بدر شاشا
ظاهرة تراجع البحر في المغرب ليست فقط موضوعًا جغرافيًا بقدر ما هي موضوع يرتبط بالعديد من العوامل الطبيعية والكونية المعقدة. إن الهروب المستمر لمياه البحر إلى الوراء، سواء كان هذا الهروب مؤقتًا أم طويل الأمد، يثير الكثير من التساؤلات والفضول حول الأسباب والظواهر الطبيعية التي تتحكم في هذا السلوك المائي. يتداخل القمر، بتأثيره الجاذبي الفريد، بشكل كبير مع حركة المد والجزر، وهذا الربط القديم بين القمر وتلك الحركات المائية يظل أحد أهم المفاتيح لفهم ظاهرة التراجع البحري.
على مر التاريخ، كان البشر يلاحظون تلك الظواهر الدورية لحركة مياه البحار والمحيطات، وما يصاحبها من تراجع ثم تقدم. كان من الواضح منذ العصور القديمة أن هناك نمطًا معينًا يمكن أن يُعزى بشكل مباشر إلى تأثيرات القمر. هذا التأثير، الذي ينتج عن القوة الجاذبية للقمر والتي تسحب المياه نحوها، يؤدي إلى نشوء ظاهرتي المد والجزر. في المناطق الساحلية المغربية، يلاحظ السكان هذا التأثير يوميًا، حيث يتقدم البحر في ساعات معينة ليلامس الشواطئ ثم يتراجع بعيدًا في ساعات أخرى.
لكن ما يثير التساؤل هو ما إذا كانت هناك أسباب أخرى تجعل البحر يتراجع بشكل غير اعتيادي أو لفترات طويلة. بعض النظريات العلمية تشير إلى تغيرات في المناخ والاحتباس الحراري كأحد العوامل التي قد تؤثر على أنماط المد والجزر. فعندما يزداد ذوبان الجليد في المناطق القطبية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع منسوب مياه البحار عالميًا، ولكن في المقابل يمكن أن يؤدي إلى تغييرات غير متوقعة في حركة المياه المحلية، مثل تراجع البحر عن بعض الشواطئ.
يمكن للزلازل تحت سطح البحر أن تكون عاملاً مؤثرًا. فالتحركات الزلزالية تحت الماء قد تسبب ما يعرف بالتسونامي، حيث يتراجع البحر بشكل مفاجئ قبل أن يعود بقوة هائلة. وعلى الرغم من أن المغرب لم يشهد تسونامي قويًا في تاريخه الحديث، إلا أن الطبيعة الزلزالية للمنطقة تجعل هذه الفرضية قابلة للنقاش.
وما يجعل الموضوع أكثر إثارة هو تأثير القمر ذاته، الذي يساهم بشكل كبير في تحديد حركات المد والجزر.
مع كل دورة كاملة للقمر حول الأرض، يحدث تغير في زاوية الجاذبية التي تؤثر على المياه. في بعض الأحيان، عندما يكون القمر في أقرب نقطة له من الأرض (الحضيض)، يمكن أن تكون تأثيرات الجاذبية أقوى، مما يؤدي إلى مد وجزر أقوى وأشد. وفي أوقات أخرى، عندما يكون القمر في أبعد نقطة له (الأوج)، يمكن أن تكون هذه التأثيرات أضعف، مما قد يفسر تراجع البحر في بعض الأحيان.
هذا الترابط بين القمر والمد والجزر ليس فقط ظاهرة جغرافية، ولكنه أيضًا جزء من النظام الكوني الذي يربط الأرض بمحيطها السماوي. إذن، تراجع البحر في المغرب يمكن أن يكون نتيجة لعوامل متعددة تتشابك معًا، من بينها التأثير المباشر للقمر، والتغيرات المناخية، والنشاطات الزلزالية. هذه العوامل مجتمعة تشكل مشهدًا طبيعيًا معقدًا يتطلب دراسة مستفيضة لفهم جميع أبعاده وتداعياته على البيئة الساحلية في المغرب.
يمكن القول أن تراجع البحر في المغرب هو جزء من دورة طبيعية تعكس التوازن الدقيق بين القوى الكونية والظواهر الأرضية. ولكن في الوقت ذاته، يتعين على العلماء والمختصين مراقبة هذه الظواهر بعناية لفهم أي تغييرات قد تكون مرتبطة بالتغيرات البيئية الحديثة. يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى تأثير الأنشطة البشرية على هذه التغيرات وما إذا كانت هناك حاجة لاتخاذ إجراءات للحفاظ على التوازن الطبيعي الذي يحدد حركة مياه البحار والمحيطات.
التعليقات مغلقة.