بقلم رجاء عطوي، الشريك في بين آند كومباني الشرق الأوسط، وبير كارلسن، الشريك في بين آند كومباني لشمال أوروبا
يشهد سوق الهيدروجين النظيف ومشتقاته (كالأمونيا الخضراء والفولاذ منخفض الكربون والوقد الصناعي للطيران) نموًا سريعًا، إذ ارتفع عدد المشاريع التي تم الإعلان عنها بنسبة تتجاوز 75% منذ نهاية العام 2021. ومن بين الجهات التي تحاول الفوز بأفضلية التحرك المبكر في هذا الصدد مزوّدو المرافق والخدمات التقليدية، ومطوّرو الطاقة المتجددة، وشركات النفط والغاز، ومنتجو المواد الكيماوية، ومصنّعو المعدات الأصلية.
ولكن الجانب الاقتصادي المرتبط بإطلاق تلك المشاريع سيشكل تحديًا يستمر على مدى عشر سنوات على الأقل، وذلك نظرًا إلى ارتفاع التكاليف الرأسمالية وتباين أسعار الكربون. وستحتاج معظم مشاريع الهيدروجين النظيف إلى الدعم التنظيمي كي تتمكن من منافسة البدائل الأخرى من الناحية الاقتصادية – وهو ما يقيّد المشاريع المبكرة بمجالات متخصصة للغاية تتوفر فيها الحوافز أو وسائل الدعم الأخرى، أو يرغب فيها العملاء بدفع مبالغ أكبر لقاء منتجات صديقة للبيئة.
ومن تجربتنا، فإن مطوري الهيدروجين على معرفة بالجوانب الاقتصادية والدعم التنظيمي والحوافز الأخرى، كما يفهمون الحاجة إلى إيجاد المواقع المناسبة القريبة من الموارد والصناعات الداعمة، وأهمية العمل مع الشركاء المناسبين. وكثيرًا ما نجد بأن العنصر المفقود هو عدم الاهتمام بعامل أساسي للنجاح – وهو تحديد العملاء الراغبين بدفع مبلغ أكبر من أجل البيئة، وتأمين اتفاقيات شراء طويلة الأمد معهم.
تأمين اتفاقيات الشراء مع العملاء
ركّزت الشركات التي تطور مشاريع الهيدروجين النظيف على تطوير الجوانب الهندسية وقدراتهم لإدارة المشاريع، ولكن تأمين قاعدة من العملاء للشراء لم يكن من القدرات الجوهرية للمشروع ولهذا فإن عليها العمل بشكل مكثف في هذا الصدد. فالحصول على عملاء محتملين يلتزمون بعقود طويلة الأمد أمر بالغ الأهمية لنجاح المشروع، ولكنه أمر صعب لأن العملاء يتوقعون انخفاض أسعار المشتقات الخضراء مع الوقت، وبالتالي فإنهم لا يرغبون بالالتزام بأسعار أعلى. كما إن العديد من منتجي الهيدروجين، وبخاصة الشركات التي اعتادت على البيع إلى أسواق السلع، يفتقرون إلى خبرة المبيعات المتخصصة واللازمة لتوقيع تلك الاتفاقات.
الخطوات الثلاثة لتطوير مقاربة تركّز على العملاء
من خلال عملنا مع جهات سبّاقة في المجال، نرى أن هناك ثلاث خطوات هامة لا بد من اتباعها لتطوير مقاربة تركّز على العملاء وتعدّ عاملًا جوهريًا للنجاح في مشاريع الهيدروجين النظيف. وقد ساعد اتباع تلك المقاربة الشركات في التعرف إلى العملاء الراغبين إلى دفع مبلغ أكبر مقابل منتجاتهم والمستعدين للالتزام بعقود طويلة الأمد، ما مكّن الشركات المنتجة للهيدروجين من اتخاذ القرارات الاستثمارية الصائبة.
- التركيز على شرائح العملاء الواعدة: ينتهج العديد من مطوري الهيدروجين مقاربة واسعة في إيجاد قاعدة من العملاء المحتملين. ولكن في هذه الفترة المبكرة من عمر السوق، تقتضي الكفاءة تحديد شرائح العملاء المستعدين لدفع مبلغ إضافي نظير منتج صديق للبيئة – وهو الفرق بين الهيدروجين التقليدي والهيدروجين منخفض الكربون. ولدى تحديد تلك الشرائح، يصبح بوسع المطورين تضييق نطاق البحث لمعرفة العملاء الأكثر احتمالية للإقبال على الشراء للاستفادة من قدرات فرق المبيعات في استهدافهم. ويمكن للمطورين استطلاع آراء العملاء حول رغبتهم بدفع مبلغ إضافي، ولكن هناك قيودًا مرتبطة بذلك – فالمشترون قد لا يعرفون التغييرات التي قد تطرأ على رغبة شركتهم بالشراء بسعر أعلى، وكثيرًا ما يكون متخذو القرار بشراء سلعة كالأمونيا مثلًا من موظفي المشتريات، بينما يقع قرار دفع مبلغ أكبر من أجل البيئة على عاتق أقسام أخرى – وغالبًا في الإدارة التنفيذية.
- دراسة خيار الشراكة مع العملاء: على منتجي الهيدروجين الذين لا يصنّفون عملاء للهيدروجين -كشركات المرافق على سبيل المثال- دراسة خيار تعميق شراكاتهم مع المشترين، كالشراكات التي رأيناها في سلع أقدم مثل الامونيا الرمادية. ويساعد ذلك في تأمين الاتفاقيات طويلة الأمد، فيما يكسب المطورين فهمًا أفضل للتحديات التي تواجه أولئك العملاء لدى بيع منتج أخضر واستعادة المبلغ الإضافي الذي دفعوه. كما يمكن أن تساعد الشراكة منتجي الهيدروجين في تطوير قدراتهم التجارية بينما يعرفون المزيد عن اقتصاديات الهيدروجين وسلسلة الإمداد بالتزامن مع تطوير قدراتهم التشغيلية.
- ترسيخ عقلية العميل في مؤسستك: لتحقيق تلك الأهداف، يركّز منتجو الهيدروجين بشكل متزايد على العملاء في كافة جوانب المؤسسة. يحتاج البعض إلى بناء مهارات جديدة لأن الشركات التي تعمل في تداولات السلع كانت تحتاج إلى قدرات محدودة في مجال المبيعات، إلا ان الانتقال إلى منتجات أكثر تميزًا يفرض عليها تدريب فريق المبيعات كي يتمكن من إبراز قيمة المنتج وتفرّده، وإقامة علاقات مباشرة مع العملاء وعقد الشراكات معهم.
ويتطلب تطوير تلك القدرات للتعامل مع العملاء بعض المهارات التي يستخدمها منتجو الهيدروجين في تصميم مشاريع الهيدروجين النظيف. فالمؤسسة التي تركّز على العملاء بالفعل تتبع مقاربة منهجية وتتحدث إلى العملاء بهدف فهم السوق وفهم احتياجاتهم على المدى الطويل بشكل أفضل، لأن فهم أولويات العملاء كثيرًا ما يؤدي بالشركات إلى إعادة التفكير بكيفية تصميم منتجاتها وخدماتها وإدخالها إلى السوق.
وبالنسبة للعديد من شركات المرافق والمؤسسات الصناعية التي لم تعمل بهذا المستوى من الانخراط مع العملاء من قبل، فإن ذلك يمثل نقلة حقيقية وتغييرًا ملموسًا في ثقافة الشركة. وسيعمل إرساء ثقافة تركّز على العملاء في جميع مستويات الهيكل التنظيمي على إبراز الجوانب التي تحتاج للمهارات الجديدة.
وبالملخص، فإن سوق الهيدروجين مرشح للنمو المستقبلي دون شك، إلا أن نجاح أي مشروع للهيدروجين النظيف أمر غير مضمون. وهنا تتجلى أهمية التوجه إلى المواقع المناسبة ومصادر الطاقة المتجددة وعقد الشراكات، فيما لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة للحصول على أفضلية التحرك المبكر في ظل محدودية توافر تلك العوامل الثلاثة. كما إن تبني نهج يركّز على العملاء يعدّ عنصرًا أساسيًا يفصل بين النجاح والإخفاق.
التعليقات مغلقة.