تعديل بيانات

بقلم – محمد البنا:

يا مسهل الأحوال..هانت يا حاج..قدامك أربعة بس
قالها مهوناّ علي انتظاري، وقد لاحظ الإجهاد البادي على وجهي، وإتكائي حيناً على قدمٍ وحيناّ على أخرى..أردف
« أستريح يا حاج وأنا هأحفظ دورك »
رددت متهكماّ « خليني كده أفضل..مانت شايف كل شوية تحصل خناقة ع الدور..
صمتّ لبرهة ثم استطردت بعد أن جلت ببصري بين المتحلقين حول الطابور
« الناس يا ابني بقى خلقها ضيق، محدش طايق التاني…»
ناولت الموظفة ما أحمله من أوراق ومستندات، عبر فتحة ضيقة في العازل الزجاجي، تفحصتها بدقة، رفعت عينيها صوبي وقالت « العقد ده ما ينفعشي..هات عقد متصدق عليه م الشهر العقاري
أجبتها مندهشاّ
« ما ده مستخرج م الشهر العقاري !!»
ردت بعصبية
« ده عقد متوثق يا أستاذ، أنا عايزاه عقد متصدق عليه …اتفضل ».
ومن طابورٍ إلى طابورٍ آخر في مكانٍ آآخر..حططت رحلي ،لم أجد اختلافاّ البتة بين هذا وذاك، وإن اختلفت الوجوه،إلا أن المشادات واحدة…..
عدت إليها، راجعت ما قدمته لها، فاجأتني بابتسامة لم اتوقعها وقالت..تمام، فين بقى وصل الكهربا؟
أسقط في يدي، كدت أصرخ في وجهها « مانا كنت عندك من يومين،وطلبتي تصديق عقد الإيجار..ما طلبتيش كل إلي ناقص ليه مرة واحدة؟ »
قلتها ولكن بنبرةّ حزينة هادئة، إذا كان العاديون لا يعباون لكبر السن، فهل أنتظر ممن بيده سلطة ّما..بعض رحمة!!
صباح اليوم التالي أقلني ابني بسيارته إليها، وجدتها في انتظاري،فلا طابور هناك، بل لا أحد سواي،كنت أول الوافدين إليها…
« وصل النور ده عدى عليه تلات شهور، يا تجيب وصل حديث، يا تدفع غرامة»
استعادت ذاكرتي كوابيس الصباحات الماضية..متصدق عليه، وصل، حديث…استفقت على صوتها
« قلت إيه؟ّ.هتروح تشوف وصل حديث، واللا هتدفع الغرامة؟»
مددت يدي إليها بالمبلغ المحدد، أخذته وحررت ايصالاّ، أخذته ومشيت قافلاّ إلى مقبرتي .