بقلم: خــــالد عامر
إيران تواجه أخطر لحظة منذ انطلاق تلك الحرب مع إسرائيل، الدولة التي تمتلك أحد أقوى الجيوش وتدعمها آلة استخباراتية قوية، لدرجة أنها دمّرت أذرع إيران في المنطقة واخترقت العمق الإيراني. الحرب تشتعل، والرد الإيراني يستنفد مخزون إيران من الصواريخ، فالرد الإيراني اقتصر على بضع صواريخ، بعضها أصاب تل أبيب وحيفا ومدن أخرى، وتسبب في سقوط قتلى، لكن التوتر لم يصل بعد إلى نقطة الانفجار الكامل، فلا الضربات طالت القواعد الأمريكية، ولا سفن النفط والبضائع في مضيق هرمز توقفت.
أخطأت إيران حين افترضت أن عدم الردع القوي سيمنع أمريكا من مهاجمتها، حتى لو بشكل غير مباشر، فقواعد الصراع في المنطقة تغيّرت بشكل كبير، ونظام الأسد ذراع إيران تم تغييره، ويتبقى حزب الله المنهك، لكنه قادر على المراوغة، والحوثيون، لكن أين هم من المشهد الآن؟ فهل تم تحييدهم؟ على إيران أن تصارع لأجل البقاء، فاستمرار التعامل مع الغرب بنفس عقلية التفاوض القديمة خطأ كبير، والوقت لن يخدمها.
إيران تعاني اختراقًا أمنيًا واسعًا، عانت منه خلال السنوات الماضية، وظهر بوضوح خلال الضربة الإسرائيلية الأولى التي لم تكن من خارج حدودها بل من الداخل، ما يعني أنها كانت مكشوفة ومخترقة حتى ضمن الدوائر الأمنية الضيقة. فيجب أن تدرك تطور التكنولوجيا العسكرية الحديثة لإسرائيل، التي تجاوزت الصواريخ الباليستية التقليدية التي تستخدمها إيران مساء كل ليلة أمام الهجمات الإسرائيلية الدقيقة والتفوق السيبراني. فهزيمة إيران لن تكون لمصلحة العرب، بالعكس، فالمنطقة بأكملها منبطحة إلا مصر، وسيدفع هؤلاء ثمن هذا الانبطاح غاليًا جدًا، لأن حساباتهم مريحة على المدى القصير لكنها خاطئة ومدمرة على المدى البعيد.. “أُكلتُ يوم أُكل الذئب الأسود”.
هزيمة إيران تخلق حالة من الفوضى، كما حدث بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط الأنظمة في سوريا وليبيا، واستبدال الدول بميليشيات إرهابية مسلحة تمهيدًا لتدخل أجنبي، كما حدث في أفغانستان والعراق. وستجد المنطقة تتحول لساحة حرب مفتوحة، وبؤرة انطلاق للإرهابيين على دول الخليج ومصر والصين وروسيا، وده هدف أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في المرحلة المقبلة.
سقوط إيران يعني سيطرة أمريكا على الملاحة والمضايق، سواء باب المندب أو مضيق هرمز، تحت مسمى “حماية الملاحة”، الأمر الذي يجعلها تتمكن من السيطرة على بحر العرب والبحر الأحمر، ومحاصرة الصين وحلفائها.
كلامي ليس دفاعًا عن إيران، ولكن عن الشرق الأوسط، فالنظام الإيراني عمل على ضرر مصر بدعم الفوضى في بلادنا خلال السنوات الماضية، لكن مصر الكبيرة تتعامل بشرف مع الجميع، وقالها الرئيس السيسي: “بنتعامل بشرف في زمن عز فيه الشرف، بنتعامل بشرف مع الجميع”. ويجب أن نفرق بين دعم دولة وبين رفض أفكار نظام حاكم. أنا ضد تدخل إيران فيما يخص قضايا الأمة العربية في اليمن ولبنان والعراق وتهديد دول الخليج، فإذا كنت تعتقد أن تواجد نظام الخميني في المنطقة خطر، فسقوط دولة إيران كارثة.
ما يحدث الآن أكبر من مجرد حرب تقليدية، بل هي إعادة ترتيب المشهد على طريقة الهدم والبناء من جديد. الشرق الأوسط يُفصل على مقاس إسرائيل بالقصف، مش بالسياسة، بمعنى ده بديل الثورات الناعمة: تغيير الأنظمة بالقوة، فبديل الفوضى الخلاقة هو التأديب العسكري المباشر لأي نظام يخرج عن الخط الأمريكي، الذي يهدف لإقامة إسرائيل الكبرى. السيناريو الحالي أخطر من ثورات “الخريف العربي”، والمخطط كبير، يهدف إلى تفكيك دول المنطقة لصالح إسرائيل. البداية إيران، ويعقبها تغيير كبير لملامح الشرق الأوسط كله.
حفظ الله مصر، حفظ الله الجيش.