تاريخ المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم: من التأسيس إلى الإنجازات العالمية (1956-2024)
إعداد – بدر شاشا :
يعد المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم أحد أعمدة الرياضة المغربية، ويحمل تاريخًا عريقًا مليئًا بالإنجازات والتحديات منذ تأسيسه عام 1956، بعد نيل المغرب استقلاله من الاستعمار الفرنسي. على مر العقود، مرّ المنتخب الوطني بعدة مراحل، شهد خلالها لحظات من المجد والتتويج، وكذلك أوقات من التراجع. سنستعرض في هذا التقرير جميع هذه المراحل، مع تسليط الضوء على أبرز الإنجازات، المدربين الذين قادوا المنتخب، والتحديات التي واجهها، وصولاً إلى الوقت الحالي.
المرحلة الأولى: التأسيس (1956-1970)
بعد الاستقلال في عام 1956، بدأت المغرب بتأسيس مؤسساتها الرياضية الوطنية، وكان المنتخب الوطني لكرة القدم من بين أوائل الفرق التي تم تشكيلها. أول مباراة رسمية للمنتخب المغربي كانت ضد العراق في أكتوبر 1957، حيث فاز المنتخب المغربي بنتيجة 3-2. خلال هذه الفترة، لم يكن المنتخب يشارك بانتظام في البطولات الكبرى مثل كأس إفريقيا أو كأس العالم، ولكن تم وضع الأسس لبناء فريق وطني قوي من خلال استكشاف المواهب المحلية وتطوير الرياضة على المستوى الوطني.
المرحلة الثانية: التطلع إلى الساحة الدولية (1970-1980)
شهدت السبعينيات بداية ظهور المنتخب المغربي على الساحة الدولية. في عام 1970، شارك المغرب لأول مرة في كأس العالم في المكسيك، ليصبح أول فريق عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز. رغم أن المنتخب خرج من الدور الأول، إلا أن مشاركته كانت خطوة كبيرة في تعزيز سمعة الكرة المغربية. في عام 1976، حقق المغرب إنجازًا آخر بفوزه بكأس إفريقيا للأمم في إثيوبيا، وكان ذلك أول لقب إفريقي للمنتخب المغربي، مما عزز مكانته كأحد أبرز الفرق في القارة.
المرحلة الثالثة: الصعود إلى المجد (1980-1998)
في الثمانينيات، استمر المنتخب المغربي في تقديم أداء قوي على الساحة القارية والدولية. وفي عام 1986، عاد المنتخب إلى كأس العالم في المكسيك، وتمكن من التأهل إلى دور الـ16، ليصبح أول فريق إفريقي يصل إلى هذا الدور. كان هذا الإنجاز محط فخر كبير للجماهير المغربية والإفريقية.
في التسعينيات، شهد المنتخب فترة من التذبذب، حيث تأهل إلى كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة لكنه خرج من الدور الأول. إلا أن الفريق حقق نتائج جيدة في كأس إفريقيا، وكان دائمًا منافسًا قويًا على الساحة القارية. في عام 1998، تأهل المنتخب مرة أخرى إلى كأس العالم في فرنسا، لكنه لم يتمكن من تجاوز دور المجموعات.
المرحلة الرابعة: التحديات والتراجع (1998-2010)
بعد المشاركة في كأس العالم 1998، دخل المنتخب المغربي في فترة من التراجع والتذبذب. فشل الفريق في التأهل لكأس العالم 2002 و2006، ورغم التأهل إلى نهائي كأس إفريقيا للأمم 2004 في تونس، حيث خسر أمام المنتخب التونسي، إلا أن هذه الفترة شهدت تراجعًا في مستوى المنتخب على الساحة العالمية.
على مستوى البطولات القارية، كان المنتخب يعاني من عدم الاستقرار في التشكيلة الفنية، حيث مر الفريق بعدة مدربين خلال فترة قصيرة، مما أثر على أداء الفريق.
المرحلة الخامسة: إعادة البناء والنهوض (2010-2018)
مع مطلع العقد الثاني من الألفية، بدأت بوادر إعادة البناء في صفوف المنتخب المغربي. تم التعاقد مع مدربين ذوي خبرة عالمية، وتم التركيز على تطوير المواهب الشابة والمشاركة في بطولات قارية ودولية مهمة. في عام 2018، تمكن المنتخب المغربي من التأهل إلى كأس العالم في روسيا بعد غياب دام 20 عامًا عن البطولة، وهو ما اعتُبر إنجازًا كبيرًا. رغم أن الفريق خرج من دور المجموعات، إلا أن الأداء كان جيدًا، وأظهر المنتخب روحًا قتالية عالية.
المرحلة السادسة: الحقبة الذهبية والعودة القوية (2018-2024)
بعد مشاركة مشرفة في كأس العالم 2018، واصل المنتخب المغربي تحت قيادة المدرب الفرنسي هيرفي رونار مشواره في الساحة القارية. في كأس إفريقيا 2019، حقق المنتخب نتائج جيدة لكنه خرج من البطولة في دور الـ16.
في 2020، تم تعيين المدرب الوطني وليد الركراكي لقيادة المنتخب، وحقق المنتخب تحت قيادته طفرة ملحوظة في الأداء. تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2022 في قطر، حيث حقق إنجازًا تاريخيًا بوصوله إلى نصف النهائي، ليصبح أول منتخب إفريقي وعربي يحقق هذا الإنجاز. الأداء البطولي للمنتخب في تلك البطولة جعل المغرب مصدر إلهام للعديد من المنتخبات الإفريقية والعربية.
على مدار تاريخه الممتد لأكثر من ستة عقود، مر المنتخب الوطني المغربي بمراحل متعددة من الإنجازات والتحديات. من الفوز بكأس إفريقيا 1976 إلى التأهل لعدة بطولات كأس العالم، وصولاً إلى الإنجاز التاريخي في كأس العالم 2022. هذا التاريخ يعكس الروح القتالية والإصرار التي يتمتع بها الفريق المغربي، ويجعل مستقبله واعدًا في ظل التركيز على تطوير المواهب والاستثمار في البنية التحتية للرياضة في المغرب.
التعليقات مغلقة.