دور الهيدروجين الأخضر في التنمية المستدامة

بقلم: د.هند المتولي إبراهيم

دكتوراة اقتصاد-كلية الدراسات الإفريقية -جامعة القاهرة

نتيجة تزايد الضغوط الدولية لمواجهة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون يرى العالم في الهيدروجين الأخضر طوقًا للنجاة من تغيرات المناخ التي تؤثر على كافة مناحي الحياة ، لهذا يشهد العالم في الفترة الأخيرة توجه سياسي واقتصادي نحو استخدام الهيدروجين الأخضر.

والهيدروجين الأخضر مصطلح يُشير إلى الهيدروجين الذي يُنتج باستعمال مصادر متجددة للطاقة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن ثم فانتاجه لا يؤدي إلى انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

ويعتبر الهيدروجين الأخضر أنظف أنواع عائلة الهيدروجين، ويتحدد لون الهيدروجين وفقًا لنوع الطاقة المستخدمة في انتاجه، الهيدروجين الرمادي يتم انتاجه من مصادر الوقود الأحفوري ويُعد الأكثر فعالية من حيث التكلفة لكنه أقل ملاءمة للبيئة حيث يؤدي إلى انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون، حيث يتم فصل الغاز الطبيعي إلى هيدروجين وثاني أكسيد الكربون ولا يتم احتجاز ثاني أكسيد الكربون بل يُطلق في الغلاف الجوي. أما الهيدروجين الأزرق يشبه في انتاجه انتاج الهيدروجين الرمادي حيث يتم فصل الغاز الطبيعي إلى هيدروجين وثاني أكسيد الكربون، لكن يتم التقاط ثاني أكسيد الكربون ثم يتم تخزينه، لهذا فهو يُسهم في تخفيف الآثار البيئية السلبية حيث إنه يُخفض كمية الكربون الناتج إلى النصف لكنه مازال بعيد عن كونه خالي من الانبعاثات. أما الهيدروجين الأخضر يتم انتاجه عن طريق التحليل الكهربائي وهى عملية فصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين، وتأتي الكهرباء من مصادر متجددة ويتم استخدام الهيدروجين وإطلاق الأكسجين في الغلاف الجوي دون أي تأثير سلبي على البيئة.

ويحتوي الهيدروجين الأخضر والطاقة المستخدمة منه على العديد من المزايا منها:

1- طاقة نظيفة ومستدامة: حيث لا ينتج عن انتاج الهيدروجين الأخضر انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، ومن ثم لا يُسهم في تلوث الهواء.

2- قابل للتخزين: حيث يُمكن تخزينه في أنابيب وخزانات خاصة، مما يسمح باستخدامه في أوقات أُخرى بعد انتاجه، كما يمكن نقله بوساطة شاحنات أو سفن إلى المناطق التي تحتاج إلى الطاقة.

3- متعدد الاستخدامات: حيث يُمكن تحويله إلى كهرباء أو غاز واستخدامه للأغراض المنزلية أو التجارية أو الصناعية أو النقل.

4- يمكن استعمال الهيدروجين الأخضر في عمليات كيميائية مختلفة لإعادة استعمال الكربون وتحويله إلى منتجات مركبة، على سبيل المثال، يمكن استعمال الهيدروجين في إنتاج الوقود السائل المستدام مثل الوقود السائل (e-fuel) الذي يمكن استعماله في السيارات التقليدية، دون الحاجة لتعديلات كبيرة.

إلى جانب تمتع الهيدروجين الأخضر بالمزايا السابقة إلا أن له بعض السلبيات منها:

1- ارتفاع التكلفة: حيث إنه يعتمد على الكهرباء المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة والتي تُعد أكثر تكلفة، كما تحتاج تقنيات تحليل الماء الكهروكيميائي إلى مواد محفزة نادرة ومكلفة مثل البلاتين.

2- الهيدروجين عنصر شديد التقلب وقابل للاشتعال، لذا يلزم إتخاذ تدابير أمان شاملة لمنع التسرب والانفجارات.

3- البنية التحتية: يتطلب تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر بنية تحتية قوية ومتكاملة، ويجب توفير محطات توليد الهيدروجين وشبكات توزيع الهيدروجين، وهذا يتطلب استثمارات كبيرة وتعاونًا مشتركًا بين القطاعين العام والخاص.

وللتغلب على هذه السلبيات:

1- يجب زيادة الاستثمار مصادر الطاقة المتجددة وتوسيع استعمالها لضمان توافر الكميات الكافية من الطاقة النظيفة لإنتاج الهيدروجين.

2- تحتاج صناعة الهيدروجين الأخضر إلى بنية تحتية متطورة تشمل محطات توليد الهيدروجين وشبكات التوزيع، ويجب العمل على تطوير هذه البنية التحتية لتلبية احتياجات الطلب المتزايد على الهيدروجين.

3- يحتاج الهيدروجين إلى نظام فعال للتخزين والنقل، لهذا يجب العمل على تطوير تقنيات التخزين الذكية والتحسينات في نظم النقل لتسهيل توزيع الهيدروجين على نطاق واسع.

4- القيام بحملات إعلامية وتثقيفية من قبل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بأهمية الهيدروجين الأخضر في الحد من تغير المناخ ودوره في تحقيق التنمية المستدامة.

5- يجب على الحكومات أن تُشجع صناعة الهيدروجين الأخضر من خلال تشريعات تُحفز الأفراد والقطاع الخاص للاستثمار في صناعته ، ومن خلال تقديم الحوافز المالية والضريبية للمستثمرين.

في الختام يُمكن القول أن إنتاج الهيدروجين يُسهم في تحقيق العديد من الفوائد البيئية، مثل تقليل انبعاثات الكربون، وتحسين جودة الهواء، وتنوع الطاقة، وإعادة استعمال الكربون، وهذه الفوائد تعزز التنمية المستدامة وتحمي البيئة للأجيال القادمة، هذا بالإضافة إلى تحقيق العديد من الفوائد الاقتصادية، حيث يتطلب انتاجه العديد من الوظائف في مجالات مثل الهندسة والبحث والتطوير والتصنيع والصيانة والتشغيل، مما يوفر العديد من فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي، كما أن انتاجه يُخفض من واردات الوقود الأحفوري؛ حيث يتم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة المحلية في انتاجه، بالإضافة إلى أنه يقلل من تكاليف التلوث البيئي حيث يعمل على تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين جودة الهواء. لذلك فهو يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة عن طريق توفير مصدر طاقة نظيف ومستدام مما يُحسن من جودة الحياة، ويسهم بتلبية احتياجات الطاقة بشكل مستدام للأجيال الحالية والقادمة