مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حين يشرب الظالمُ من كدَرِه… وتنجو القلوب النقية

كتب حسن غريب أحمد :

ناقد شاعر 

 

لم تكن حكاية إسماعيل ياسين مع الشاويش عطية مجرد طرفة تُروى في ليلٍ طيب، بل كانت أشبه بمرآة تحمل وجوه البشر كلّها؛ الطيب منهم، والغيور، والناقم، والمختنق بالحقد حتى يوشك أن يشرب الوحل ظنًّا منه أنه ينتصر.

 

يمشي إسماعيل بحلّته المملوءة بماءِ الغُسل، ماءٍ عرف طريق التعب قبل أن يعرف طريق الأرض، فإذا بالشاويش يقف في وجهه، يشمّ ما لا رائحة له، ويتّهمه بسرقة «شوربة».

يُقسم إسماعيل بصدقٍ مرهق أن ما في الإناء مجرّد ماءٍ آسن…

لكن الحقد حين يستيقظ في صدرٍ ما، يخترع عيونًا لا ترى الحقيقة، وآذانًا لا تسمع إلا ما تريد.

 

وهنا يجيء «مجانص» — العسكري الذي لوّثت الأيام قلبه — لا باحثًا عن حق، بل ساعيًا لثأرٍ خفيّ، كأنما روحه تريد أن تُطفئ جرحها القديم بأي طريقة، ولو بالشرب من قاع المستنقع.

يشرب… مرتين.

يشرب القذارة وهو يعلم، ويبتلع المرارة وهو يتظاهر بالشبع، ويقسم أنها شوربة…

فالقلب إذا خالطه السواد، غابت عنه رهافة الذوق، وصارت القذارة مأدبةً إذا كان فيها إذلالٌ لغيره.

 

ثم يمدّ الشاويش الملعقة، ويتذوّق…

فتسقط الأقنعة كلها دفعة واحدة.

ينكشف الطين الذي شربه مجانص، ويظهر نور الحقيقة من بين ظلال الاتهام.

ويبقى مجانص وحيدًا… وعلى شفتيه طعم العار.

 

المجاز الذي يلمع تحت السطور.

 

«مجانص» ليس شخصًا… بل ظِلّ يمرّ بنا كثيرًا:

هو كلُّ من يحمل في صدره غصّةً سوداء، فيصنع من الهواء تُهمة، ومن الوهم حقيقة.

قد يهمك ايضاً:

محمد حماقي يحيي حفلاً ضخماً في مقر الأكاديمية العربية بأبي…

مهى الخليل أصدرت “ميدلي شادية” إحياءً للفن…

هو كلُّ من يلوّث الأحاديث بزيادةٍ من عنده، ثم يقسم أنه شاهد.

هو كلُّ من يحاول أن يرسم وجوه الناس بيدٍ مبلّلة بالطين.

هو كلُّ من يختار تجرّع القاذورات بدلًا من الاعتراف بنقاء الآخرين.

 

وهؤلاء جميعًا يظنون أنهم يتركون أثرًا…

لكن الحقيقة أنّ آثارهم تتبخر، وتبقى وصمة العار على أفواههم وحدهم.

 

رسالة الحكاية

في هذا المشهد البسيط، تعلّمنا الحياة درسًا عميقًا:

إن الحقد يشرب صاحبه قبل أن يؤذي غيره.

وأن الكذب لا يحتاج إلا إلى لحظة ضوء ليذوب.

وأن القلوب النظيفة، مهما حاصرها الظلام، تبقى ثابتة على جودتها…

لا تُزحزحها افتراءات، ولا تُسقطها شائعات.

 

في نهاية القصة، لم يتلطّخ إسماعيل، ولم يخسر نقاء عينيه.

ولم ينتصر الاتهام، وإن علا صوته لحظة.

أما مجانص… فقد شرب ما خرج من قلبه، وجرّب مرارة ما خبّأته نيّته.

 

ولهذا نقول مطمئنين:

كلُّ من يُغذّي الحقد في صدره…

سيشرب من كدَرِه، ولو

ظنّ أنه يسقي غيره.