مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

تيك توك والدّمار الصامت الذي يهدّد الأسرة والقيم في المجتمع المغربي

المغرب -بدر شاشا :
أصبحت ظاهرة تيك توك في المغرب اليوم أشبه بإعصار صامت يمر على الأسرة والقيم والتربية دون أن يترك وراءه حجراً واقفاً كما كان في السابق منصّة كان يُفترض أن تكون فضاءً للترفيه الخفيف للفن للمواهب أصبحت اليوم مصنعاً للتفاهة واللانضج ومختبراً لتجارب تحرق الأخلاق وتدمر الاحترام وتربك العقول خاصة عقول الشباب والمراهقين الذين وجدوا أنفسهم داخل عالم مليء بالانحلال وغياب القدوة وضياع المعنى
تيك توك لم يعد تطبيقاً عادياً بل تحول إلى أسلوب حياة عند الكثير من الشباب والمراهقين وأحياناً حتى عند بعض الأمهات وفئة من النساء والفتيات اللاتي يفضلن الظهور والاستعراض بدل الحشمة والقيم التي تربّينا عليها في هذا الوطن أصبح كل شيء مباحاً في سبيل جمع المتابعين أصبحت الرقصات داخل البيوت تُصوَّر وتُنشَر أصبح عرض الجسد تجارة يومية أصبح الكلام الفاحش مادة للترويج أصبح السب والشجار والعنف اللفظي وسيلة للشهرة أصبح الطفل يقلّد ما يرى دون وعي دون ضوابط ودون رقيب
إن أخطر ما حمله تيك توك إلى الأسرة المغربية هو ضرب أسس التربية التي كانت تُزرع داخل البيوت قديماً حين كان البيت هو مصدر الأخلاق والاحترام اليوم البيت نفسه أصبح استوديو للتصوير الأم تصور نفسها البنت ترقص الولد يقلّد محتوى منحط الأب يتفرج دون أن يستطيع السيطرة على الفوضى التي دخلت إلى البيت من شاشة صغيرة لكنها أقوى من كل جدران التربية التقليدية
القيم تراجعت والحشمة اختفت والاحترام بين أفراد الأسرة بدأ يتبخر شيئاً فشيئاً أصبحنا نرى الفتاة تنشر صوراً ولقطات لا تليق بالمجتمع المغربي المحافظ فقط لأنها تريد أن تصبح “مشهورة” أما الشاب فصار يبحث عن المال السريع من فيديوهات لا تحمل ذرة قيمة أو معنى حتى الأطفال أصبحوا يعرفون كلمات لا تليق حتى بالكبار لأن المحتوى يصلهم بلا حدود بلا حواجز بلا أخلاق
تيك توك خلق فجوة خطيرة بين الأجيال الجيل القديم لا يفهم ما يجري والجيل الجديد يعيش في عالم آخر عالم فيه الشهرة أهم من العلم وفيه الجسد أهم من المبادئ وفيه الضحك المصطنع أهم من التربية وفيه التافه نجم وذو القيمة منبوذ عالم رأسماله التفاهة وربحه انهيار القيم
المشكلة أن هذه الموجة لا تتوقف بل تتوسع أكثر وأكثر ومع كل توسع يضعف البناء الاجتماعي ويتعرض مستقبل الأسرة المغربية لخطر حقيقي لأن الأسرة التي تغيب عنها التربية تفقد الاحترام والأسرة التي يضيع فيها الاحترام تضيع معها العلاقات الإنسانية والأبناء والمستقبل كله
نحن أمام كارثة حقيقية لكنها صامتة تسير ببطء نحو هلاك المجتمع المغربي دون أن يشعر الناس بخطورتها إلا عندما يستيقظون على جيل لا يعرف معنى الحياء جيل يعتبر أن الشهرة على حساب الجسد أمر عادي جيل يعتقد أن الصراخ والسخرية والابتذال هي الطريق الطبيعي للوصول
تيك توك اليوم لم يدمّر فقط القيم بل دمّر دور المدرسة ودور الأسرة ودور المسجد ودور المجتمع المدني لأنه أصبح الأكبر تأثيراً والأسرع وصولاً حتى أصبح أخطر من أي وسيلة أخرى تدخل العقول وتعيد تشكيلها حسب مزاج “الترند” والأشخاص الذين يجمعون الملايين من المشاهدات على حساب أخلاق أطفالنا ومستقبل شبابنا
إذا استمرت الأمور بهذا الشكل فإن المجتمع المغربي متجه نحو انهيار أخلاقي غير مسبوق لأن الشعوب لا تنهار بالاقتصاد فقط بل تنهار حين تنهار قيمها وحين تفقد أخلاقها وحين يصبح الانحلال أمراً عادياً ومقبولاً بل ومطبعاً مع الجميع
الحل يبدأ من الوعي من وقفة حقيقية داخل كل بيت من ضبط الشاشات من إعادة الاعتبار للتربية من مواجهة التفاهة لا بتقليدها بل بإطفائها من وضع حدود واضحة من خلق بدائل تربوية وثقافية محترمة من أن يفهم الآباء أن المستقبل الذي ينتظر أبناءهم شكله اليوم تيك توك وليس المدرسة وإذا لم نستيقظ الآن فلن ينفع الندم لاحقاً
المجتمع المغربي يستحق أن يُحمى من هذا الخراب الصامت يستحق أن تُصان قيمه وأن تُحفظ أسرته وأن تُربى أجياله على الأخلاق لا على الرقص وعلى العلم لا على الاستعراض وعلى الاحترام لا على الابتذال
إذا ضاعت الأخلاق ضاع كل شيء وإذا تمكن تيك توك من عقول شبابنا دون رقابة فقد وضعنا أقدامنا على طريق الهلاك دون أن ننتبه لهذا المصير المظلم الذي يصنعه هذا التطبيق في صمت رهيب