مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حين تتحدث مصر بهدوء ويصغي العالم

كتبت – يارا زرزور :

في لحظة إقليمية ودولية بالغة الحساسية، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر ليجد نفسه ليس فقط في حضرة التاريخ، بل أمام واقع سياسي جديد تصنعه مصر بثبات وهدوء، حملت الزيارة بين طياتها ما هو أعمق من الصور الرسمية وأبعد من التصريحات الدبلوماسية، لتؤكد أن القاهرة ما زالت قلب الشرق النابض، ومفتاح التوازن في منطقة تتقاطع فيها المصالح وتتزاحم فيها الأجندات، وتكشف كيف تحولت القاهرة إلى مركز ثقل إقليمي قادر على التأثير في حسابات الكبار.

 

رسائل سياسية في توقيت استثنائي

أبدا لم يكن توقيت الزيارة عاديًا، فمع اشتداد الأزمة في غزة، وتزايد التوترات في البحر الأحمر، وتحركات غير مسبوقة على الساحة الدولية، جاءت الزيارة لتؤكد أن باريس تدرك أهمية الدور المصري، ليس فقط كوسيط سياسي، بل كركيزة للاستقرار الإقليمي.

وقد حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على التأكيد – بلهجة حاسمة وهادئة – أن مصر ثابتة على مواقفها التاريخية، وفي مقدمتها رفض تهجير الفلسطينيين، ورفض العبث بخريطة المنطقة تحت أي مسمى.

 

خان الخليلي… حيث يتحدث التاريخ بلسان السياسة

قد يهمك ايضاً:

انطلاق فعاليات المؤتمر الجغرافي الدولي للمرة الثانية…

مشاركة فعالة للإعلاميه هبه الأخضر في مؤتمر عام عن الإدمان…

اختيار خان الخليلي كمحطة في الزيارة لم يكن مجرد جولة سياحية، بل رسالة رمزية بليغة، فالحي العريق الذي يحتضن بين أزقته قرونًا من التاريخ المصري، يجسد وجهًا آخر من وجوه مصر: الثقافة، التسامح، القوة الناعمة، والهوية التي لا تذوب مهما تغيرت الظروف.

 

كانت تلك اللحظة، التي التقى فيها الرئيسان مع نبض الشارع الشعبي في سوق خان الخليلي، تأكيدًا على أن مصر ليست فقط دولة مؤسسات، بل أيضًا دولة حضارة وإنسان.

 

زيارة خان الخليلي، إذًا، لم تكن مجرد جولة بين المشغولات النحاسية والعطور الشرقية، بل كانت بيانًا سياسيًا ناعمًا كتبته القاهرة بلغة التاريخ.

 

وكان إعلانًا عمليًا عن قوة السيطرة الأمنية للدولة المصرية، فخان الخليلي ليس موقعًا مغلقًا أو محاطًا بجدران رسمية، بل منطقة مفتوحة، تعجّ بالزوار والمواطنين والسياح، وتتسم بطبيعتها المتشابكة والمعمار العتيق، مما يعكس ثقة المؤسسة الأمنية المصرية في قدرتها على تأمين أعلى مستويات الزيارات الرسمية في أكثر البيئات تعقيدًا، ويرسل رسالة ضمنية للعالم بأن مصر ليست فقط قادرة على حماية حدودها، بل أيضًا قادرة على بسط الاستقرار داخل عمقها الشعبي والثقافي.

 

وبلا أي مظاهر توتر أو قلق، جاءت زيارة ماكرون لهذا المكان برفقة الرئيس السيسي، وسط المواطنين، بمثابة عرض ميداني للقوة… دون أن يُرفع فيه سلاح.

 

ومن قصر الاتحادية حيث تجري المحادثات الرسمية، إلى خان الخليلي حيث تنبض الروح المصرية، بدا جدول الزيارة أشبه بخريطة سياسية ذكية، فقصر الاتحادية موقع سيادي يعبّر عن القرار المصري المستقل ومكانة القاهرة في ميزان السياسة الدولية، أما خان الخليلي فهو تجسيد للهوية الثقافية المصرية، ورسالة ضمنية بأن مصر قادرة على مخاطبة العالم بلغة الفنون والتاريخ والتنوع، بينما الأهرامات والمتحف المصري الكبير، فهما بلا شك رموز للقوة التاريخية والحضارية التي تمثلها مصر، وتؤكد استمرارها في الحاضر بثقة.

 

الخلاصة، زيارة ماكرون لم تكن مجرد محطة عابرة في جدول زمني مزدحم، ولا حدثًا عابرًا، بل لحظة محورية أعادت التأكيد على أن القاهرة ما زالت تملك القدرة على إعادة ضبط الإيقاع في منطقة تموج بالتحولات وتفتقر إلى التوازن، ونافذة أطل منها العالم ليرى كيف تُعيد القاهرة صياغة علاقاتها الخارجية بثقة وهدوء، لتبدو مصر وكأنها آخر حصون العقلانية، برسائل قوية لم تكن موجهة لماكرون فقط، بل للعالم كله: نحن هنا… نتحدث ونقود بهدوء.. وليصغى الجميع.