بقلم – حسين الغزي:
وَقَفَتْ عَلَى نَفَسِ الرِّيَاحِ تُخَاطِبُــهْ
فَتَسِيرُ نَحْوَ الأُفْقِ وَهْيَ تَتَقَدَّمُ
تَسْأَلْ نُجُومَ اللَّيْلِ عَنْ مَوْعِدِ الْمُنَى
هَلْ يَرْجِعُ الْغَائِبُ الَّذِي لا يُعْلَمُ
وَيُرَاقِصُ الأَحْلَامَ فِي أَهْدَابِهَا
نَبْضٌ يُؤَرِّقُهَا وَحُزْنٌ مُبْهَمُ
مَشَتِ الخُطَى وَالرِّيحُ تَسْرِقُ نَفْسَهَا
وَالدَّمْعُ فِي عَيْنَيْهَا يَتَقَدَّمُ
حَفِيَتْ قُدَمَاهَا وَالمَسَافَاتُ انْحَنَتْ
وَالمَوْجُ مِنْ شَوْقِ الْقُلُوبِ يُحَطِّمُ
وَبَلَغْنَ شَطْآنَ الحَنِينِ وَحَوْلَهَا
صَخَرٌ يُصَارِعُ مَوْجَهُ وَيُهَدِّمُ
صَخَرَاتُهُ تَصْرُخْ وَيَشْهَدُ صَوْتُهَا
أَنَّ الفُرَاقَ عَلَى القُلُوبِ يُحَرِّمُ
وَالْمَوْجُ يَعْصِفُ فِي جُنُونِ تَلاطُمٍ
وَكَأَنَّهُ وَجَعُ الحَنِينِ يُتَرْجَمُ
تَنْتَظِرُ السُّفُنَ البِعَادَ وَحُلْمَهَا
أَنْ يَرْجِعَ العُشَّاقُ فِيهِ وَيَبْتَسِمُ
لَكِنَّهَا لَمْ تَرَ سُفُنًا قَادِمًا
إِلَّا الصَّدَى وَالمَوْجَ لَا يَتَكَلَّمُ
وَالنَّوَارِسُ العُرْيَانُ حِينَ تَطِيرُ قَدْ
عَادَتْ وَفِي أَرْجُلِهَا لَا مَرْسَمُ
فَتَسَاءَلَتْ: يَا بَحْرُ، أَيْنَ أَحِبَّتِي؟
قَالَ الصَّدَى: قَدْ ضَاعَ مَنْ يَتَبَسَّمُ
فَبَكَتْ وَنَاحَتْ فِي الدُّجَى، وَصَدَاهُمُ
يَرْجُو رُجُوعَ العُمْرِ وَهْوَ مُتَيَّمُ
وَتَوَارَتِ الأَمْوَاجُ فِي سِرٍّ بَهَا
وَكَأَنَّهَا لُغْزُ الحَيَاةِ يُتَرْجَمُ
وَتَنَامُ فِي حُلُمِ اللِّقَاءِ وَنَبْضُهَا
فِي الصَّدْرِ مَوْجٌ مُرْهَقٌ مُتَكَلِّمُ
تَضُمُّ ذِرَاعَيْهَا عَلَى وَجَعِ اللِّقَا
وَتَرُدُّ دَمْعًا كَانَ فِيهِ تُتَيَّمُ
تُحْيِي بَرِيدَ الرِّيحِ تُرْسِلُ نَبْضَهَا
عَبْرَ الفَضَاءِ، وَمَا لِرِيحٍ بَرْسَمُ
تُسْقِي الدُّرُوبَ دُمُوعَهَا وَكَأَنَّهَا
تَكْتُبْ عَلَى الرَّمْلِ الوَدَاعَ وَتَخْتِمُ
يَا بَحْرُ، هَلْ أَوْدَعْتَهَا أَسْرَارَهَا؟
أَمْ أَنْتَ مِثْلُ القَلْبِ لَا يَتَكَلَّمُ
كَمْ مِثْلُهَا قَدْ جَاءَ يَحْمِلُ شَوْقَهُ
وَتَبَدَّدَتْ أَحْلَامُهُ وَتَقَسَّمُ
كَالطَّيْرِ يَرْجُو فَوْقَ بَحْرٍ مَوْعِدًا
فَيَعُودُ وَالجَوُّ الحَزِينُ يُحَلِّمُ
وَيَمُرُّ ظِلُّ الغَائِبِينَ كَأَنَّهُ
طَيْفٌ يُعَانِقُ حُزْنَهُ وَيُكَلِّمُ
تُرْخِي جُفُونَ العَيْنِ تَبْكِي صَامِتًا
فَتُجِيبُهَا الأَمْوَاجُ: لَا تَتَوَهَّمُ
فَتُقَبِّلُ المَاءَ الَّذِي فِيهِ الوَجَى
وَتَقُولُ: يَا بَحْرُ، الهَوَى يَتَيَتَّمُ
وَتَعُودُ خَائِبَةَ الرَّجَاءِ كَأَنَّهَا
نَبْتٌ عَلَى صَخْرِ المَسَاءِ يُحَطَّمُ
تَحْيَا عَلَى وَعْدِ اللِّقَاءِ وَإِنَّهُ
حُلْمٌ يُقِيمُ عَلَى الجُفُونِ وَيَنْظِمُ
وَتَقُولُ: يَا رَبَّ الحَنِينِ تَرَفَّقًا
هَذَا الفُؤَادُ بِغُصَّتِي يَتَكَلَّمُ
