مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

خواطر بقلم مجاهد الزيات : النوم فى العسل

6

مع الإعتذار للفنان عادل امام عن اسم فيلمه الكوميدى
اكتشفنا أن النوم فى العسل شئ اخر
غلاء طاحن .. مع رُخص الناس .. و رخص الفن ..        و انعدام القيم .. و تفاهة البضاعة .
إننا معاقبون بهذا الضنك ..
و تأملوا كلمات ربكم :
” وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ”
أليس عالَم اليوم قد تلخص كله في هذه الكلمة البليغة .. ” الضنك ” .. ” و الإعراض ” ?!
أليس العالَم قد أعرض تماماً عن كل ما هو رباني

و غرق تماماً في كل ما هو علماني و مادي و دنيوي و شهواني و عاجل و زائل .. و الكلام على مستوى العالَم كله !
الكل متعجل يريد أن يغنم شيئاً و أن يلهف شيئاً .. لا أحد ينظر فيما بعد .. و لا فيما وراء ..
الموت لا يخطر ببال أحد .. و ما بعد الموت خرافة .. و الجنة و النار أساطير .. و الحساب حدوتة عجائز .. و الذين يحملون الشعارات الدينية .. البعض منهم موتور و البعض مأجور ..
و المخلِص منهم لا يبرح سجادته و يمشي إلى جوار الحائط .. فهو ليس مع أحد .. و ليس لأحد ..
و إنما هو مشدود و منفصل عن الركب .. و مشفق من العاقبة .. و هو قد أغلق فمه و احتفظ بعذابه في داخله .. و اكتفى بالفُرجة .
و الناس في ضنك .. و كل العالَم أغنيائه و فقرائه .. كلهم فقراء إلى الحقيقة .. فقراء إلى الحكمة .. فقراء إلى النُبل .
و أكثر الأنظار متعلقة بالزائل و العاجل و الهالِك .
و الدنيــا ملهــاة .
و هي سائرة إلى مجزرة ..
فالله في الماضي كان يوقظ خلقه بالرسل و الأنبياء .. و اليوم هو يوقظهم بالكوارث و الزلازل و الأعاصير و السيول ..
فإن لم تُجْدِ معهم تلك النُذُر شيئاً ، ألقَى بهم إلى المجازر و الحروب يأكل بعضهم بعضاً و يُفني بعضهم بعضاً .
و حروب المستقبل حروب فناء .. تأكل الأخضر و اليابس و تدع المدن العامرة خراباً بلقعا .
و نحن على حافة الرعب و الصراع المُفني .. و ماذا يهم ؟! ماذا يهم ؟!
فالمغنية تغني و تتلوى على المسرح .. في إيقاع أفعواني .. تحت بقعة الضوء .. و الألوف يرقصون كالأشباح في الصالة دون وعي ..
ماذا تقول .. ?!
لا أحد يصغى إلى ما تقول .. و إنما الكل يصرخ و يصفق و يهتف و يتلوى كأفاعٍ مسحورة .. و الطبول و الدفوف و الإيقاع الهمجي قد حوَّل الكل إلى قِطعان بدائية ترقص في شبه غيبوبة .
و لا تملك و أنت تستمع معهم إلا أن تفقد إتزانك و قدميك ثم تصبح جزءاً من هذا اللاوعي المفتون .. و قد خيَّم على الجو إحساس الكهوف البدائية .
هل انتهت الحضارة فجأة .. و عدنا إلى كهوف الإنسان الأول ؟!
هل تبخر العقل .. و لم تبقَ إلا غرائز تعوى و تتلوى على الطبول و الدفوف ؟! .. .. تلك هي نهاية علمانية اليوم .
و تلك هي احتفالية العالَم بنهاية الإيمان .
إحتفالية بالعقل الذي أسلم نفسه للهوى .. و الحِكمة التي نزلت عن عرشها للغرائز .. و الإنسان الذي أسلم قياده للحيوان .
و ماذا يهم .. ?!
لا شيء يهم .. !!
إننا نرقص اليوم للفجر .. و ليكن غداً ما يكون .
هكذا تعلمنا في سهرات ” الدِش ” و إبداعات مادونا و جاكسون و فنون الموجة الشبابية الجديدة و برامج الأقمار و الفضائيات القادمة علينا من أمريكا و أوروبا .
و ذلك هو العصر العجيب الذي نعيش فيه ..
أمريكا – القطب العملاق الذي يحكم العالَم – تخصصت في صناعة الغيبوبة لشباب هذا العالَم .
عن طريق أفلام الحب و العنف و الرعب و أساطير الخيال العلمي ..
و عن طريق الرحلات الفضائية و الصواريخ المنطلقة إلى القمر و المريخ و زحل و المشترى .
و عن طريق ترسانة كيميائية تُنتِج عقاقير الهلوسة و إكسير الشباب و الفياجرا .
و من أمريكا خرجت أكذوبة الميلاتونين .. و من أمريكا خرج الديسكو و الجاز و نوادي الشواذ .

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

ومن أمريكا انتشرت صناعة الغيبوبة لتصبح صناعة مقررة في أكثر الحكومات و سلاحاً مشروعاً تحارب به الأزمات و تشغل به الشعوب عن متاعبها .

سلاح إسمه ” الهروب اللذيذ ” .. على أنغام الموسيقى و الديسكو و على شرب المخدرات .
و لا أحد يكره أن يهرب من مشكلة في ساعة لذّة و إغماء غيبوبة .. بل كل مراهق يحلم بهذا الهروب اللذيذ و يسعى إليه .
و هذه الفكرة الإبليسية هي التي يدير بها الكبار العالَم .
و حرب الخليج كانت هي ” النهب اللذيذ ” لبترول الخليج و ثرواته .. و لكن الإسم المُعلَن لهذا النهب كان شعارات مبهرة عن تحرير الشعوب و نجدة الضعفاء و نصرة الديمقراطية و إعادة الشرعية .. إلخ .. إلخ .. إلى آخر الأسماء الجذابة الخلابة التي تدير الرؤوس و تُسكِر النفوس .
و الإعلام هو دائماً الأداة الإبليسية لهذا النهب اللذيذ .. و الإستعمار اللذيذ .. و الهروب اللذيذ ..
} ن وَ الْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {
و ما أعجب ما يصنع القلم .. و ما أعجب ما يسطر ذلك القلم الذي يُميت و يُحي ، و يُسحِر و يَفتِن ، و يوقِظ و يُنيم ، و يبني و يُخَرِّب ، و يهدي و يُضِل .
و هناك الآن أقلام عظيمة تجيد صناعة هذا ” التـيـه ” .
و مؤسسات عالمية تصنع للشعوب الدوار .

و تتفنن في تسمية الأشياء بغير أسمائها ، و تسبغ هالات المجد على تفاهات .. و تروج للجريمة و الشذوذ و فنون الغيبوبة .
و أصبح من لزوميات هذا العصر أن يكون في أذن كل مستمع ” فلتر ” .. و في عين كل مشاهد ” فلتر ” .. لكشف الزيف في الكلمات و المرائي و المَشاهد .. خاصة في المشاهد العسل .. و الكلمات العسل .. و الوعود العسل .. التي يُقصَد بها النوم في العسل ..
من روائع دكتور مصطفي محمود

التعليقات مغلقة.