بقلم:حمد الوليلي
تظل أزمة سد النهضة الإثيوبي إحدى أهم القضايا القومية التي تشغل بال كل مصري وعربي، وهي أزمة تتعلق بشريان الحياة لمصر – نهر النيل. ومن منطلق المتابعة الدقيقة والموضوعية، لا يمكنني إلا أن أشيد بالموقف المصري الثابت، الحكيم، والمسؤول في التعامل مع هذا الملف الشائك.
ونجحت الدبلوماسية المصرية في إدارة الأزمة عبر مسارات متعددة ومتوازية. فعلى الصعيد الدولي، وضعت مصر العالم أمام مسؤولياته تجاه حقوقها المائية التاريخية والقانونية، مؤكدة على أن الأمن المائي المصري جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والإقليمي.
كان التحرك المصري واضحًا وحازمًا، يقوم على مبدأين أساسيين: الحفاظ على قطرة المياه وعدم المساس بحصة مصر، وفي الوقت نفسه، الالتزام بالحل السلمي والتفاوضي الذي يحقق مصلحة الأطراف كافة دون إلحاق ضرر جسيم بأي منها.
المسارات الاستراتيجية المصرية:
الموقف المصري ليس مجرد رد فعل، بل هو استراتيجية طويلة الأمد تستلهم عراقة النيل الذي رسخ حضارة هذا الوطن. وقد تجلى هذا في شقين رئيسيين:
اولا :التحرك الدبلوماسي والقانوني الحازم
إلى جانب الدعوة للحل السلمي، تمسكت مصر بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد، يضمن تدفقات عادلة خاصة في سنوات الجفاف والجفاف الممتد. كما كثفت القاهرة جهودها لـتدويل القضية عبر اللجوء إلى المحافل الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الإفريقي، وطرحت خيار التحكيم الدولي لحل النزاع. الأهم هو التنسيق المستمر والتحالف الاستراتيجي القوي مع السودان لتشكيل جبهة موحدة تدعم الحقوق التاريخية والقانونية لدولتي المصب.
ثانياً : الإجراءات الداخلية لتأمين الأمن المائي.
في موازاة التحرك الخارجي، تبنت الدولة المصرية خطة طموحة وغير مسبوقة لتقليل الاعتماد على النيل، تمثلت في:
إنشاء محطات عملاقة لمعالجة المياه وتحليتها: استثمارات ضخمة في محطات مثل بحر البقر والدلتا الجديدة، لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي وإعادة استخدامها في أغراض الري، مما يوسع مصادر المياه ويقلل الضغط على حصة النيل.
مشروعات ترشيد الري: تطبيق واسع النطاق لـنظم الري الحديث بدلاً من الري بالغمر في القطاع الزراعي لتقليل الفاقد المائي.
الحماية الاستراتيجية: يبقى السد العالي في أسوان ببحيرته التخزينية الهائلة هو صمام الأمان، حيث يوفر الحماية والقدرة على استيعاب أي تغيرات مفاجئة أو تقلبات في تدفقات النيل، مما يضمن أمان مصر في أسوأ السيناريوهات.
هذا الموقف يعكس قوة الدولة وإيمانها المطلق بعدالة قضيتها، وهو ما يستحق كل تقدير وإشادة من كل متابع ومحلل. مصر لم تتنازل عن حقها، ولم تنجرف خلف التصعيد غير المدروس، بل عملت بعقلانية لحماية مستقبل أجيالها بـاستراتيجية مزدوجة تجمع بين حماية الحقوق بالدبلوماسية وتأمين الموارد بالإجراءات التنموية