كتب -د.صبري زمزم:
رواية حماة الفضيلة إحدى روايات السفير السوداني كرم الله الكركساوى وأحد الأدباء الموجودين حاليا في القاهرة وله حضور ثقافي ملحوظ في ندوات اتحاد الكتاب وتمت مناقشة هذه الرواية في صالون حكايا الثقافي للدكتور سيد الرشيدي بحضور أديبة السودانية د.نسرين الرضي ود.علاء عبد الخالق والشاعر محمد فايد والشاعر علي يحيى ود.صبري زمزم مدير تحرير جريدة الأهرام والأدبية د.هدى جلبي والناقدة يسرا زكري ودارت المناقشات بينهم جميعا وكان نتاجها ما بلوره د.صبري زمزم في عرضه لهذه الرواية حيث قال :
إذا كان العنوان هو أول عتبات النص فلنا أن نتوقف أمامه مرتين، مرة وهو يطالعنا قبل قراءة القصة، ومرة بعد الانتهاء من قراءتها .
أما المرة الأولى فإن القارئ سيتصور أنه سيقرأ رواية “حماة الفضيلة” فتعطيه نموذجا طوباويا للمدينة الفاضلة حيث تنعم الفضيلة بحماة أشداء حريصين كل الحرص على أن تسود الفضيلة وتنعم بثوبها الناصع البياض ومن ثم، يتصدون الكماة لأى بقعة سوداء قد تشوب ثوب الفضيلة، فيتأهب القارئ لمطالعة مجتمع فاضل، تسوده الأخلاق الرفيعةوالشيم الحميدة التي ربما تشفى غليله، وتروى شوقه إلى هذه النماذج التى يتوخاها ليقتدى بها. ولكن ما إن يشمر القارئ عمن ساعديه ليقتحم الرواية، مدفوعا بهذا العنوان حتى يصدم فى أولى صفحات الرواية فأول أحداثها واقعة تحرش من شاب لفتاة تسير في الشارع ويأتي المبرر أو العذر أقبح من الذنب، حيث يقدم الشاب عذره بأنه أ أراد أن يفتش الفتاة ليتأكد إذا كانت تضع أموالا مسروقة أو مجهول مصدرها في صدره .
وعندما يشتبك معه أخوها الذي هو صديقه علاء، يستدرجه إلى مكان يرى به أمه فى وضع مخجل، مع رجل في مكان مشبوه، مما يسبب لصديقه أزمة لينسيه ما فعله مع أخته.
وعندما تتسع الرؤية من خلال الأحداث نجد المحرض على ما فعله الشاب صلاح هو ضابط الشرطة رءوف الذي كلفه بمعرفه مصدر الأموال التي ينفقها صديقه علاء وما علاقة أخته بهذه الأموال ولم يتصرف الضابط الصغير هكذا إلا باوامر من الضابط الكبير الذي يرأسه ، ليتأكد من حسن سير و سلوك تلك الفتاة التي يرغب فى الزواج منها . وعندما تخوض في الرواية أكثر وأكثر نجد أن أم علاء عندما أرادت أن تنتقم من صلاح دبرت مكيده لصلاح ليرى أمه صحبة رجل غريب في وضع شبهة.
مما يتسبب فى ثورة صلاح واشتباكه مع عبد الكريم الذي يعترف لصلاح ببراءة أمه.
و ما يفاجئنا به المؤلف أن الضابط عبد الرؤوف الذي يدير الأحداث من بعيد، هو ابن المرأة التي تدير المكان المستوه الذي يجمع بين راغبي المتعة وأن خاله هو الحارس وان آباه مجهول فهو كما قدم نفسة
لصديقیه ابن حرام. هنا تصطدم الأحداث بالعنوان فإذا كانت الشرطة ورجالها هم حماة الفضيلة والأخلاق.
والقانون أمام الناس فى كل مجتمع فان عبد الرءوف ذلك الضابط الصغير يمثل علامة استفهام في هذا المقام فهو مدبر للمؤامرات وحامى للرذيلة التى هو نتاجها، ويذهب إلى بيوت المتعة الحرام صحبة علاء وصلاح ويدبر مؤامرة فى النهاية من أجل الإيقاع برئيسه فى العمل ونسيبه مما أدى إلى ارتكابه جريمة قتل زوجته عندما زور خطابا موقعا باسم صلاح إلى زوجة رئيسه موهما إياه بأنه على علاقة بزوجته.
وإذا إذا كانت المرأة عنوان المجتمع نجد سعاد وثريا مثلين سيئين للمتزوجات الخائنات لأزواجهن ، فكل منها على علاقة خارج الزواج بإبراهيم و محمود، في غفلة من أزواجهن وثريا تقوم بإغواء غيرها إلى طريقها المنحرف، حتى ابنتها استغلتها للإيقاع بالقاضي في غرامها. بكتابه خطابات ممهورة بتوقيع ابنتها وانتحلت صفتها في الحديث تليفونيا معه .
الرواية من نوع السرد الاجتماعى يرصد ظواهر فى المجتمع من خلال العلاقات بين أبطال الرواية داخل المجتمع السوداني في مرحلة من المراحل أشار فيها المؤلف إلى بعض المفاهيم السائدة فى هذا المجتمع منها – تمتع الشباب من الفتيان بحرية غير محدودة مع البطالة، فالتسكع فضيلة لنشدان الرجولة فيشجع الآباء أبناءهم عليها دون توجيه إلى معارف الله مكارم الأخلاق .
* لم يرد أي دور للدين فی مجتمع الرواية فلا يو جد إشارة إلى مسجد أو كنيسة أو رجل دين، أو صلاة أو صيام.
* القيود وضعها المجتمع على الفتاة الآنسة فلا تخرج ولا تتعطر ولا تتزين وتلتزم الاحتشام، فإذا تزوجت خرجت من القمقم وأعطاها المجتمع حريتها فى الملبس والزينة والتنقلات مما أدى إلى استخدام هذه الحرية أسوأ استخدام من بعض المتزوجات مثل سعاد وثريا .
، رصد الكاتب الهجرة إلى الشمال كحل للتغلب على بطالة الشباب حتى آخر القصة، وجدنا صلاح وعلاء وعبد الكريم فى الاسكندرية مع شباب آخرين من السودان بعضهم يعمل وبعضهم يكمل تعليمه وبعضهم تزوج من مصر، مثل صلاح وعلاء الصديقين الحميمية اللذين تزوجا أختين مصريتين بعد حصولهما على الشهادة الجامعية فى الحقوق والإعلام .
* لم تخل الرواية من المفاجآت
ولعل أقواها ما كان فى نهاية
الرواية حين اعترف الوجيه
الغنى أحمد عنان بأبوته للضابط
عبد الرءوف، وأوصى ابنه صلاح به
بالرغم من تورط عبد الرؤوف في مؤامرة أدخلت رئيسه قاتلا لزوجته، وكان يدبر لقتل صلاح أيضا ولكنه نجا من المكيدة بأعجوبة .
وفى النهاية يتساءل القارئ أين الفضيلة وأين حماتها ؟
الأسلوب مشوق من البداية إلى النهاية وذلك بسبب أسلوب الإخفاء ثم الإظهار والغموض الذي أحاط ببعض الشخصيات مثل عبد الرءوف ورئيسه، وأحمد عثمان وبائعة والمريسة المحرمة وحارس الوكر .
* إذا كان هناك شخصية فى الرواية تمثل الفضيلة فهى كريمة أم صلاح ، والتي ترصد لها كل من سعاد وثريا لتلويث سمعتها.
* المكان : غير محدد هل في الخرطوم أم غيرها.
الزمان : غير محدد الحقبة الزمنية التي تدور فيها الرواية.
إلسرد : عن طريق السارد العليم
الحوار : باللغة العربية الفصحى يخدم السرد ولا يعطل الأحداث بل ألقى الأضواء على أحداث غامضة..
وبعد أن يفرغ القارئ من قراءة الرواية يبقى عنده سؤال مهم أين الفضيلة وأين و حماة الفضيلة . فالرواية تتكلم عن شعار غائب عن هذا المجتمع. فهل هي صرخة ليستيقظ هذا المجتمع من غفلته بطريقة غير مباشرة بعيداً عن الخطب والمواعظ ؟
توافرت فى هذه الرواية عدة عوامل لنجاحها أهمها
-1- الأسلوب البسيط
-٢- التشويق والإثارة
– المفارقات والمفاجآت
– وخلت الرواية من أي لفظ يخدش الحياء رغم عرضها لمواقف قد يستغلها البعض في الخوض بلا تحفظ وهذا يحمد للروائي كرم الله الكركساوى الذي قال كل شيء دون أن يصرح بما يثير الغرائز.