بقلم دكتور – هشام فخر الدين:
مما لا شك فيه أن التعليم هو المدخل الرئيسي للنهوض بالمجتمع أو الوسيلة لتدمير هذا المجتمع، مستقبلا وحاضرا وماضيا. ويعتبر التعليم هو المحرّك الأساسي في ازدهار وتطوّر الحضارات، إضافةً لكونه محور القياس في نماء وتطوّر المجتمعات. فلا يمكن أن ينهض أي شعب إلا بالتعليم أولاً، فهو المشكاة التي تحمل مصباح الوعي القاتل لظلمات التخلف التي تزحف يوماً بعد يوم لتغرقنا جميعاً في ليلٍ لا نهار له.
ومن ثم باتت قضية إصلاح منظومة التربية والتعليم من القضايا الرئيسية التي تؤرق بال كل مسئول، إيماناً منه بأن تكوين الرأسمال البشري يعد الدعامة الأساسية لكل نهضة اقتصادية واجتماعية وتنمية مجتمعية مستدامة.
وقد ترجم هذا في تبني العديد من المقاربات وتجريب الكثير من وصفات الإصلاح، قصد الوصول بالتعليم إلى أعلى المستويات, وانعكاس ذلك على جودة التكوين والتأهيل للموارد البشرية، لتمكينها من الإندماج في محيط عالمي يتميز بالتنافسية في جميع المجالات ومواكبة التطورات و التحولات التي يشهدها العالم مع تنامي اقتصاديات المعرفة وتحديات العولمة وما تتيحه من فرص.
إلا أن إصلاح التعليم فى حاجة إلى جهد ونظرة ثاقبة وليس مجرد فكرة تطرأ على بال أحدهم فيقوم بتجريبها دون وعى وإداراك، كما يحتاج إلى نظرة شمولية لكافة الجوانب والمجالات، نظرة تتجاوز المقاربات التجزيئية و الحلول الترقيعية، و تتعدى البعد الكمي. فالإصلاح يجب أن يكون شمولياً و مبنيا على النوعية والجودة في مختلف مكونات المنظومة التربوية. لذلك عمدت بعض الدول الرائدة في مجال التعليم اعتماد نظام الجودة في إصلاح منظوماتها التربوية، نظام أبان عن نجاحه وفعاليته في تحقيق النتائج المرجوة.
ولكن ذلك على عكس ما نلمسه فى الواقع لدينا، فقد أصبح التعليم الآن هو اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات، والجودة فى الجامعات عبارة عن تستيف أوراق، واجتماعات لا فائدة منها، وبيانات لا صلة له بواقع التعليم الجامعى وخاصة النظرى المرير، الذى لا فائدة منه ولا يرتبط من قريب ولا بعيد بسوق العمل، والطالب نفسه يدرسه ليحصل على شهادة مجرد شهادة ليكون جامعى تنفعه عند الزواج ومؤهل فى بطاقته الشخصية.
وكم من منادى بغلق هذه الكليات أو على الأقل التقليل من أعداد الطلاب بها وتوجيهيم إلى الكليات العملية والفنية والتخصصات الى يحتاجها سوق العمل، للحد من البطالة والتقليل من أعدادها، ولكن لا حياة لمن تنادى، فليس هناك إعداد سليم للاستاذ الجامعى حتى يكون قدوة ومتمكن من مادته، ولكن هناك صراعات وأحزاب داخل مثل هذه الكليات وغيرها، وبالتالى عن أية جودة ننادى، جودة الاستاذ الذى لا يتقن مادته ولا هم له سوى أشياء أخرى وصراعات بين مكاسب وخسائر، أم جودة الطالب الغير راغب فيه أصلا، أم جودة المناهج العقيمة والتى لا صلة لها بالواقع، أم جودة إدارة فاشلة مترددة عبارة عن عصبة فاسدة.
فواقع التعليم الجامعي بكل مكوناته، الإدارية والأكاديمية والطالب والعملية التعليمية، بحاجة إلى إعادة نظر جادة بواسطة طبيب يحمل في يده مشرط جراح، لا يراعي إلا مصلحة المريض. فيجب إعادة النظر في عدد الجامعات والكليات، ومنع تكرار التخصص في اكثر من جامعة، والتحول من الدراسات النظرية إلى الدارسة العملية. فالطلاب هم عماد المجتمع وثروته القومية.” فهل إلى خروج من سبيل”.