مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حين تبكي النخيل…

بقلم – ليلى المراني:

ثلاث صورٍ لنخيل بلادي ، آلمتني ، وتركت تساؤلاً كبيراً، هذه الشجرة الشامخة، سيّدة أشجار الكون، حباها الله بقامةٍ ممشوقةٍ، سامقة، وتاجٍ يكلّل هامتها، وكنوزٍ من الذهب تحت جدائلها .. عصيةً كانت، بإباءٍ وكبرياء تنغرس، شامخةً إلى السماء، كيف استبيحت؟ وكيف نالوا من كبريائها ..؟

قد يهمك ايضاً:

أيها العابرون

عند وعدي

الصورة الأولى :
عربات قطارٍ مكشوفة، تذكّر بتوابيت قوافل الشهداء، قادماً من البصرة، مارّاً ببغداد إلى مكانٍ قصيّ، تتكدّس فيها فسائل شابّة، معافاة لأجود أصناف النخيل، يلهث سعفها الأخضر تحت سياط الحرّ، اُقتلعت من أحضان أمَّهاتها غدراً، وأيدٍ لا تملك دفء أيادٍ في مرتعها. من البصرة إلى هناك كان طريق هجرتها أو بالأحرى نفيها .. ومن دفء وحبّ أهلها إلى جفاء وقسوة مغتصبيها. غُرست في أرضٍ ليست أرضها، وبين أناسٍ ليسوا أهلها، وتحت سماءٍ ليست سماءها..؟أخذ نسغها يجفّ ويجفّ، بكت هجرتها بصمت، كما بكينا نحن هجرتنا عن الوطن.
انقطعت أنفاسها، وذوت منتصبةً، شامخة تسخر من محاولة
تدجينها .. رحلت.

الصورة الثانية
بستان عامر بنخيل بلادي الزاهية، للتوّ بدأ ثمرها ينضج، الصغار يلعبون تحت فيئها، يلملمون ما يقع من تمرها، ويرمونها بحجرٍ أحياناً، فتتساقط بعض التمور، يضحكون ويزقزقون كالعصافير، متدافعين يركضون كي يجمعوا حصيلة عدوانهم.
غيلان حديديّة ضخمة اجتاحت سكينة الفجر، وغفوة النخيل . ارتعبت ثمارها، وارتعب الصغار الذين يلعبون.
اغتيلت النخيل، الواحدة تلو الأخرى، فوق بعضها تساقطت، بوجعٍ علا نحيبها، والصغار منذهلون، خائفون .. لا نخيل بعد اليوم، عمارة ضخمة، ستحلّ مكانها…

الصورة الثالثة :
هتف صوت غليظ، قادم من الجحيم .. اخرجوا جميعاً إلى الساحة، سيتمّ إعدام الخونة الهاربين ، زغاريد النساء يجب أن تشقَّ سكون الفجر.
قالت صديقتي، لن أشارك حتى لو كان الشنق عقابي، وانضمّت إليها أخرى، وتهديد بعقوبةٍ قاسية، تقول صديقتي، لم تخفني، ولَم أرتجف، ولكنني ارتجفت، وبكيت حين شقّ أزيز الرصاص مسامعي .
في ساحةٍ مجاورةٍ لمبنى مديرية التربية، تنتصب فيها أشجار النخيل، باسقةً، محمّلةً بعذوقِ لآلئ صفراء، شامخةً إلى السماء بزهوٍ وكبرياء، تكدّست حولها أجسادٌ خائفة، ترتجف، مرتعبةً تنتظر مشهد الموت.
اثنا عشر شابّاً في عمر الزهور، اقتيدوا معصوبي العيون.. إلى جذوع النخيل ربطوا.. انهال عليهم سيلُ رصاصٍ حاقد..
علت زغاريد النساء تنتحب، حالة صرعٍ أسقطت إحداهن.. سحبتها الأخريات وعيونٌ تقدح شرراً تلاحقها.. وتدلّت عراجين أشجار نخيل بلادي، باكيةً بصمت..

 

اترك رد