جمل المحمل في شيكاغو..الحلقة السادسة ” الحاخامات يصنعون فطائر الدم”
بقلم – محمد حسن حمادة:
وبنهاية شهر ديسمبر 1892، كان (هيرز) ومساعدوه قد انتهوا من تجهيز كل مكونات جناح شارع القاهرة ورقموا كل العناصر المطلوبة بشكل احترافي لتكون جاهزة على التركيب فقط، لم ينتظر (جورج بنجالو) حتى افتتاح المعرض فقد قرر السفر مبكرا إلى شيكاغو لتركيب وتجميع جناح شارع القاهرة لكسب الوقت مستعينا بالمهندس الأميركي (هنري إيفز كوب) وبعد مدة قصيرة لحق (هيرز) بأفراد المجموعة للإشراف النهائي على المرحلة الاخيرة والأهم في بناء جناح شارع القاهرة.
وفي 23 يناير 1893 أبحر (جورج بنجالو) من الإسكندرية إلى شيكاغو رأسا على متن الباخرة (جليدال) التي يقودها الكابتن (تاتي) مقابل سبعة عشر ألف وخمسمائة دولار على متنها مائة وخمسة وسبعون شخصا، لم يسمح الكابتن (تاتي) للدواب والحيوانات بدخول الباخرة إلا بعدما اشترط على (جورج بنجالو) تحمل المسئولية كاملة أمام القوانين الأمريكية وكل نفقات الطعام لفريقه نظير توفير الباخرة للماء والطهي.
وصل المصريون للعالم الجديد قبل افتتاح المعرض بأيام وقبل النزول من الباخرة فوجئ أفراد الرحلة بصياح (سولومون ليفي) وهو يركض نحو (جورج بنجالو) وهو في حالة هيستيرية ويمسك في طوقه بعنف أين صندوقي أعد لي صندوقي أيها اللص؟
ينهره (جورج) ويزيح يد (سولومون) من على رقبته، اهدأ أيها المخادع فلم نتفق على تهريب الآثار الفرعونية هل تظنني بهذه السذاجة!
سولومون ليفي: إذن ماذا تريد؟
جورج: ليس الآن سأخبرك بما أريد بعد انتهاء المعرض.
سولومون ليفي (أنت تلعب معنا ثانية بالنار ياجورج).
هل هذا تهديد؟
سولومون ليكن!
إذن فلتفعل ما بدا لك، (سولومون ليفي) بنبرة مغايرة: إذن لنتفاوض، سأعطيك نسبة 5% من قيمة الآثار؟
جورج: هذا عن الآثار الفرعونية لكن ماذا عن الأوراق المكتوبة على ماأظن باللغة العبرية؟
سولومون ليفي مزمجرا لا إلا هذه الأوراق فهي ليست للبيع أو المساومة، إنها تراثنا تراث اليهود ولن تدخل ضمن هذا الاتفاق. جورج ماذا تحوي هذه الأوراق؟ سولومون ليفي: ماشأنك بهذه الأوراق وما فيها.
جورج: لابد أن أعرف مافيها حتى أستطيع أن أقدر قيمتها وبناءً عليه أخبرك هل ستكون داخل الاتفاق أم لا.
سولومون ليفي: سأرفع لك النسبة إلى 7% ولتخرج هذه الأوراق من هذه الصفقة.
جورج: إذن أخبرني ماذا تحوي هذه الأوراق؟
سولومون ليفي: وبكل استسلام لا مفر أمامي إلا إخبارك بحقيقة الأوراق إنها (الجنيزا) ياسيدي.
جورج: وما هذه الجنيزا؟ وإن كانت تراثا كما تقول فلماذا تُهربون تراثكم وإلى أين وماهو الهدف والمقابل؟ لكن لنعد لأول مقابلة لنا في القاهرة ياسولومون هل تظن أن حيلتكم الماكرة قد انطلت علىً ومحاولات حاخامك الخبيثة ببث الإشاعات لصرف المصريين عن الذهاب للمعرض وفرضك عليً بالقوة سيمر مرور الكرام، للأسف لم يكن لدي أي خيار إلا مجاراتكم والآن ياسولومون تغيرت قواعد اللعبة أنتما الآن تحت قبضتي فمنذ أن رأيتك وأنا مرتاب في أمرك ويراودني الشك أن وراءك لغزا كبيرا، أخبرني أولا وبكل صدق من أنت؟ لقد قرأت اسمك في صحف القاهرة كمتهم في إحدى القضايا الكبرى التي هزت مصر ومازالت لغزا محيرا لم يكتشفه البوليس حتى الآن ويخيل لي أن حاخامك شريك ضليع في هذه الجريمة كما هو شريك في تهريب الآثار وأراد حمايتك بتهريبكَ إلى شيكاغو، لطمس هذه الجريمة، ثم يمسك جورج شحمة أذن (سولومون ليفي) وبغل أنا متأكد أنك من قتلت ابنة السيدة الإيطالية صوفيا في مدينة بورسعيد، مازالت هذه الحادثة البشعة عالقة بذهني فقد كان أحد شهود هذه الجريمة بقالا يونانيا، كنت على تواصل مع عميد الجالية اليونانية بمصر، وأذكر أن الأوصاف التي أدلى بها البقال اليوناني تنطبق عليك، اذكر أيضا أن المجرم أثار انتابهه عندما شرب خمرا وأصر على أن تشرب الفتاة خمرا هي الأخرى، وفي صبيحة اليوم التالي تم العثور على جثة الفتاة وقد مثل بها بطريقة وحشية، أثار هذا الحادث مصر كلها وكتبت عنه الصحف وإلى الآن مازالت القاهرة تحاول فك شفرة هذا اللغز الكبير، أليس كذلك أيها المجرم؟ مذ رأيتك وعرفت اسمك الذي علق برأسي وأنا أفتش بذاكرتي، لقد مر عليً هذا الاسم من قبل! وأخيرا تذكرت وربطت الخيوط ببعضها، اصدقني القول وإلا سلمتك أنت وصندوقك للشرطة الأمريكية تكلم أيها الوغد، بهت (سولومون ليفي) وأسقط في يده، لكنه استجمع شجاعته مخاطبا (جورج) ومن يضمن لي إن أخبرتك بالحقيقة أن لا تسلمني للشرطة؟ وهل تظن أنك إن فعلت ذلك ستعيش بعدها لحظة واحدة استيقظ ياخواجة فلست وحدي!
(جورج) مازلت تراوغ أيها الماكر أتهددني؟ إذن أنت من حكمت على نفسك، وهم جورج بالانصراف، لكن يوقفه (سولومون ليفي) انتظر ياجواجة سأعترف لك بالحقيقة لكن من يضمن لي أنك لن تسلمني للشرطة وستسلمني صندوقي؟
جورج تكلم وإن صارحتني بالحقيقة أعدك بشرفي أن لا أسلمك للشرطة. سولومون ليفي: وماذا عن الصندوق؟
لا لن أفصل في أمر الصندوق قبل أن أعرف حقيقة (الجنيزا) هذه، هيا تكلم فقد نفد صبري وليس لدي وقت لمهاتراتك فلدي مهام جسام.
سولومون ليفي: أمرك ياخواجة وأنا أثق في وعدك، (الجنيزا) ياسيدي هي: مجموعة أوراق ووثائق لا يجوز إبادتها في الديانة اليهودية، وخاصة إن كانت هذه الأوراق والوثائق مكتوبة باللغة العبرية واشتملت على اسم الله، فاللغة العبرية هي اللغة التي كلم الله بها آدم ثم موسى فهي لغة مقدسة لذلك علينا عندما تنتهي حاجتنا منها أن (نجنزها) أي نحفظها في بيوتنا ثم ننقلها في أحد الأماكن المخصصة لهذا الغرض في المعبد وإن اكتظ بها المعبد ننقلها إلى المقابر ونشيعها بطقوس جنائزية خاصة كما نشيع موتانا في أحواش فهي (جنيزا) أي جنازة”.
جورج: ولماذا تقضون مضاجع جنائزكم وكيف تدعي قداسة (الجنيزا) ثم تهربون هذا المقدس إلى الخارج؟
سيدي منذ تم اكتشاف (الجنيزا) ومكتبات العالم الكبرى في أوروبا وأميركا تتصارع عليها وتدفع بسخاء للمفاخرة بأن (الجنيزا) بين رفوفها، ستكون هنا بأمان وستتم دراستها بشكل علمي ليعرف العالم أننا أصحاب فكر وحضارة وتراث يخدم الإنسانية”.
جورج: وماذا عن الآثار الفرعونية؟
فيصمت (سولومون ليفي) دون إجابة! جورج: وماذا عن الفتاة التي قتلتها؟
نعم ياسيدي قتلتها فالذين لا يؤمنون بتعاليم الدين اليهودي وشريعة اليهود، يجب تقديمهم كقرابين إلى إلهنا الأعظم”،
التلمود يأمرنا بقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ويبيح لنا بقر الأممي كما تبقر بطون الأسماك، حتى وفي يوم الصوم الكبير الواقع في أيام السبوت”، ثم يقرر (الثواب) فمن يقتل أجنبيا أي من غير اليهود، يكافأ بالخلود في الفردوس والإقامة في قصر الرابع”. فما فعلته واجب مقدس أثاب عليه، أنا أنفذ تعاليم الرب!
جورج ماذا؟ سأشرح لك ياسيدي: حتى نرضي إلهنا (ياهوه) عندنا عيدان العيد الأول هو عيد الفطائر المقدسة الممزوجة بالدم البشري، والعيد الآخر مراسيم ختان أطفالنا”. العيد الأول هو عيد البوريم، نحتفل به من مارس من كل عام، والعيد الثاني هو عيد الفصح، نحتفل به في أبريل من كل عام، ذبائح عيد البوريم تنتقي عادة من الشباب اليافعين، نأخذ دم الضحية ثم نجففه ثم نمزجه بعجين الفطائر، وما تبقى نحفظه للعيد القادم، أما ذبائح عيد الفصح، فتكون عادة من الأولاد اللذين لا تزيد أعمارهم عن عشر سنوات، نمزج دم الضحية بعجين الفطير قبل التجفيف أو بعد التجفيف.
جورج: ولكنك قتلت الطفلة بطريقة بشعة!
سولومون ليفي: يبدو أنك كنت تتابع القضية بشكل جيد كما أنك تحتفظ بذاكرة حديدية فقد مر على هذه الحادثة عدة سنوات ومازلت تتذكر تفاصيلها!
نعم ياسيدي فنحن نستنزف دم الضحية بإحدى طريقتين الأولى (البرميل الإبري)، وهو برميل متسع نضع فيه الضحية، ونغرقه بالإبر الحادة التي تخترق جسد الضحية بعد ذبحها، لتسيل منها الدماء التي نفرح بها ثم نضعها في وعاء مخصوص، أما الطريقة الثانية وهي الطريقة التي قتلت بها الفتاة فقد ذبحتها كالشاة، وقطعت حنجرتها وقطعت شرايينها ثم صفيت دمها في وعاء، فتدفق دمها كشلال هادر ثم جمعت الدم في وعاء وسلمته للحاخام بنيامين عزرا ليقوم بإعداد الفطير المقدس المحلى بهذه الدماء، التي نستعملها أيضا عند مراسم الزواج حيث يفرض على الزوجين الصيام من المساء ولابد أن يفطرا على بيضة مسلوقة يقدمها لهما الحاخام، هذه البيضة لابد أن تكون مغموسة في رماد مشبع بدم إنسان، وأيضا في مناسبات الختان يغمس الحاخام إصبعه في كأس مملوءة بالخمر الممزوج بالدم، ثم يدخله في فم الطفل مرتين وهو يقول للطفل: إن حياتك بدمك”.
جورج: ولماذا قتلت هذه الطفلة بالذات دون غيرها من الأطفال؟
سيدي حتى يتم الذبح هناك شروط لابد أن تتوفر في الضحية أهمها: أن يكون القربان مسيحيا، ثانيا: أن يكون طفلا أو طفلة لم يتجاوزا سن البلوغ، الشرط الثالث: أن ينحدر من أبوين مسيحيين صالحين لم يثبت أنهما ارتكبا الزنا أو أدمنا الخمر، وهذه الشروط كانت متوفرة في السيدة صوفيا وزوجها فقد راقبتهما فترة طويلة واتضح لي أنهما مسيحيان صالحان والطفلة لم تكن قد تجاوزت العاشرة، قمت بعمليات القتل عدة مرات فقد كان الحاخام لايثق إلا بي لكن هذه الفتاة بالذات عندما هممت بقتلها ملوحا لها بالسكين طلبت منها الاستلقاء فأطاعت كانت ترمقني بنظرات حادة، قوية، لم تخش الموت، لم تتوسل أو تصرخ أو تستعطف أو تبكي، كانت مستسلمة، رباطة جأشها هزتني ولما وجدت نفسي أشفق عليها استجمعت شجاعتي وأغمضت عيني ودببت السكين في منتصف رقبتها وقطعت حنجرتها ثم لفظت أنفاسها ولأول مرة أجد نفسي أبكي على ضحية، مازالت صورتها تعصف بقلبي وتهز كياني، دعني أعترف لك أن هذه الفتاة أعادتني للحياة فقد شعرت بوخز ضميري وكنت أظن أنني دفنته في قبر مغلق، بعدها قررت التوقف عن القتل”.
جورج بنجالو بكل اشمئزاز : أغرب عن وجهي الآن فقد أصبتني بالغثيان وبعد انتهاء المعرض سأسلمك صندوقك مقابل 25% من قيمته.
التعليقات مغلقة.