كتب – بسيوني الجمل :
صدر كتاب ورواية بعنوان «جمع تكسير» للكاتب الروائي محمد جراح الإعلامي ونائب رئيس الإذاعة المصرية سابقا .. عبارة عن تأريخ لمصر وشعبها خلال فترة عصيبة بدأت واستمرت ولم تنته فصول مأساتها حتى كتابة هذه السطور .. ولكأنما كان محمد جراح وهو يكتب لنا من تاريخه وسيرته .. قد كتب تاريخ مصر والمصريين خلال سنوات تزيد على الخمسين عاماً .. وهي رواية وإن رأى كاتبها أنها لا تعدو أن تكون سيرة روائية .. فالسرد وترتيب الأحداث وتتابعها والزمن ومساحات التخييل حاضرة في النص من بدايته إلى نهايته .. حتى في الأجزاء المباشرة لم تفقد الكتابة مقومات السرد الروائي سواء في الحكي المتدفق أو الحوارات بين الراوي وصاحب الذكريات الوطن.
في كتابه الذي اختار عنوانه بعناية وأراده سيرة روائية لإنسان عادي تحمل عنوان «جمع تكسير» .. يسكن الوطن بين مسافات الأسطر ويطل من بين ثنايا الحروف .. فكانت مصر حاضرة في وجدان الطفل الذي التقط بعقله .. واحتفظ في ذاكرته ما خطه قلمه عندما استدعاه من مخزوته لاحقاً .. فكتب عن زراعات القطن وتفتح النوار والذهب الأبيض الذي كان عصباً ورافداً لكل من الدولة والفلاح فيما مضى .. وما أن يعي الجمال من حوله ويبتهج به إذا بحرب يونية «حزيران» من عام 1967م تندلع .. تلك الحرب التي ربما كانت أحداثها هي المشهد الأبرز الذي تفتحت عليه عين الطفل في تلك السن المبكرة .. إذ استباحت الطائرات المعادية الأجواء .. وصارت تمرح في سماء منطقة منشأة الفناطر الخيرية حيث منزل الطفل وسكنه ولم يكن قد تعدى الثامنة من عمره.
في الفصول المختلفة للكتاب .. يتعرض الكاتب لسيرته التي تأثرت وتأذت من قرارات جده العنترية .. فقد حرم الجد أولاده من العمل ما دام يحيا بينهم .. فانفرط كثير مما تحت يديه من أراض وعقارات وقطعان .. فغادرت الأسرة رفاهيتها وسكنت مناطق الستر وهم يواجهون عواصف الحياة بعد أن مات الجد وتفرق الأعمام !.. كان قرار الجد من رأسه دائماً ولم يكن يستمع لنصائح أحد .. وكان قرارات الرئيس من رأسه ولا يراجعه فيها أحد .. وحصدت الأسرة مثلما حصد الوطن.
خلال عمله الإعلامي انفتح على المجتمع .. وأصبحت له صداقات هنا وهناك حتى اكتشف أن الإذاعة التي سعى للعمل فيها أملاً في شهرة تصيبه ككاتب .. أنها هي التي أعاقته وأخرت انطلاقه في عالم الإبداع .. وكانت فرصة العمل بالسعودية هي السنوات التي استطاع فيها أن يستعيد نفسه ويعود إلى الكتابة.
في رحلة عمله مع الإعلام يرصد الخطة الممنهجة لإضعاف منظومة الإعلام المصري والتي بدأت في النصف الثاني من سنوات حكم مبارك.
ظل الكاتب طوال رحلته مهموماً بوطنه الذي رأى شمسه تكاد أن تنطفئ .. لكنها رغم الغيوم كانت ما إن تخبو حتى تعود مشرقة .. ظل الوطن حاضراً وهو يكتب عن محيطه القريب .. ليكتشف في النهاية أنه كان يلخص حال وطنه الكبير .. ولتكون تلك الصفحات بمثابة سجل لكل من جايل تلك السنوات التي امتدت منذ الستينيات من القرن الماضي وحتى العشرينات من القرن الحادي والعشرين .. حيث قدم الكاتب فصولاً عبارة عن شذرات من مشواره مع الحياة .. قد يجنح فيها ناحية سيرته الذاتية التي أخذ منها ما يناسب مقام الحال .. ثم صاغه في قالب روائي ولغة سردية متدفقة حتى أنزل ما كتبه منزل الرواية .. فجلست حتى تربعت فيه.
كان ما يراه الفتى في ذلك التاريخ زخماً .. أدركه وعاشه مع الشعب المصري حتى ركن إليه رامياً بحموله كلها على قيادته ذات الخطى السريعة مرة والمتعجلة في مرات .. وفي تلك السنوات البعيدة تفتحت عين الفتى وهي ترصد ما حولها فعاش أحلام الكبار .. وفكر بعقولهم وكان وسطهم مؤمناً أن الحق وأن نال منه الشر فهو لابد وأن ينتصر.
كتب التاريخ صفحة جديدة في سجل جيش مصر العظيم .. الذي استطاع أن يقهر القوة التي ادعت أنها لا تقهر .. وما بين تحقيق الحلم والعمل انطلق الفتى مجتهداً وراصداً للتحولات المجتمعية التي تحيطه ما بين غلاء ورواتب لا تفي بأي من متطلبات العيش الكريم.
التعليقات مغلقة.