كتب – محمد عيد:
الحديث عن إعادة هيكلة الحياة الحزبية في مصر، مسألة سابقة للانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكن المشهد التنافسي الضعيف الذي شهدته تلك الانتخابات سلط الضوء بصورة كبيرة على الاختلالات البنيوية التي تعانيها الحياة الحزبية في البلاد، بل والحياة السياسية بشكل عام .
١٠٨ هو عدد الأحزاب على الساحة السياسية حاليا، لكن من الصعب على المهتمين بالشأن السياسي، ناهيك عن المواطن العادي، أن يتذكر أسماء عشرة أحزاب منها، فالغالبية العظمى من تلك الأحزاب ليست سوى كيانات هشة، لا تعبر سوى عن مجموعة من المصالح الضيقة، بل إن معظمها بات أقرب إلى الشركات العائلية أو مصدرا للوجاهة الاجتماعية أكثر من اعتباره كيانا سياسيا حقيقيا يستهدف المنافسة السلمية على السلطة، أو على أضعف الإيمان إثراء الحياة السياسية بفكر وطرح بديل لما تقدمه الحكومة.
والحقيقة أن دمج الأحزاب، أو إعادة هيكلة الحياة الحزبية هي مسألة ليست من السهولة بمكان، فدمج الأحزاب – حتى وإن تحقق رغم كل العقبات والاعتراضات- قد لا يؤدي إلى النتيجة المبتغاة، فمجموع الأصفار لا يساوي في النهاية إلا صفرا، لذلك فإن الأمر يستدعي إعادة نظر عميقة إلى قواعد اللعبة السياسية، فلا يبدو أن واقع الأحزاب المزري انعكاس لأزمة ساسة، بقدر ما هو أزمة سياسة، فضعف الأحزاب – في رأي العديد من المراقبين- ليس راجعاً فقط إلى كثرة عددها ولكن لتدخلات السلطة التنفيذية في الحياة السياسية، وتضييق المجال العام، ووجود قوانين تحد من حرية حركة تلك الأحزاب، وأن الأمر يتطلب توفير مناخ صحي تتفاعل من خلاله الأحزاب مع المواطنين، فهناك انفصال حقيقي بين النُّخب السياسية الحزبية عموماً وعموم المجتمع الذي لا يلمس أي وجود لها أو استفادة من وجودها، وهو ما يُترجم في استمرار انخفاض نسب المشاركة السياسية في التجارب الانتخابية المختلفة.
المسألة إذن وإن كانت الأحزاب تحتمل جانبا كبيرا من المسئولية عما آلت إليه الحياة السياسية، فإن جانبا لا ينكر ايضا من تلك المسئولية يقع على عاتق الدولة، ونمط تعاملها مع الأحزاب، فلا يبدو أن الدولة تعول كثيرا على الأحزاب، ولا تدخل نخبتها السياسية -إن وجدت- في دائرة نظر الدولة ومؤسساتها عند اختيار الوزراء او القيادات التنفيذية، بل إن الحوار الذي بدأه الرئيس عبد الفتاح السيسي مع قادة تلك الأحزاب في مستهل ولايته الأولى، سرعان ما توارى وتراجع لصالح منصات حوارية أخرى أبرزها مؤتمرات الشباب.
وإذا كانت الدولة تتشارك المسئولية عما آلت إليه الحياة الحزبية والسياسية بوجه عام، فإنها أيضا تتشارك مسئولية الإصلاح، فهناك حاجة ماسة إلى الدفع باتجاه حالة من الانفتاح السياسي على مختلف القوى والتيارات السياسية، وكثير منها – باستثناء القوى الإسلامية- لا يبدو بعيدا عن التيار العام للدولة، لكنه يمكن أن يقدم زخما أكبر للفكر والممارسة السياسية في البلاد.
وربما تأتي البداية من إعادة النظر في البنية التشريعية التي تحكم الحياة الحزبية، وإدخال تعديلات تشجع تلك الأحزاب على العمل الجماهيري، فضلا عن إدخال تعديلات جوهرية تصب باتجاه السماح لتلك الأحزاب بالتواصل مباشرة مع الشارع وعرض برامجها، وإعادة فتح المجال العام أمام رؤى متباينة بعيدا عن الاتهامات المسبقة لأي طرح بديل أو نقد سياسي