كالصينيين والهنود وغيرهم، ذلك التنوع كان له أثر بالغ في ثراء الثقافة الماليزية وتفردها عن غيرها، فهم يعيشون جميعا في وئام وسلام بإدارة حكومة فيدرالية تحت راية جلالة السلطان عبد ﷲ رعاية الدين المصطفى بالله شاه الحاج ابن المرحوم سلطان حاج أحمد شاه المستعين بالله.
وينص دستور البلاد على أن الدين الرسمي هو الإسلام. فقد دخل الإسلام إلى ماليزيا عن طريق التجار المسلمين الذي وفدوا إلى الأراضي الماليزية عام ٦٥٦ هجرية -على أرجح الروايات-، فانتشر الإسلام في هذه البلاد وانتشرت معه اللغة العربية.
التعليم في ماليزيا
إن نهضة ماليزيا الحديثة قامت في مجملها على الاهتمام بالتعليم، فقد قطعت ماليزيا أشواطا واسعة وذهبت بعيدا في مجال تطور التعليم، حتى أصبح التعليم الماليزي نموذجا يحتذى به في العديد من البلاد العربية والعالمية، ويعد الاهتمام بالتكنولوجيا ومواكبة التطور الرقمي والتعليم الإلكتروني أحد أهم مميزات التعليم الماليزي، ولا أدلَّ على ذلك من احتلال الجامعات الماليزية مراتب متقدمة بين أفضل الجامعات في الترتيب السنوي العالمي. كما يعد البحث العلمي من أهم أولويات الحكومة الماليزية، إذا توفر الحكومة ميزانية ضخمة للبحث العلمي في جميع المجالات، وترعى الباحثين وتوفر لهم كل ما يحتاجون في سبيل النهوض واللحاق بسير التقدم العلمي.
اللغة العربية في ماليزيا
نظرا للارتباط الوثيق بين الإسلام واللغة العربية، وجدت اللغة العربية موطئا رحبا في ماليزيا مع دخول الإسلام، حيث يرى الماليزيون أن تعلم اللغة العربية واجب شرعي وضرورة ملحة لفهم تعاليم الإسلام. لذلك تحظى العربية باهتمام بين الماليزيين، يتجلى ذلك من خلال حجم الاهتمام باللغة العربية في المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة بجميع المراحل التعليمية.
إن النموذج الماليزي في تعليم اللغة العربية نموذج فريد، يتميز بالجمع بين الأصالة والحداثة في تناغم وانسجام عجيب، فالمتتبع لأحوال هذا البلد يلاحظ أن اللغة العربية تشهد زخما كبيرا وإقبالا واسعا في ماليزيا. حيث تولي الحكومة الماليزية اهتماما خاصا للغة العربية بأحدث الأساليب العلمية الاستراتيجيات التربوية الحديثة في جميع مؤسسات التعليم؛ بدءًا من رياض الأطفال مرورا بالمراحل الابتدائية والثانوية وصولا إلى المراحل الجامعية والدراسات العليا. حيث يبدأ الصغار يتعلم الحروف الأبجدية والمفردات العربية بالمراحل الابتدائية، ثم يكتسبون المهارات اللغوية بالمرحلة الثانوية، وتستمر رحلتهم مع اللغة العربية في المراحل الجامعية مع الأدب العربي من شعر ونثر، ولا يغفلون الجوانب الثقافية، فيتعرفون على الثقافة العربية والعادات والتقاليد، بل ويتفاخرون فيما بينهم بالتأثر والتعلق بالثقافة العربية. فإن كانت اللغة العربية والثقافة العربية تتلاشى شيئا فشيئا في بلادنا العربية بفعل الغزو الفكري الغربي؛ فإنني أراها بفضل الله تقف راسخة في هذه البلاد الطيبة، يفتخرون بها ويتمسكون بها، وإن لم يكونوا من العرب.
اللغة العربية في جامعة السلطان إدريس التربوية
جامعة السلطان إدريس التربوية هي إحدى الجامعات الحكومية في ماليزيا، وتحظى تلك الجامعة بترتيب متقدم على مستوى الجامعات العالمية، ومن بين مؤسساتها التعليمية؛ كلية اللغات والاتصال التي أشرف بالعمل بها في وحدة اللغة العربية، يحصل الطلاب الدارسين بهده الكلية على بكالوريوس اللغة العربية مع التربية، إضافة إلى درجة الماجستير والدكتوراة في اللغة العربية مع التربية، يتخرج الدارسون بهذه الكلية لكونوا معلمين بالمدارس الماليزية لمادة اللغة العربية. ومن ثم فإننا بجامعة السلطان إدريس نقوم بإعداد معلمي اللغة العربية إعدادا علميا وتربويا بأحدث الأساليب العلمية التي تؤهلهم لمواكبة التطور المتسارع في العصر الحديث.
لأجل ذلك تهتم الجامعة بإقامة الأنشطة الطلابية التفاعلية التي تساعدهم على اكتساب مهارات اللغة العربية، بالإضافة إلى تدريبهم على أساليب واستراتيجيات التعليم الحديثة. تتنوع تلك الأنشطة بين المخيمات التربوية، والمسابقات العلمية، والندوات الثقافية، وغيرها. من بين تلك الأنشطة؛ معرض الابتكار والبحث الإجرائي لطلاب السنة الأخيرة، حيث يتم تكليف الطلاب بابتكار منتج إبداعي يُساهم في عملية تعليم وتعلم اللغة العربية، يُترك الأمر لخيال الطلاب وإبداعهم في ابتكار ما يشاؤون، ثم يتم إقامة معرض خاص لمنتجات الطلاب وما توصلوا إليه، يعرض الطلاب منتجاتهم في ذلك المعرض، تتنوع المنتجات بين أجهزة إلكترونية وتطبيقات للجوال ووسائل تعليمية وغيرها، ثم يقوم المحكمون بتقييم تلك الابتكارات، وقد شرفت بكوني أحد المحكمين لهذا المعرض، وقد أدهشني ما وجدت في هذا المعرض من الأجهزة الإلكترونية وتطبيقات الجوال وغيرها، كل ذلك من صنع الطلاب، مما ينم عن عقول فذة واعدة، ونماذج مشرفة قادرة على قيادة المستقبل وحمل راية اللغة العربية للأجيال القادمة. في نهاية المعرض يتم تكريم أفضل الابتكارات في حفل الختام وتوزيع الجوائز على الفائزين.
بناء على ذلك، فإنني أرى أن ماليزيا تسهم بدور كبير في الحفاظ على مسيرة اللغة العربية، ومواصلة رسالتها، وفتح آفاق جديدة لها للحاق بالتطور الرقمي ومواكبة العصر الحديث، فلله الحمد والفضل والمنة أن يسر لهذه اللغة العظيمة من يحافظ عليها ويعتز بها، وإننا لنعتز ونفتخر بكل من يعتز ويفتخر بلغتنا الحبيبة.
التعليقات مغلقة.