مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حرب المعلومات المدمرة

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

الحضارة التى نعيشها لها نهاية، فنهاية التطور التكنولوجى الرهيب الذى نشهده الآن والذى سوف يستمر، هو دمار وزوال هذه الحضارة المتقدمة. وهذا ما أخبرنا به رب العزة، ” حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون” (يونس 24). هذه الآية ليست واردة في أشراط الساعة، وأنها ستقوم بعدما تبلغ حضارة الدنيا أوجها، وأقصى حدودها، فهي مثل ضربه الله تعالى لزهرة الحياة الدنيا وزينتها، وسرعة انقضائها وزوالها، فالحضارة المعاصرة سوف تتقدم وتصل حداً متطورا جداً، وعندها يأتيها أمر الله ليس بالضرورة بقيام الساعة وإنما بأي كارثة أو أمر يعود بها إلى الوراء. فالحضارات عموماً منذ الأزل تتقدم وتتطور حتى تصل حداً معيناً ثم تنهار وترثها حضارة أخرى مثل ما جرى للحضارات القديمة.

هناك تقدم رهيب فى مجال تكنولوجيا الإلكترونيات والاتصالات، وهو يتصاعد وبطريقة سريعة جدا، ولا يمكن التنبؤ به، كما يصعب التحكم فيه، وخاصة فى مجال الذكاء الاصطناعى. وأصبحت ساحات الاقتتال تتغير طبيعتها شيئا فشيئا. كما أصبحت معدات حرب المعلومات وساحات المعارك الحربية الجديدة لها كينونة خاصة، فهى تختلف عما تعودنا عليه منذ بدء الخليقة. فنحن قد تعودنا على أن الاقتتال كان بالأيدي أو بوسائل ومعدات من الطبيعة أو مصنعة، وهذه المعدات يمكن رؤيتها والتعرف عليها بالعين المجردة، كالقنابل والبنادق والمدافع والطائرات والغواصات والسفن الحربية وما إلى ذلك، ونحن نعلم أيضا، ونتيجة للتطور التكنولوجى أن هناك معدات حربية لا يمكن رصدها إلا بوسائل ومعدات متطورة. كل هذا شيء، وهناك شيء آخر مختلف تماما، فنحن نعيش الآن فى عصر حرب المعلومات الشرسة والمدمرة، عصر الحرب الخفية والغامضة.

نحن لا ننكر أن التطرف والعمليات النفسية كانت منذ زمن طويل أداة في ترسانة الدول، لكنها كانت محدودة وفى بعض الأحيان كانت غير فعالة، نتيجة بطء ومحدودية انتشار المعلومة. لكن مع التقدم التكنولوجى الرهيب وخاصة فى مجال الاتصالات الرقمية، فقد أصبح العالم كقرية واحدة، وتستطيع المعلومة أن تنتشر فى ربوع العالم خلال ثواني معدودة بالصوت والصورة سواء كانت صحيحة أو مفبركة. وهذا ما شاهدناه مرارا وتكرارا فى حالات الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد أدى نشر صور الدمار وصور الموتى والجرحى من خلال شبكات التواصل الاجتماعي إلى الضغط على حكومة الاحتلال لوقف هذه الهجمات.

 

هناك نوعان من “هجمات المعلومات”، وهما: أولا، التخريب الرقمي أو الفني، وهو يهدف إلى التسلل، أو التشويش، أو تعطيل أو تدمير عمل الدولة. ثانيا، التخريب النفسي (حرب المعلومات، وتعرف حرب المعلومات أيضاً باسم الحرب السيبرانية أو حرب الانترنت – والحرب الإلكترونية – والهجمات السيبرانية أو هجمات الانترنت) ويهدف إلى خداع المعارض، وتشويه سمعة صانعي القرار فيه، وتضليل وإحباط قواته العامة والمسلحة، ودعم المعارضة السياسية. ومن أجل الحصول على هذه الاستراتيجية الشاملة لا يهم – وفى سياق تكتيكي معين – “اختراق شبكات المنافسين” أو “اختراق عقولهم” وهى “قرصنة المعرفة”، أو القيام بالأمرين معاً. في هذا السياق، ينظر إلى “هجمات المعلومات” والتى يتم شنها في أوقات السلم وأوقات الحرب على أنها واحدة من أكثر أدوات الإكراه غير النووي فعالية من حيث التكلفة، وهي أداة أساسية لتقليل الاشتباكات العسكرية المسلحة.

الهجمات السيبرانية أو الإلكترونية التي سيستخدمها الخصوم والمنافسون والإرهابيون ستشمل بشكل متزايد عمليات التجسس السيبراني والهجوم والتأثير، لأن تكاليفها منخفضة نسبياً كما أنها تنمو بسرعة من حيث الفعالية والحدة. ويشمل ذلك تهديد العقول والآلات بطرق مختلفة، مثل سرقة المعلومات ومحاولة التأثير على السكان، أو استهداف جمهور محدد بدقة، أو تعطيل البنية التحتية الحيوية من شبكات كهرباء ومياه واتصالات ومؤسسات مالية ورعاية صحية. وتعتمد هذه الجهات على القدرات السيبرانية سعياً للحصول على مزايا سياسية واقتصادية وعسكرية.

قد يهمك ايضاً:

في النهاية، نحن بشر

أنور ابو الخير يكتب : مدرسة جبر الخواطر

من خلال تزايد انتشار الإنترنت، تتزايد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام. والجهات الأجنبية التي لديها نوايا خبيثة يمكنها بسهولة استغلال هذه الميزة الجوهرية لوسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتوى مزيف من أجل خداع، وتشتيت، وتضليل الرأي العام، وتلويث الحوار والنقاش بمعلومات مزيفة، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تشتيت وتأكيد إحساس بالشك بين الجمهور، أو تشكيل رأي جمهور مستهدف محدد في قضية معينة.

الفضاء السيبراني أو الإلكتروني هو جزء من “فضاء المعلومات” الأوسع نطاقاً، والذى يشمل أيضاً أجهزة وبرمجيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبيانات ومعالجة المعلومات البشرية. وأصبح الفضاء السيبراني أو الإلكتروني مضاعفاً قوياً لما يترتب عليه من آثار قد تزعزع الاستقرار في بنية المعلومات، والتي يتم التلاعب بها، نظراً لأنه يتيح اتصال عالي المستوى، مع سرعة الاستجابة، وانخفاض في تكلفة الدخول على المعلومة والتعامل معها، وكذا مع تعدد نقاط التوزيع والتي تستخدم بدون وسطاء، كما أنها لا تعترف بالمسافات أو حدود الدول. والأهم من ذلك، هو عدم الكشف عن هوية من يتعامل مع الفضاء الإلكتروني، وهذا ما يجعله “مجالاً غامضاً”.

ومن خلال الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الاعلام – واسميها ساحات المعارك الاجتماعية – أصبحت القنابل المصنعة من المعلومات الخبيثة المضللة، أشد فتكاً من أعتى قنابل التدمير الشامل. فهى تنتشر بين ملايين البشر كانتشار النار فى الهشيم، مخلفة وراءها دماراً معنوياً أو تغييراً فى آراء الناس، والذى يصعب إصلاحه فى حينه. وهذا ما شاهدناه من خلال تداول معلومات مفادها أن جهاز الاستخبارات الروسية كان له تأثير مباشر على الناخب الأمريكى فى سباق الرئاسة عام 2016، والذى أدى إلى نجاح الرئيس الأمريكى “ترامب” وهزيمة “هيلارى كلينتون”، والذى بموجبه أصبحت رئاسة “ترامب” لأمريكا على كف عفريت، وهى أحد الوسائل التى تسببت فى التلاعب بما يسمى بالديمقراطية الأمريكية. ويزعم الأمريكان أن عمليات الاستخبارات الروسية كانت قد تطورت بشكل جذري مع أوائل عام 1980، أى مع بداية حكم “رونالد ريجان”، فقد كان هناك تحول حاسم في اتجاه حرب المعلومات، وزعزعة الاستقرار والتخويف، إلى جانب حملات التشويه المعقدة والأخبار المزيفة.

وفى المجال العسكرى، لقد كانت أوكرانيا ساحة اختبار روسيا للحرب السيبرانية الحقيقية. وطبقا لما كان متداولاً، فقد  قامت روسيا بزرع برامج ضارة داخل تطبيق أندرويد يستخدمه أفراد المدفعية الأوكرانية. هذه البرمجيات الخبيثة مكنت القوات الروسية من تحديد مواقع القوات الأوكرانية، وهذا ما أدى إلى خسارة أوكرانيا من 15٪ إلى 20٪ من مخزونها من مدافع الهاوتزر خلال العمليات القتالية ضد روسيا.

ربما تكون المعلومات والإنترنت أكثر القضايا الحادة هذه الأيام، وخاصة بالنسبة للمخططين العسكريين وفى وحدات مكافحة الإرهاب وصانعي السياسات. فإن الأزمة القادمة المحتملة لتهديد السلامة والأمن والرفاهية الاقتصادية للدول، قد تكون نتيجة عمليات استخباراتية لبعض الدول أو الجماعات الإرهابية والتى سيكون هدفها مهاجمة شبكات البنية التحتية الحيوية والمجالس النيابية والبرلمانات والمجالس الشعبية المحلية والمؤتمرات، وفى المقام الأول يكون هدفهم هو مهاجمة شبكات المؤسسات العسكرية، وهو ما يطلق عليه العنف ذو الدوافع السياسية. فهم يستهدفون الحلقة الأضعف في بيئة النظام لهذه الشبكات. والآن تنتشر “أسلحة هجينة” من الهجمات الإلكترونية والأخبار الزائفة لنشر الفساد والاغتيالات، والهدف منها أيضا هو القيام بأعمال التجسس، وكذا الحفاظ على تواجد القراصنة داخل هذه الشبكات والسعي لوضع أساس لعمليات هجومية مستقبلية.

في النهاية نستطيع أن نقول، أن حرب المعلومات سوف تأخذ حتماً جانباً استراتيجياً. وهذا راجع إلى أن معظم دول العالم وخاصة الدول المتقدمة، تمتلك موارد كبيرة قائمة على المعلومات، بما في ذلك أنظمة إدارة معقدة، وبنى تحتية تتضمن التحكم في الطاقة الكهربائية، وتداول الأموال، وحركة النقل الجوي والبحري، والبترول والغاز، وغيرها من الأنشطة والموارد المعتمدة على المعلومات. فمن الناحية النظرية، تكون الفرصة ذهبية للأعداء المحتملين للإضرار بهذه الأنظمة باستخدام تكنولوجيا حرب المعلومات.

أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 

 

 

 

 

اترك رد