أحمد الشرقاوى
قال المؤرخ الشريف محمد بن علي الحسني رئيس الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية إن قصة خرزة فاطمة تمثل جانبًا مهمًا من الذاكرة الإسلامية، إذ ظل المسجد النبوي عبر القرون وعاءً جامعًا للمقتنيات النبوية التي شكّلت رابطًا روحيًا بين الأمة وأهل البيت الطاهرين.
ومن بين هذه المآثر التي اندثرت مع مرور الزمن ما عُرف باسم “خرزة فاطمة”، المنسوبة إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، والتي ارتبطت بالوجدان الشعبي والديني لزوار المسجد قبل أن تندثر في أحداث مضطربة.
ويضيف الشريف الحسني أن المصادر التاريخية توافقت على ذكر هذه الخرزة؛ فقد أشار ابن فرحون في تاريخ المدينة المسمى نصيحة المشاور وتعزية المجاور* إلى وجودها داخل المسجد النبوي وأنها كانت مقصدًا للنساء والرجال طلبًا للتبرك، بينما أكد المطري في التعريف بما آنست الهجرة أن شهرتها بلغت حدّ أن الزحام حولها أحدث مشقة وفتنة بين الناس، وهو ما يبين مكانتها في النفوس. أما السخاوي في *التحفة اللطيفة* فقد سمّاها صراحة “خرزة فاطمة” وذكر أن كثرة اللغط حولها دفع إلى إخراجها من المسجد.
ويرى الشريف أن قرار الإزالة جاء نتيجة طبيعية للتدافع الشديد واعتقاد العامة ببركتها، وهو ما أوجد حالة من الفوضى داخل الحرم. وبذلك غابت الخرزة من موضعها في المسجد، لكن ذكرها بقي شاهدًا في كتب المؤرخين، لتصبح رمزًا من رموز تعلق الناس بأهل البيت عليهم السلام.
ويستطرد قائلاً إن بعض الروايات تذكر أن الخرزة وُضعت ضمن المقتنيات التي أُخرجت من المسجد النبوي، غير أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها المدينة في عهد الأمير جماز بن شيحة من الأشراف بني جماز الحُسينيين أدت إلى نهبها مع نفائس أخرى، فضاع أثرها واختفت بين غبار الفتن.
ويحلل الشريف الحسني أبعاد هذه القصة فيرى أن لها دلالات متعددة؛ فهي من ناحية رمزية تجسّد ارتباط المسجد النبوي بأهل البيت الطاهرين، ومن الناحية الاجتماعية تكشف شغف الناس بالمآثر النبوية وحاجتهم الروحية للتبرك بها في العصور الوسطى، أما البعد السياسي فيتجلى في كون ضياع الخرزة نتيجة مباشرة لصراعات السلطة والاضطرابات التي لم ترحم حتى المقدس.
ويختم الشريف الحسني تحليله بالتأكيد على أن قصة خرزة فاطمة تكشف عن صفحة مطوية من تاريخ المسجد النبوي، صفحة تجمع بين التعلق الروحي، والتوظيف الاجتماعي، والتأثر بالاضطراب السياسي. وهي عبرة بالغة في ضرورة صون التراث والمحافظة على الذاكرة الإسلامية، لتبقى آثار بيت النبوة منارات تُذكّر الأمة بعمقها الروحي ورصيدها التاريخي.
التعليقات مغلقة.