مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

“بيت السيدة” لنهى الرميسي رواية المجتمع المصري في ستة عقود من فؤاد الأول إلى مبارك 

تحليل -د.صبرى زمزم:

بيت السيدة هو عنوان الرواية للوهلة الأولى يوحى بأن صاحب البيت يمتلك أكثر من بيت أحدها في السيدة زینب، ، وهو ما يتأكد من خلال الرواية وتتصاعد الأحداث من البداية إلى النهاية بالتوازي مع ما كان عليه بيت سالم الذي بحى السيدة فى مقابل البيت الذي فى الخطابية بالبحيرة، وتستمر الأحداث داخل الأسرة و وداخل مصر كلها صعودا وهبوطا بالتوازى معى ما آل إليه بيت السيدة فى نهاية المطاف.

والرواية اجتماعية سياسية فهى رصدت جانبا من المجتمع المصرى بمفرداته وشخصياته وأحداثه فى الفترة من الثلاثينيات إلى التسعينيات من القرن العشرين، أى على مدار ستين عاما تقريبا من خلال عائلتن ارستقراطيتين وترصد الرواية الأحداث السياسية بدءا من معركة الدستور، حيث دستور ٢٣ و إقرار دستور ٣٠ بدلا منه وأثره على استقلال مصر، و سقوط شهداء بين المتظاهرين الرافضين له ، تم موت الملك فؤاد ليحل محله الملك فاروق الذي تشير الرواية إلى اهتمامه بالفقراء، وحب المصريين له، ثم حريق القاهرة الذي أعقبته ثورة يوليو بتأثيرها الكبير على الأحداث، حيث صودرت الأراضى من أيدى ملاكها الأغنياء، بما يؤثر على الأحداث خصوصا بطل الرواية سالم عمدة الخطابية الذى اقتُطع جزء كبير من أرضه، ثم تمر الأحداث بمعركة العدوان الثلاثى، ثم جلاء اسرائيل من سيناء المشروط بإقامة ميناء ايلات والسماح لها بالمرور من خليج العقبة ثم تندلع حرب ١٩٦٧ نتيجة إبداء التراجع عن هذه التنازلات، بإغلاق ممر تيران وصنافير، وأبرزت الرواية الدعاية التي سبقت الحرب و أثناءها والاستهانة بالعدو واعتبار الحرب مجرد نزهة، وأن الجيش على مشارف تل أبيب ليفاجأوا بالنكسة وخطاب التنحى، وتتعرض إلى مظاهرات التمسك بعبد الناصر رئيسا للجمهورية، وتقفز إلى عام ١٩٧١ حيث ثورة التصحيح ثم إلى حرب أكتوبر إلى ١٩٧٣ ثم إلى الانفتاح، ثم حكومة عاطف صدقى فى التسعينيات.

كانت لوحة جورج ديلاتور لقطة البدايةوالنهاية، حيث كانت أول مشهد في الرواية حين صورت الروائية نهى الرميسي وشرحت تفاصيل اللوحة بما فيها من شخصيات وألوان وأزياء فجعلتنا نعيش فيها ظنا منا أنهم أبطال الرواية، ثم تخرجنا منها وتفاجئنا أنها كانت تصف لوحة فنية لجورج دیلاتور يهديها عبد الحميد بك إلى سالم فيعلقها فى بيت السيدة، وعندما تضبط نادية زوجها فتحى سالم يخونها مع الخادمة تتوقف أمام اللوحة لتلفت نظرها، ثم تصر على الطلاق، وتتزوج من أحد رجال الثورة الذي يستغلها في تهریب تحف قصور محمد على وأسرته لتكتسب خبرة في هذا المجال، وعندما يسجن زوجها تطلب الطلاق، وتعود إلى فتحى ، ولكن الإفلاس كان يهددهما، فوجدت في اللوحة فرصة للحصول على ثروة كبيرة، حيث إنها لوحة أصلية لرسام فرنسي قديم مشهور، و سافرا لبيع اللوحة في فرنسا، وعندما يعطيها الخبراء مهلة لتحضير المبلغ المطلوب، يسافر فتحى إلى القاهرة لرعاية الأولاد وفجأة تسقط نادية من شرفة البناية ليقيد الحادث انتحارا، وتنتهى القصة، لتترك القارئ وتفسيراته لهذا الموت المفاجئ الذي هو أشبه بموت فنانات ورجال سياسة مصريين، ليتساءل من ألقى بها من الشرفة ولماذا؟

 وبهذا ظلت اللوحة مهيمنة على الرواية من بدايتها حتى المشهد الأخير، وكان هذا اتساقا مع مبدأ أدبى وهو أنه لا ينبغى أن يذكر المؤلف شيئا في الرواية أو القصة دون أن يكون له دور في الأحداث، وهذا ما طبقته نهى الرميسى وبحرفية فى هذه الرواية.

قد يهمك ايضاً:

انطلاق التحضيرات لمهرجان أكاديمية الفنون للعرائس

المطرب أمين سلطان: فنان كل اللهجات يطرح “أجمل…

 والخط الاجتماعي في الرواية كان واضحا، خصوصا إبراز خطورة تدليل فتحى، باعتباره الولد الوحيد على أربع بنات، وأثر ذلك على حياته الماجنة المستهترة وفشله فى الدراسة وإدمانه المخدرات الذى جعله لقمة سائغة للكومى الخادم الذي سيطر عليه مقابل توفير الكيف له وزوجه من ابنته التي جعلته يوقع على تنازل عن بيت السيدة، فهدمه الكومى وأنشأ مكانه برجا سكنيا لم يكن نصيب فتحى منه سوى شقة واحدة، فضلا عن بيعه أرض أبيه التى ورثها لينفق على ملذاته فبسبب التدليل فقدت الأسرة كل شيء.

 والرواية بصفة عامة ممتعة مشوقة اعتمدت على السارد العليم من بدايتها لنهايتها، بلغة عربية فصحى منضبطة سواء فى السرد أو الحوار الذي خدم الأحداث ولم يعطلها .

 

المكان : تنقلت الأحداث بين حى السيدة زينب وما حوله حيث حى عابدين وشارع المبتديان و شارع محمد محمود وشارع الخليج المصرى المعروف الأن ياسم شارع بورسعيد وليس شارع الجيش كما ورد بالرواية، وانتقلت احداثها إلى قرية الخطابية بالبحيرة حيث بطل الرواية سالم هو عمدتها وكبيرها ثم تنتهى فى باريس.

حقا إنها رواية تجمع بين السياسة والرومانسية والواقعية المريرة، وكيف كانت مصر وكيف أصبحت.