جلسات فى طريق الحب 15 ” الإختراق العاطفى “
بقلم الدكتور : أحمد عيسى
الإختراق العاطفى
فى طريقنا للحب أحيانا يمكن أن تتعرض علاقاتنا العاطفية لاختراق يكبدنا الكثير من الخسائر ، ليس ذلك فحسب ولكن يمكن لهذا الاختراق أن يصيب علاقاتنا العاطفية فى مقتل …وهنا لا يجدى الندم ولا البكاء على اللبن المسكوب .
فى هذه الجلسة سوف نتناول أخطر ست أسباب تؤدى إلى عملية الاختراق ، والتى إن تنبهنا إليها استطعنا حماية علاقاتنا العاطفية من شبح الاختراق .
ولكن قبل أن نبدأ فى دراسة دوافع الأختراق تعالى معى نقترب قليلا من سيناريو تلك العلاقة العاطفية التى تم اختراقها .
هذه العلاقة التى تم اختراقها كانت تسير بشكل طبيعى مثلها مثل أى علاقة ناجحة يحيطها الدفئ ويظللها الإهتمام ولكن بعد أن تم اختراقها تبدلت الأوضاع وأصبحت القلوب تنبض بغربة الإحساس وكأنها لم تكن أحبت من قبل أو تلاقت .
إحساس مهما حاولنا التعمق فى وصفه فلن نستطيع تذوق مرارة من يمر به ، نعم مرارة العيون التى تحمل رسائل الألم والحسرة بين طياتها .
مرارة الأرواح التى كانت تستقر تحت عرش واحد ثم تم قنص إحداهما برصاصة غدر وخسة وندالة أصابتها فى مقتل وجرفتها فى تيارات الإختراق .
أتعلم مدى حسرة أن تكون أليفا مألوفا من روح ثم تراها تألف روحا أخرى وتتحول الألفة التى بينكما إلى بعد وغربة !
ومن الأهمية بمكان أن نعرف الأضرار المترتبة على الإختراق العاطفى ، حيث أننى وجدت الكثير منا يختزل العلاقة العاطفية بين الزوجين فقط ، ولكن الحقيقة المرة التى يجب أن تضعها نصب عينيك أن علاقاتنا العاطفية أكبر بكثير من تلك العلاقة التى تربط الزوجين كما سيتضح فى السطور التالية .
العلاقة العاطفية تبدأ بين الشخص ونفسه ، أعتقد أن البعض قد أصابته الدهشة !
نعم وبكل تأكيد إن الشخص الذى لا توجد عاطفة بينه وبين ذاته متمثلة فى اعتزازه وتقديره وامتنانه لنفسه عاجز على أن يسقى علاقاته الأخرى بتلك العاطفة الصادقة .
أولى مراحل العاطفة الصادقة تنبع من رؤيتك لنفسك ، وبالطبع لا أعنى أبدا الكبر والعجب الذى يجعل البعض لا يرى عيوبه ، ولكن أعنى تقبلك لنفسك وتقبلك لذاتك التى لا دخل لك فيها والتى خلقك الله عليها دون أى تحريف بشرى طرأ عليها.
هذا التقبل هو أولى حلقات السلسلة الذهبية لعلاقاتنا العاطفية التى ينبغى أن نبذل كل ما فى وسعنا لحمايتها من أى اختراق ، ومما لا شك فيه أن حالات الإنتحار التى تطالعنا الأخبار بها من حين لآخر ما هى إلا صورة من صور الإختراق العاطفى الذى طال علاقة المنتحر بنفسه حتى تم تبدل اعتزازه بنفسه وثقته إلى أضدادها ومن ثم لم يجد متنفسا له غير الإنتحار .
ومن صور العلاقات العاطفية التى ينبغى أيضا أن نحميها من الإختراق تلك العلاقة التى تربط بين الفرد وأسرته الصغرى وهى الأب والأم والأخوة وأسرته الكبرى وهى العائلة ممثلة فى أقارب الأب والأم والتى عندما يحدث لها اختراق تجد الشخص منسلخا من عائلته وأقاربه لا يعرف ودا ولا يحمل حبا .
ومن صور العلاقات العاطفية تلك التى تربط القائد بمرؤوسيه والتى ينبغى على كل قائد أن يرعاها ويبذل قصارى جهده ليجعل أسوارها عالية بعيدة عن أى اختراق ، وما التسريب الإدارى لمعلومات أى كيان إلا سببا ونتيجة لاختراق العلاقة العاطفية فى أحد حلقاتها بين القائد ومرؤوسيه فى ذلك الكيان .
وحتى لا أتشعب بكم فى الصور أحب أن أؤكد عليكم بأننا فى كل علاقاتنا نحتاج إلى العاطفة التى ترقع ما يصيب العلاقة من تمزق سواء عن عمد أو غير عمد .
والأن جاء دور معرفة الألية التى يتم بها أختراقنا عاطفيا حتى نغلق الثغرات ونحمى تلك العلاقات الصادقة من عبث أى متلاعب .
إننا إذا ما تأملنا كلمة اختراق نجدها مكونة من ست حروف وهى ا،خ،ت،ر،ا،ق .
هذه الحروف الستة تمثل المراحل التى تمر بها عملية الإختراق العاطفى ، وسوف نقوم بدراسة كل مرحلة بشكل تفصيلى فى السطور التالية .
المرحلة الأولى يمثلها حرف” ا “ويشير إلى كلمة “إهمال” :
إن الإهمال يعتبر بوابة المصائب التى ما إن تُفتح حتى تأتى المصائب تباعا ، ومتى أصاب الإهمال أى علاقة عاطفية وعشش على جدرانها ، تجد تلك العلاقة يخفت بريقها شيئا فشيئا ، لذا عليك أن تتابع علاقاتك بين الحين والأخر وفتش بين جدرانها عن أى غبار للإهمال يمكن أن يكون تراكم ، حتى علاقتك بنفسك فتش بين الحين والأخر عن مدى تقبلك لذاتك ،فتش عن مدى رضاءك عن الأمور التى ليس لك دخل بها ، فتش عن النتائج التى بذلت كل ما فى وسعك لتحقيقها ولكن أتتك نتائج أخرى لم تكن تتوقعها أو لم تكن تضعها فى حسبانك ، ومتى وجدت أى نوع من عدم التقبل فتأكد أنه ناتج عن الإهمال الذى طرأ على علاقاتك العاطفية سواء بنفسك أو بباقى صور علاقاتنا العاطفية التى ذكرتها آنفاً .
المرحلة الثانية يمثلها حرف “خ” وهو يشير إلى كلمة “خور”
ومعناه الضعف والإنكسار ، ومما لا شك فيه أنه إذا تمكن الإهمال من أى علاقة عاطفية وتربع على عرشها فإن المرحلة التى تليه هى الخور ، والذى يجعل تلك العلاقة مريضة عاجزة عن مقاومة فيروس الإختراق الذى أخترقها وأصبح يعبث بمقدراتها ويمحو منها أسباب قوتها وصلابتها ، ومن صوره أن تجد الشخص يعرف تماما أن العلاقة العاطفية بينه وبين نفسه أو بين أى طرف سواء مهنى أو اجتماعى يعلوها الضعف والإنكسار ولكنه عاجز عن فعل أى شئ تجاه تصحيح المسار ، تجد الشخص يعرف جيدا مكامن الداء ولكنه ضعيف على مواجهة نفسه فضلا عن مواجهة الطرف الأخر فى العلاقة .
المرحلة الثالثة يمثلها حرف “ت” ويشير إلى كلمة “تيه”
نعم إنه التيه وهو عدم معرفة طريق النجاة ،تماما مثل الذى ضل طريقه فى ليلة ظلماء فى الصحراء ، والتيه نتيجة طبيعية للإهمال الذى لم يعالج حتى تبعه الخور ، فهل تظن من علاقة تطرق إليها الإهمال وكساها الخور أن تصل بصاحبها إلى بر الآمان ؟ بالطبع لا .
المرحلة الرابعة يمثلها حرف “ر” ويشير إلى كلمة “رعونة”
والرعونة هى الطيش والغباء والتسرع الأهوج ، وهى نتيجة حتمية لما قبلها وهو التيه ، نعم بعد أن يتمكن التيه من علاقاتنا العاطفية ولا نستطيع أن نحدد وجهة النجاة ، تأتى مرحلة الرعونة وهى السير بنوع من الحمق والطيش والتسرع ، فتجد الشخص يتسرع فى إصدار أحكامه على أقرب المقربين له بنوع يزيد فى خسارته ويزيد من نزيف علاقاته العاطفية وذلك ليس لشئ سوى تلك الآثار المترتبة على سهم الإختراق السام الذى أصاب قلب علاقاته العاطفية حتى أفقدها المذاق وأصبحت لا تفرق بين ما ينفعها وما يضرها ، لا تفرق بين ما هو طازج وما هو عفن .
المرحلة الخامسة يمثلها حرف ” ا” ويشير إلى كلمة “إحكام”
وبعد الرعونة تأتى مرحلة إحكام السيطرة والتى يقوم فيها الشخص الذى أعد مراحل الإختراق بوضع الهدف فى مرحلة إحكام السيطرة والتى يفقد فيها الشخص الذى تم اختراقه كل صوابه أو إن شئت فقل ما يمكن أن يكون تبقى لديه من شعاع صواب ، ويصبح الشخص المُخترق عاطفيا فى هذه المرحلة لا يثق إلا فى توجيهات من قام باختراقه وينحى جانبا أى نصائح من الآخرين حتى وإن كانوا من أقرب المقربين لديه قبل إصابته بسهم الإختراق السام ، وهذه الصورة تضح فى أولئك الشباب الذين يتم استدراجهم للإدمان خاصة أنواع المخدرات التى ظهرت مؤخرا ، تجد الشاب منهم يجلس مع أقرب المقربين لديه ويسمع منهم ويتأثر ولكن جلسة واحدة مع من استدرجه للإدمان كفيلة بغسل مخه من كل النصائح التى تحمل بين طياتها عاطفة صادقة وأمنيات مخلصة ولكن هيهات هيهات .
المرحلة السادسة والأخيرة يمثلها حرف “ق” وهو يشير إلى كلمة ” قنص “
هل إندهشت ؟
لا تتعجب ، ماذا كنت تنتظر من شخص أصابه سهم الإختراق السام فى أحد حلقات علاقاته العاطفية وظهر الإهمال وأعقبه الخور ثم التيه والرعونة وتم إحكام السيطرة عليه ، هل كنت تنتظر منه أن يتغير حاله بين عشية وضحاها ؟
مما لا شك فيه أن شخص مر بكل المراحل السابقة فى أحد صور علاقاته العاطفية أن ينتهى به الحال ويصبح هدف سهل المنال وينتظر لحظة قنص ممن أعد له سيناريو الإختراق باحترافية عالية .
وفى مرحلة القنص هذه تصبح العلاقة العاطفية مرة المذاق وكأنها مسخا مصورا يجب أن يتعرض للقتل الرحيم حتى لا يظل يشوه مشاعر المحيطين به .
مما سبق يتبين لنا خطورة الإختراق العاطفى بمراحله الستة وأنتهز الفرصة لتوجيه نداء إلى كل مسئول فى مكانه “فتش عن عاطفتك فى كل علاقة فهى الإرتواء إذا ما حل الجفاف ” .
وهى البوصلة إذا ما أظلم الطريق !
التعليقات مغلقة.