مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حوار حصري للواء سمير فرج أصغر ضابط في غرفة عمليات حرب أكتوبر 1973 لـ “مصر البلد الإخبارية”

حوار: محمد حسن حمادة:

 

يقول اللواء سمير فرج: بدأت القصة عندما دعاني (ادجار آلن) مقدم البرنامج الأسبوعي الشهيِر “بانوراما” على قناه BBC يوم الأحد في أهم توقيت مثالي يعتبر وقت الذروة قياسا لنسب المشاهدة من الساعة الثامنة إلى  العاشرة مساءً كان عليه الحضور إلى الكلية ومقابلة مدير الكلية آنذاك الجنرال “بيتش” ويطلب مقابلتي لإقناعي بالاشتراك في برنامجه الشهير “بانوراما”للحديِث عن حرب أكتوبر / Yom Kippur War كما يِطلق عليِها في الغرب حيث لم يِتحدث أي ضابط مصري على أي قناة في الغرب عن هذه الحرب عكس الضباط الإسرائيليين الذيِن يتحدثون في جميِع وسائل الإعلام، أخبرته بشروطي لقبول الاشتراك في البرنامج أولا: يجب أن تكون جميع الأسئلة معدة سلفا فلن أقبل بأي سؤال على الهواء لإحراجي”.

ثانيا: لي الحق في رفض أي سؤال اعتبره مسيئا للجيش المصري”.

ثالثا: يجب موافقة حكومتي في القاهرة”. وبالفعل أرسلت إلى وزارة الدفاع في مصر، وافق المشير الجمسيِ آنذاك على أن اشترك في ذلك البرنامج ممثلا عن مصر.

 

وعن سبب اللقاء يروي اللواء سمير فرج:

 

قبل هذا التاريخ بقليل سأعود بكَ إلى الوراء قليلا فقد كنت قد أنهيت دراستي في كلية القادة والأركان المصرية وكان ترتيبي الأول على دفعتي وطبقا للنظام المعمول به في القوات المسلحة المصرية تم ترشيِحي للدراسة في كلية (كمبرلي الملكية بانجلترا) في دورة عام 1975 أي بعد انتهاء حرب أكتوبر مباشرة، حيث سافرت إلى لندن عام 1974 لحضور دورة التأهيل قبل الدورة الأساسية وبدأت الدراسة وكنت في ذلك العام طالبا في كلية (كمبرلى الملكية بإنجلترا)  وهي كلية من أعرق وأقدم كليات القادة والأركان في العالم وكانت مصر قد أوقفت إرسال مبعوثيها لهذه الكلية منذ أزمة السويِس عام 1959 وبعد عشريِن عاما كنت أول دارس مصري يلتحق بهذه الكلية لمدة عام كامل المفارقة أن الجنرال (آرييل شارون) أيضا كان من خريجي هذه الكلية مع “إسحاق رابين وبن إليعازر وتال وجونيِن”.   وغيرهم من القادة العسكريين في إسرائيل،

انتبهت مصر بأنه من المهم أن تبدأ في إرسال ضباط مصريين لدراسة الفكر والعقيدة القتالية الغربية التي كانت بعيدة عن الفكر المصري العسكري.

إلى هنا تبدو الأحداث والظروف طبيعية لكن فور وصولي إلى لندن ومع بدء الدراسة نشرت جريدة: (صن داي تايمز)  Sunday Times يوم الأحد في صدر صفحتها الأولى صورتي معلنة عن وصول أول ضابط مصري للدراسة في لندن ومتن الخبر يقول: سيعود ليحارب الإسرائيليين بعد دراسته”. وتساءلت الصحيفة كيف تقبل حكومة جلالة الملكة قبول هذا الضابط المصري؟

شعرت على الفور بأنني بدأت المعركة فزادت حماستي في أجواء عاصمة الضباب الباردة ومن هذا المقال عرف الجميِع أن هناك ضابطا مصريا يدرس في كلية (كمبرلي) في لندن وما أن قرأ (ادجار آلن) مقدم البرنامج الأسبوعي الشهير (بانوراما) على قناه BBC. دعاني على الفور لمناظرة (شارون) فقبلت بعد الموافقة على كل شروطي.

 

يضيف سيادة اللواء: هنا لابد من وقفة فيجب أن نعلم أن الحديث في وسائل الإعلام الغربية كان يختلف كثيرا في ذلك الوقت عن الحديث في وسائل الإعلام العربية، حيث يعتمد الإعلام الغربي على الحقائق والأرقام والإحصائيات والمقارنات وليس على الكلام المرسل، ومن هنا تظهر صعوبة التعامل”.

 

تلقيت الأسئلة من مقدم البرنامج (ادجار آلن) وجدت أن هناك أسئلة من الصعب الرد عليها بمفردي فأرسلت تلك الأسئلة إلى وزارة الدفاع في القاهرة، فأمر الفريق الجمسي أن أنزل مأمورية للقاهرة وتكونت لجنة من العمليات والمخابرات وتم الرد على جميع الأسئلة.

 

شارون المغرور المتغطرس.

 

يردف سيادة اللواء: بدا شارون مغرورا متغطرسا رفض أن ارتدي الزي العسكري أثناء مناظرتي معه لكنني كنت واثقا من نفسي مستعينا بربي وأعلم جيدا أهمية هذه المناظرة في أحد أهم وسائل الإعلام الغربية، بدون مبالغة كانت معركة إعلامية شرسة، مصر وإسرائيل وجها لوجه مرة أخرى ولكن هذه المرة ليس في ميدان القتال بل في ميدان الإعلام”.

 

تضمنت الساعة الأولى تسجيلات خارجية معي ومع الجنرال (شارون) عرضت فيها خطة القوات المصرية في اقتحام قناة السويس وكيف نجح الجيش المصرى في اقتحام أكبر مانع مائي في التاريخ وسقوط خط بارليف الحصين، ركزت على أن يكون عرض التخطيط المصرى وإدارة القتال لحرب أكتوبر 1973 متسما بالوضوح والدقة والصدق معتمدا على النجاح العظيم الأشبه بالأسطوري من وجهة نظر كل المراكز والمؤسسات العسكرية في العالم على الرغم من أن كل تقارير معاهد الدراسات الاستراتيجية قبل أكتوبر كانت تؤكد استحالة قيام مصر بأى عمل عسكري شامل وخاصة اقتحام أكبر مانع في التاريخ.

 

جاء السؤال سريعا ومباغتا من أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية على الهواء مباشرة كيف كان التخطيط مصريا؟ فما رأيناه أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال في العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية كالمهمة المباشرة والمهمة التالية؟

لحسن الحظ عرضت محطة BBC صورة لميدان القتال اعتبرته انفرادا في هذا الوقت حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية لذلك أشرت إلى الخط الذي وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة في رأس الكوبري من فرق المشاة المصرية الخمس وأوضحت لهم: أن هذه الخطوط التي وصلت إليها قوات رأس الكوبري لم تكن مبنية على أساس أعماق المهام كما في العقيدة السوفيتية وإنما تم التخطيط لها على أساس مدى حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوي غرب القناة الأمر الذي أدى إلى ألا تتعدى القوات المصرية في رأس الكوبري خط حماية حائط الصواريخ مما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائيا بأي أعمال قتالية ضد قوات رأس الكوبري المصرية شرق قناة السويس وكان خير دليل على ذلك الأوامر الصريحة الواضحة التي صدرت من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته الجوية يوم 6 أكتوبر فور عبور قواتنا قناة السويس بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلومترا التي كانت بالطبع مسافة عمل وتغطية حائط الصواريخ المصري ومن هذا المنطلق تم حرمان الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلى (قواته الجوية) من العمل ضد القوات المصرية طوال عملية اقتحام قناة السويس وإنشاء رؤوس الكباري وهو ما أطلق عليه الخبراء العسكريون في العالم آنذاك أن المصريين طبقوا مبدأ جديدا في أشكال عمليات القوات الجوية وهو تحييد القوات الجوية المعادية « Neutralizing Enemy

 Air Force» وهو أسلوب لم يكن مطبقا من من قبل “. والجدير بالذكر أن هذا الأسلوب أصبح في جميع المراجع العسكرية في العالم الآن ومعه شرح “أن ذلك هو ما نفذته القوات

المصرية في حرب أكتوبر 1973″.

 

يستطرد سيادة اللواء: عرضت خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل وأوضحت أن ذلك القرار أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية فقد وقفت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عاجزة عن القيِام بالهجمات المضادة ضد قوات الكباري المصرية في انتظار تحديد المجهود الرئيسي لهذه القوات وذلك طبقا لخطة الدفاع المتحرك التي كانت إسرائيِل تطبقها للدفاع عن سيِناء وأشرت إلى أن خطة الدفاع الإسرائيلية التي اعتمدت على نقاط خط بارليِف القوية.. ومعها احتياطيات على أعماق متعددة، فقدت الاتزان الدفاعي ووقفت عاجزة أمام مفاجأة الهجوم المصرى.

 وعندما قامت الاحتياطيات الإسرائيلية لخط بارليف بالهجمات المضادة كانت ضعيفة ومبعثرة وتحطمت أمام الخطة الرائعة المضادة للدبابات التي نفذتها لأول مرة في التاريخ عناصر مشاة مترجلة دون دعم من دبابات التعاون الوثيق التي لم تصل لرؤوس الكبارى إلا في اليوم التالي بعد تشغيل الكباري”.

 

وهنا جاء تعليق أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية: “أن توقف القوات المصرية وتعزيز رؤوس الكباري تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوي المصري حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية بأسلوب الدفاع المتحرك Mobile Defense من استدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء وقتل لتدميرها في العمق ولذلك جاء إعلان موشيه ديان وجولدا مائير يوم 9 أكتوبر 1973 بهزيمة إسرائيل اعترافا كبيرا بتفوق التخطيِط المصري فيِ المرحلة الافتتاحية من الحرب علاوة على الأداء المتميز لتنفيذ هذا التخطيط”.

 

وأعقب سيادة اللواء: في عام 74 عقدت مجموعة Pentagon Mind في البنتاجون لتطور مفاهيم القتال بخبرة حرب 73 سواء من الجانب المصري أو الإسرائيلي وخرجت مجموعة Pentagon Mind بالخلاصة “أن المصريين نجحوا في إفشال خطة الدفاع المتحرك التي يجب تطويرها لأنها أساس العقيدة الدفاعية في حلف الناتو”.

وبعد عام كامل لهذه المجموعة تم تطوير فكر الدفاع المتحرك في العقيدة الغربية لتكون نظام Active Defense منذ عام 74 تغير هذا المفهوم بسبب ما حققه المصريون في حرب أكتوبر 73″.

 

هنا وجدت شارون مندفعا قائلا: لطالما عارض الجنرال بارليف وخطته للدفاع عن قناة السويس وبناء هذا الخط الذي وصفه شارون أنه مثل الجبن السويسرى ذى الثقوب وأن إسرائيل دفعت الثمن باهظا عندما لم تستمع لآرائه حول تنظيم الدفاعات في سيناء ولكن للأسف نفذت خطة الجنرال بارليف رئيس الأركان الإسرائيلى آنذاك.

 

وقبل أن أنطلق بالرد تولى أستاذ من معهد الدراسات الاستراتيجية التعليق قائلا: سيِادة الجنرال أشبعتمونا فكرا وآراءً ونظريات بعد حرب 1967. نظرا إلى خبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التي حققت النصر عام 1967. والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة، أعتقد سيادة الجنرال شارون أن ما فعله المصريون كان ردا عمليا على أن هذه النظريات لم تكن دقيقة أو صحيحة”. ويبدو أن الجنرال شارون أعجبه هذا التحليل من معهد الدراسات الاستراتيجية الذي يدين الخطة الدفاعية الإسرائيلية شرق القناة حيث قرر استغلال ذلك كله لمصلحته الشخصية ليقول: إنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير هزيمة إسرائيِل جاء هو المنقذ لينفذ (عملية الغزالة) ويبدأ في التفكير في ثغرة الدفرسوار.

 

نال حائط الصواريخ المصري استحسان لجنة معهد الدراسات الاستراتيجية حيث أكدت اللجنة في حوارها: أنه لولا حائط الصواريخ لما نجحت القوات المصرية فى بناء الكباري تحت سترها ثم عبور المدرعات والمدفعية إلى شرق القناة”. وحتى هذا الموقف حصلت الخطة المصريِة على تقدير 4 نقاط في المناظرة من لجنة التحكيم من معهد الدراسات الاستراتيجية، بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أي نقاط.

 

زادت حماستي وتأجج لدي الشعور الوطني فقد كنت أمثل بلادي في مهمة وطنية فتابعت عرض تفاصيل كثيرة عن تخطيط العبور والتنظيم الرائع لجهود القوات المصرية وكيف تم تنفيذ خطة الخداع وتحقيق المفاجأة والتغلب على الساتر الترابي…..إلخ…..

 

وهنا حصلت الخطة المصرية على نقطتين إضافيتين عن مرحلة إدارة القتال في رأس الكوبري حتى يوم 15 أكتوبر 1973.. ليصل عدد النقاط إلى 6 نقاط بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية على أي نقاط.

 

وأكد معهد الدراسات الاستراتيجية أن الخطة الدفاعيِة الإسرائيلية المبنية على خط بارليِف كانت خطة ذات مفهوم دفاعي غيِر متزن وافتقدت عدم بناء الأنساق والخطوط الدفاعية المتتالية ولذلك عندما اقتحم المصريون القناة تم عزل نقاط خط بارليف تهاوت هذه النقاط في ساعات.. أو استسلمت! وشبه خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية IISS على الهواء ما حدث من سقوط لخط بارليف هو بالضبط ما حدث من سقوط لخط ماجينو في الدفاعات الفرنسية في بداية الحرب العالمية الثانية وإن اختلف الأسلوب حيث إن القوات المصرية هاجمت خط بارليف بالفعل بينما القوات الألمانية لم تهاجم خط ماجينو والتفت حوله من خلال جبال الأردين في بلجيكا.

 

يوضح سياد اللواء: بعد ذلك جاء استعراض مرحلة تطوير الهجوم المصري بالقوات المدرعة للوصول إلى خط المضايق في سيناء.. لتخفيف الضغط على القوات السورية في جبهة الجولان ولقد فقدت الخطة المصرية في هذا العرض في المناظرة نقطتين وعلق أساتذة معهد الدراسات الإستراتيجية على خطة التطوير المصرية بنفس التعليق الكلاسيكى الذي يدرس في كل المعاهد العسكريِة في العالم لكل القادة “لا تدع السياسي يجبرك على القيام بعمل عسكري ما دمت غير قادر على تنفيذه أو غير مقتنع به أو أنه خارج التخطيط المسبق للعمليات”. وهي أحد الدروس المهمة التي أكدتها حرب 73.

 

هنا كسبت الخطة الإسرائيلية أول نقطتين في المناظرة بعد نجاحها في تطوير الهجوم خارج رأس الكوبري حيث نجحت في إيقاف تقدم اللواءات المدرعة المصرية نحو منطقة المضايق.

مازالت مصر متقدمة على الكيان الصهيوني ماذا عن المرحلة الأخيرة من المناظرة؟!.

 

قد يهمك ايضاً:

مؤسس ورئيس “عربي بيديا”: ندافع عن هويتنا…

يشرح سيادة اللواء سمير فرج فيقول:

دخلنا المرحلة الأخيرة من المناظرة مازلت متقدما على شارون، والنقاط في صالحي، أيقنت بما لا يدع مجالا للشك أن آرييل شارون دخل هذه المناظرة مع التليفزيون البريطانى على الهواء مباشرة ليستعرض ما قام به في عملية الثغرة غرب القناة ومن ثم أخذ يستعرض الانهيار الذي كانت عليه الجبهة الدفاعية الإسرائيلية في سيناء وهو ما دفع موشيه ديان ليعلن هزيمة إسرائيل يوم 9 أكتوبر وبدأت إسرائيل في طلب إمدادات عاجلة من الأسلحة والمعدات من الولايات  المتحدة الأمريكية التي بدأت في إرسال الإمدادات من خلال جسر جوى عاجل إلى إسرائيل وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة، طبقا لما ذكره شارون، أن تصل هذه الأسلحة والمعدات مباشرة إلى مطار العريش في بسيناء لأن الجبهة في الجولان كانت قد تم الانتهاء منها، أما الجبهة الإسرائيلية في سيناء فكانت منهارة تماما.

 

هنا نالت القوات الإسرائيلية نقطة في تلك المرحلة، حيث نفذت خطة سرعة التدخل ضد القوات السورية في هضبة الجولان ثم الانتهاء منها والتحول نحو جبهة السويس وأضاف شارون: أنه طلب على وجه التحديد الصواريخ المضادة للدبابات من الجيل الجديِد من طراز TOW ذات الدقة العالية في تدميِر الدبابات وهو تطوير للجيل القديم (المالوتيِكا) الروسي الذي كانت تستخدمه القوات المصرية وفعلا وصلت إلى العريِش يوم 13 أول دفعة من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات ولم تكن جديدة من المخازن ولكن تم سحبها من الوحدات المقاتلة الأمريكية العاملة في ألمانيِا وجرى تطقيمها بأفراد من جنود الاحتياط الذيِن تم استدعاؤهم ضمن خطة الاستدعاء الإسرائيلية وأسند قيِادة هذه القوة إلى ملازم أول احتياط إسرائيلى اسمه (جوفي) أوما أطلق عليه في المناظرة الملازم Joffy”.

 

وبدأ شارون في هذه المرحلة يشرح خطته لاختراق رأس الكوبري في الدفاعات المصرية للوصول إلى غرب القناة ليندفع إلى عمق الدفاعات المصرية مطبقا نظرية ليدل هارت

(الاقتراب غير المباشر Indirect Approach” وهى النظرية التي كان يطبقها روميل في الصحراء الغربية وأيضا طبقها الجيش الألماني في اختراق الدفاعات الفرنسية على خط ماجينو في الحرب العالمية الثانيِة بتجنب الهجوم على دفاعات خط ماجينو والاختراق من اتجاه وغابات الأردين في بلجيكا وبعدها انهارت الدفاعات الفرنسيِة تماما.

 

شارون يتحدث لأول مرة عن معركة المزرعة الصينية ودور المشير حسين طنطاوي البطولي.

 

يسهب سيادة اللواء سمير فرج متحدثا عن شارون بأنه قال في المناظرة: “أنه بدأ التطبيق بمحاولة اختراق الجانب الأيمن للجيش الثاني الذي كانت تؤمنه الفرقة 16 مشاة وذكر أنه هاجم بشراسة 3 أيام هذه المواقع التي عرفت باسم “معركة المزرعة الصينية” وقاد هذا الهجوم الجنرال آدان والجنرال ماجن” 

يقول شارون: أنه استخدم جميع الوسائل والقوات والأساليب وأن نيران المدفعية الإسرائيلية ظلت تقصف هذه المواقع المصرية بلا توقف يومين كاملين وتم الهجوم على هذه القوات المصرية بالقوات المدرعة وبوحدات المظلات الإسرائيلية والتى هي أرقى الوحدات القتالية الإسرائيلية تدريبا وكفاءة وفشلت كل هذه الهجمات الإسرائيلية أمام صلابة الكتائب الأمامية للفرقة 16 في معركة المزرعة الصينية وإذا كان لنا من تعليق فإنه يجب الإشارة إلى أن قائدي كتائب المشاة التي أوقفت هذا الهجوم ثلاث أيام كاملة هما: المقدم محمد حسين طنطاوي والمقدم أحمد إسماعيل عطية”. وأتذكر أنه في إحدى زيارات الجنرال شارون بعد عدة سنوات لمصر في زيارة رسمية وعندما علم أن القائد المصري في معركة المزرعة الصينية كان المشير طنطاوي وزير الدفاع المصري، طلب شارون أن يلتقي ويِقابل المشير طنطاوي ولكن على حد علمي، فإن المشير طنطاوي اعتذر عن مقابلته ولم يقابله حتى إن شارون عندما علم بالرد الدبلوماسي لرفض المشير طنطاوي قال بالحرف الواحد: “لقد كنت أريد أن أقابل قائدا شجاعا قاتلني بشراسة”.

ثم يستكمل اللواء سمير فرج ما ذكره شارون: فبعدما فشل الجنرال آدان والجنرال ماجن في اقتحام دفاعات الفرقة 16 مشاة لم يجد أمامه إلا أن يعبر من البحيرات متجنبا هذه الدفاعات المصرية الشرسة في المزرعة الصينية واندفع شارون بمجموعة قتال من سرية دبابات ومشاة واندفعوا إلى عمق منطقة الدفرسوار خلف رأس كوبري الجيش الثاني الميداني حيث بدأ شارون مهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوي وكان يكتفي بالاشتباك عن بعد من مسافة ثلاث كيلومترات ليدمر رادار القاعدة فتتوقف بطارية الدفاع الجوي عن العمل حتى نجح في عمل ثغرة في حائط صواريخ الدفاع الجوي المصري لكى تندفع القوات الجوية الإسرائيلية لأول مرة يوم 17 أكتوبر لتهاجم القوات المصرية كما هاجمت قوات شارون مواقع المدفعية المصرية غرب القناة، وبذلك تم حرمان قوات رأس الكوبري من المعاونة النيرانية من البر الغربي وذكر شارون أن هدفه من العبور إلى غرب القناة في البداية كان أن يندفع للاستيلاء على مدينة الإسماعيلية بصفتها هدفا ذا أهمية استراتيجية لو تم الاستيلاء عليها يمكن للجانب الإسرائيلي عندما يتوقف القتال في أي مفاوضات قادمة استخدام هذا العمل للحصول على مكاسب يوقف بها نزيف الخسائر أمام النصر الكبير الذي حققته القوات المصرية شرق القناة”. ويقول شارون: أنه فوجئ بقتال شرس وعنيد من قوات الصاعقة المصرية غرب القناة في منطقة الدفرسوار ومنطقة الجناين”.

وبرر شارون خسائره الكبيرة في المعدات والأرواح بل إصابته هو شخصيا إصابة نقلته للعلاج إلى داخل إسرائيل نتيجة لشراسة رجال قوات الصاعقة المصريِة الذين كانوا يظهرون في كل مكان وسط زراعات المانجو ولذلك قرر شارون نتيجة خسائره الكبيرة في اتجاه الإسماعيلية أن يعيد ترتيب أوراقه وقرر أن يندفع بقواته جنوبا في اتجاه السويس ليكون هدفه السويس بدلا من الإسماعيلية.

 

وهنا نالت الخطة الإسرائيلية درجة واحدة من معهد الدراسات الاستراتيجية تحت مفهوم المرونة في تنفيذ الخطة ما دام الهدف كما هو الاستيلاء على هدف حيوي يتم التفاوض به عند توقف القتال لتكون مديِنة السويِس بدلا من الإسماعيلية.

 

ويِقول شارون: إنه لم يِركب طائرة الإخلاء إلا بعد أن تأكد أن قواته بدأت في التحرك نحو السويس وغيرت اتجاهاتها من الإسماعيلية إلى الجنوب وبدأ سؤال خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية لي عن خطة القوات المصرية ضد عمليات شارون أوضحت: أن القيادة العامة المصرية أمرت بتحريك اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث شرق القناة وكان هذا اللواء مسلحا بالدبابة ت 72 التي كانت أحدث الدبابات في الجيش المصري في ذلك الوقت وكان هذا اللواء كاملا دون أي خسائر لأنه حتى ذلك الوقت لم يدخل أي معركة واندفع اللواء 25 مدرع وتقدم ببطء وحذر شديد من رأس كوبري الجيش الثالث في اتجاه الدفرسوار على البر الشرقي ليغلق الثغرة بين الجيشين الثالث والثاني وقبل وصول اللواء 25 مدرع إلى رأس كوبري الجيش الثاني بـنحو 20 كيلومترا، كان قد وصل إلى ميدان القتال قبلها بساعة واحدة الملازم (جوفي) ومعه كتيبة صواريِخ (تو) الأمريكية الجديدة التي كانت قد وصلت إلى العريش منذ ثلاثة أيام وتم تدريب الأطقم الإسرائيلية عليِها هناك وخلال المناظرة تم سؤال هذا الضابط الإسرائيلى (جوفي) في مقابلة تمت معه في إسرائيل عمً حدث؟

قال: لقد وصلت لمنطقة القناة وشاهدت وأنا متحرك غبار حركة اللواء 25 المدرع المصري وأمرني قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات وقمت بإيقاف تقدم اللواء المدرع المصرى نظرا لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذي كان مفاجأة للمصريِيِن.

 

وجاء تعليق معهد الدراسات الاستراتيجية:

إن تطبيِق شارون لنظرية الاقتراب غير المباشر كنظرية عسكرية علمية سليمة أما التطبيق فكان لا يتفق مع أسس ومبادئ القتال”.

وذكر الخبراء: أن شارون لم يؤمن منطقة العبور بأي قوات؟! وأن التنفيذ أشبه بعملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة أو إغارة عسكريِة، يمكن أن تنفذها وحدات خاصة وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء على مدينة ذات أهمية استراتيجية وأكد خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء 25 مدرع كان سليما يستحق عليه نقطتين أيضا ولكن دخول بطاريات الصواريخ (تو) غير من ميزان القتال”.

 

وكان تعليق خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية: لو كان اللواء 25 مدرع قد نجح في معركته شرق القناة ولو كانت سرعة اللواء منذ خروجه من رأس كوبري الجيش الثالث أفضل لكان شارون وقواته قد تم تدميرهم أو أسرهم غرب القناة ولتغير الموقف العسكري والسياسي في الشرق الأوسط لعدة أعوام؟”. وقال خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن: أننا لا نوصي لأي قائد أن ينفذ فكر (ليدل هارت) بهذه المغامرة غير المحسوبة وغير المؤمنة وأن شارون يجب أن يشكر الملازم (جوفي) وأمريكا على صواريخ (تو) التي لولا تدخلها لفشلت العملية بالكامل”.

هنا فقد شارون أعصابه واحتد بشدة على هذا التحليل من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية وقال لهم: أنا الذي حولت هزيمة إسرائيل المهينة إلى نصر على ضفاف القناة، أنا الذي رفعت العلم الإسرائيلي فوق إفريقيا، أنا الذي جعلت المفاوض الإسرائيلي في مباحثات الكيلو 101 قادرا على أن يكون ندا للمفاوض المصري، وبعد العار الذي جلبه ديان يِوم 9 أكتوبر 1973″.

 

لكن كان الرد حاسما من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية: جنرال شارون.. إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوي خسائر إسرائيل كلها في حرب 1956 و1967 ولذلك فإن من أطلق عليك الجنرال الدموي لم يِكن مخطئا”.

هنا ثار شارون مرة أخرى وأضاف: لقد أعدت لإسرائيل هيبتها التي فقدتها في هذه الحرب”.

 

مفاجأة الحرب بالنسبة لشارون: الجندي المصري الجديد”.

وصلنا للسؤال الأخير في الحلقة وكان موجها للجنرال شارون قبل أن ينتهي وقت البرنامج، سأله خبير معهد الدراسات الاستراتيجية: جنرال شارون في رأيك ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين؟

 

هل هجومهم يوم عيد الغفران والحياة متوقفة في إسرائيل؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا؟ هل قيامهم بإغلاق مضيق باب المندب في مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟

هل لأنهم هجموا بطول مواجهة القناة وهو أمر لم يكن في تخطيط وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلي؟ هل.. هل..؟ وذكر له عدة نقاط أخرى ولكن شارون أجاب:

إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا.. إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا وحساباتنا مثل إغلاق مضيق باب المندب لكن المفاجأة لي أنا شخصيا في حرب 1973. هي الجندي المصري هذا الجندي المصري لم يكن الذي قابلته في حرب 1956 أو 1967، فالجندي المصري في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة، هذه المرة عندما كنت أستجوب الأسرى المصريين بنفسي فرأيت لأول مرة خريجي كليات التجارة والهندسة والحقوق.. إلخ. أيضا الروح المعنوية لهذا الجندي هذه المرة كانت مختلفة تماما”. وأضاف قائلا: إنه وهو متقدم بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية بعشر دبابات، فجأة خرج من بين الأشجار 5 جنود من الكوماندوز المصريين (يقصد الصاعقة) وقال: إن خمسة جنود ضد عشر دبابات الأمر واضح أنهم جميعا قتلى! المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية كانت هده هي مفاجأة حرب أكتوبر الجندي المصري الجديد، المتعلم، خريج الجامعات، هذا الجندي المسلح بروح معنوية عالية، تعلم شراسة القتال لم يعد يرهبه جيش الدفاع الإسرائيلي كما كان من قبل، لقد صنعت منه هزيمة 1967 إنسانا جديِدا عكس توقعاتنا بعد 1967. أننا قضينا على الجيش المصري، وأصبح جثة هامدة غير قادر على القتال مرة أخرى”.

وأضاف شارون: أنه يجب على المخطط الإسرائيلي في أي حرب مقبلة مع مصر أن ييضع في حساباته نوعية هذا الجندي الجديِد، الذي لم نقابله من قبل”. وأنهى حديته:

هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لي شخصيا، الجندي المصري الجديد”.

 

انتهت المناظرة وحان وقت إعلان النتيجة ترى من سيكون المنتصر؟!.

 

استمرت المناظرة بيننا ساعة ونصف الساعة على الهواء مباشرة حصلت القيادة المصرية على 8 درجات وحصلت القيادة الإسرائيلية على أربع درجات فقط مع توصيات عديدة جاءت معظمها سلبية في خطط وأداء جيش الدفاع الإسرائيلي، سواء في الخطة الدفاعية لخط بارليِف أو أداء معركة شارون غرب القناة، بينما كانت الإيجابيات للقيادة المصرية التي أوصى معهد الدراسات الاستراتيجية: أنه يجب أن تدرس المعاهد العسكرية والمراكز العلمية هذا الفكر المتطور والتخطيط المتميز للقيادة المصرية والأداء الراقي للجندي المصري في هذه الحرب”.

 

واختتم سيادة اللواء حديثه:  يِكفي أن أقول إنه في نهاية عام 1973. كان من المفترض أن يِصدر معهد الدراسات الاستراتيِجيِة تقريره السنوي  Military Balance  مع بداية عام 1974 كما يحدث كل عام لكنه تأخر ستة أشهر بهدف أن يتضمن عدد عام 1974 المفاهيم القتالية الجديدة التي حققها الجيش المصري في هذه الحرب.

 

 

اللواء سمير فرج في سطور.

 

دكتور سمير فرج: أصغر ضابط في غرفة عمليات حرب أكتوبر 1973.

عضو بالمجلس العسكري بعد ثورة ٢٥ يناير. أول محافظ للأقصر كماشغل منصب رئيس دار الأوبرا المصرية، ومنصب وكيل أول وزارة السياحة. وكان مديرا للشؤون المعنوية ويشغل حاليا منصب رئيس مجلس إدارة وعضو منتدب لأحد شركات الطاقة. تخرج من الكلية الحربية، تدرج في المناصب القيادية بالقوات المسلحة، حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي. ثم تخرج من كلية الأركان الحرب المصرية بتقدير امتياز، وعين مدرسا بها ، تخرج من كلية (كمبرلي) الملكية بإنجلترا، وعين مدرسا بها، حاصل على دبلوم إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية وحاصل على كلية الحرب العليا بتقدير امتياز من أكاديمية ناصر، وحاصل على دكتوراه في الإعلام العسكري، له مناظرة عالمية مع الجنرال شارون على قناة BBC. كما عين مديرا لمكتب مدير المخابرات الحربية وملحقا عسكريا في تركيا وله العديد من المؤلفات في مجال العلوم الاستراتيجية والعسكرية

التعليقات مغلقة.