جلسات فى طريق الحب 14 “الذكرى “
بقلم الدكتور – أحمد عيسى:
الذكرى من أجمل وألذ الثمار فوق أغصان شجرة الحب الصادق ، بل تعتبر من أقوى الأدلة على صدق المحب وإخلاصه ، وإن أردت أن تتذوق طعم هذه الثمرة فتدبر معى هذه الكلمات التى وضعت فيها عصارة ذهنى وخلاصة تجاربى فى الحياة ….
“الذكرى هى هبوب رياح المحبوب على حدائق قلب المحب فتجعل أغصان القلب تهتز شوقا وحنينا إلى المحبوب وتجعل طيور العقل تسبح فى سماء المحبوب فتشعر بأن المحبوب يحيط بك إحاطة تامة تجعلك لا تشم غير رائحته فى حدائق القلب ، وأينما ذهبت فأنت لا ترى غير المحبوب بعين العقل والقلب ، لأن ذكرى المحبوب تحيط بك إحاطة السماء بالأرض ” .
وأود أن أنبه إلى أنه هناك فارق كبير بين ثمرة الذكرى والثمرة التى تسبقها والتى تسمى بتعظيم الآثار ،فثمرة الذكرى تعتمد على عين العقل والقلب أى أنها تنبع من داخل المحب نفسه دون أن تعتمد على أى شئ خارجى مادى حسى ، ولكن ثمرة تعظيم الآثار تعتمد على أى أثر من آثار المحبوب ، وهذا الأثر قد يكون كلام المحبوب أو أماكن يحبها أو غير ذلك من الآثار المرتبطة به ،لذا فإن ثمرة تعظيم الآثار على شئ مادى ملموس أو محسوس من آثار المحبوب .
ولكن هل ثمرة الذكرى وحدها تكفى لتبرهن على صدق الحب وإخلاصه ؟
بالطبع لا …..
وذلك لأن الذكرى الصادقة يجب أن ينتفع بها المحب ، وإن لم ينتفع بها دلّ ذلك على فساد هذه الثمرة وعطبها .
وعلامة الإنتفاع بالذكرى هى أن يقوم المحب بفعل كل ما يحبه محبوبه وإجتنابه لكل ما يغضب المحبوب ، وتعالى معى نتدبر هذه الأية القرآنية التى يقول الله فيها “فذكر إن نفعت الذكرى ،سيذكر من يخشى ،ويتجنبها الأشقى الذى يصلى النار الكبرى ،ثم لا يموت فيها ولا يحى ” سورة الأعلى الأيات 9-13 .
والأية توضح بكل صراحة أن من يتذكر وينتفع بالذكرى فهو المؤمن المحب الذى يخشى محبوبه ويخشى غضب محبوبه ، ولكن من لم ينتفع بالذكرى فهو الشقى المنافق الكاذب فى دعوى حبه .
ولذلك فإن عقابه من الله هو أن يدخل ناراً لا يموت فيها فيرتاح ولا يحيا فيها حياة طيبة ولكنه فى حالة بين الحياة والموت وهذا من أشد أنواع العذاب وذلك لأنه يعايش سكرات الموت دائما وفى كل لحظة ، وهذا لأن أشد اللحظات على المريض هى لحظة طلوع الروح التى يكون فيها المريض فى حالة بين الحياة والموت ، ليس بالحى وليس بالميت ، وهذه الحالة التى عبر عنها القرءان وهى العقاب لمن لم ينتفع بذكرى محبوبه الذى فى السماء وهو الله سبحانه وتعالى .
وإذا كان هذا هو عقاب الله لمن لم ينتفع بذكراه فى الدنيا ، فكيف يكون عقاب المحبوب الأرضى للمحب الكاذب أو للمحب الذى لم ينتفع بذكرى محبوبه ،بالطبع لن يدخله ناراً لا يموت فيها ولا يحى ، لأن العذاب بالنار هو من صفات عذاب الله الواحد الأحد فقط ، ولا يملك أى مخلوق أن يدخل إنسان النار ويجعله فى حالة لا يموت فيها ولا يحى .
ولكن عذاب المحبوب الأرضى هو أن يخرج من حياة حبيبه إلى الأبد وبخروجه فإن الحبيب أو المحب يصاب بنوع من الزكام فى الإحساس فتجده لا يشعر بسعادة حتى وإن امتلك الدنيا كلها وإذا أردت أن يتضح لك الأمر فأعطنى قلبك وعينك لقراءة الكلمات الأتية .
إن المحبوب الأرضى هو مصدر الإحساس فى حياة المحب وبخروجه من حياة المحب ، فإن المحب يصاب بزكام فى الإحساس ، وأريدك قارئى العزيز أن تخبرنى هل يشعر المزكوم بلذة وهو يأكل أشهى الأطعمة ؟
بالطبع لا ، فهو يتساوى عنده كل شئ لأنه فقد المذاق ، إذاً فطعم أرخص الأطعمة مع وجود المذاق أفضل من مذاق أشهى الأطعمة مع وجود الزكام .
وما هى قيمة الحياة وأنت تعلم أن الله غير راضى عنك لأنك لم تجتنب ما يغضبه ، وما هى قيمة امتلاك الدنيا بعد ابتعاد أغلى شئ عندك وهو محبوبك الأرضى وذلك لأنك لم تنتفع بذكراه فلم يكن أمامه إلا خيار واحد وهو الابتعاد عنك نهائيا ببساطة لأنك لم تحبه ، ولو كنت تحبه لانتفعت بذكراه .
مما لاشك فيه أن وجود المحبوب فى حياتنا يحول الأشياء العادية إلى أشياء ثمنية ذات قيمة وأيضا على العكس خروج المحبوب من حياتنا وهجره لنا يحول الأشياء الثمينة إلى أشياء عادية القيمة .
وإذا أردت أن تتأكد مما قلته فتعالى معى نجاوب على السؤال التالى ، لو أنك تملك خاتما من ذهب وأهداك محبوبك خاتما من حديد ، أى الخاتمين يكون أثمن وأقيم عندك ؟
أكيد الخاتم الحديد الذى أعطاه لك المحبوب سيكون أقيم عندك ولكن بشرط أن يكون حبك لمحبوبك هذا حب صادق ، لأنه لو لم يكن صادق فلن تشعر بقيمة هديته تلك .
وأخيرا حتى لا أطيل عليك فى شرح هذه المسألة أتمنى أن تتذكر دائما هذه المعادلات :
ذكرى + انتفاع = حب صادق وإيمان
ذكرى – انتفاع = كذب وغش ونفاق
حياة – حب = زكام الذوق وتبلد الإحساس
التعليقات مغلقة.