بني الإنسان
بقلم – توفيق الحسن…سوريا
كان أحمد شّارد الذهن
وكأنه يحاول اغفاء ذهنه
ليستعيد شريط ذاكرته مع أمه
طريحة الفراش تتلمس وجهه بيديها. وهي تلفظ أنفاسها الوداعية
وكأنها تسحبُ لفافة تبغ
وهي تتنفسُ أبنها وما أرتوت..
وقد كبر أحمد سنّة بعد فطامه.
والآن هو في الثانية عشر من العمر
وقد أصبح شاباً يافعا يعيل أخته لينّا الصغيرة التي ولدت يوم وفاة أمها
وما زال يذكر ذلك اليوم العظيم يوم راحة امه الأبدية من الحياة الكفرية
وهو الأن يعيش باسطبل مهجور اصلحه والدهما لهم به بقايا رث اسفنج مع ثياب ممزقة وبعض معالق مع صحون
وقد أختبر الحياة بكل عذاباتها
وعلى أحد أطراف أعمدة المسجد الخارجية
كان يمضي الساعات يراقب المارة مستنداً برجلهِ إلى الحائط سانداً يده إلى ذقنه…
إنه إختبار من قبل الله لناجميعاً
بل لي ولأختي لينّا فقط …
كان في أوقات فراغه
التي هي جل يومه يجوب الحقول
بدون هدفاً عابثاً.
وقد وجد عشاً في الأرض
بين الأعشاب مخفيٌ لنا بائن للقبرة .. ظاهره كومة قشٌ. وآغصانٌ وشوك ٍ وباطنه قطنٌ بل حرير
يمنح الدفئ لبيوضه.
مخاطباً نفسه متمنيا
ً لو أن بيتنا يدفئنا أنا وأختي وأبي
لقد ارتاحت امي بموتها من عذابات حياة البؤساء والقهر والذلّ والتّمتع وهتّك أنوثتها في منازل الأغنياء ّ
لماذا تزوج أبي…
آه لقد تذكرت أبي
الميّت وما زال حيي
لم أره منذ مدةٌ طويلة وكأنه يتجاهل رؤيتنا
خوفاً من أن نطلب منه شيئاً
نطلب منه ومن يكن
وهو لا يكاد يملك مايعيل به امرأته الجديدة
وابنتيها وكنت أشفق عليه كثيراً
وإذ زاد يوماً ماتحسن به علينا اسيادنا الأغنياء الذين يحبهم الله جماْ ويكرمهم من اسمه الكريم
ويدللهم وهو المعطي وهو الجواد
وكنت أخجل من نفسي وغيرتي
وأنا أرى اطفالهم من سني وهم يشترون البسكويت المغطس بالشوكولا
والبنادق البلاستيكية ويشتمون بعضهم البعض ويسّبون الخالق واهاليهم يفخرون بهم
ولكنني أنسى عندما يركلون الكرة بعيداً ويأمرونني ككلب
الصيد باحضارها لهم
كانت سعادتي لا توصف لأنني لمست الكرة التي يركلها الأغنياء بأرجلهم
أي شّرف نلته لمست مكان أقدام من احبتهم امهاتهم وتحمموا بالشامبوا وتعطروا بالبارفان ولبسوا النعال
وتدفئوا شتاء وتدثروا بأنعم واجود الحرامات
وأنا اليتيم الفقير مطرود من الرحمة
وتواسيني بالنصح والنثر لا…
لا أريد كلاماً سفصطائياً أرني فعلك أن كنت قادراً أو صادقاً
أو صدّقتك صدّقتك لأستر حيائك وضعفك
أنشّد أنشّد حبرٌ على ورق
أو أحد من
أغنياء النفس فقيري المال
أذهب به إلى زوجة أبي لتطعم اخوتي
وأقول لها بعث أبي هذه لكم
فكانت أما ترميه بالحاوية
أو تسبب لأبي المشاكل بعد عودته لأنه ما زال على صلة˝ بنا
وكان يرى بنظراتي أنا وأختي تفهما كبيراً له ولعجزهِ
وكنت ولينّا نرنو إليه
بالشفقة والحيرة
كم كنت أكره نظرات الإستعلاء والشفقة من الأثرياء وصاحبي المال
عندما يتفاخرون أو يجاهرون بمساعدتنا
وتواضعهم السّادي
وهم يتظاهرون البساطة باتساع الفارق بيننا ويخلعون انعالهم وهم يدخلون
اسطبل سكننا
بكل براءة وطيبة ثم يغتسلون يغتسلون من قرفنا ويحمدون الله حبيبهم لأنه لم يخلقهم مثلنا
بحثت بحثت ولم أجد جوابا
ً أريد معرفة الإختبار لنا ولم أجد
سّكينةً لم أعرفها آهي الإختبار أم شيء آخر كانت عند مكوثي
للعـش طويلاً طويلا
والقبرة تنوح بصوتها عالياً وهي تطير من مكان إلى مكان تراقبنا لا تستطيع الأقتراب أو الأبتعاد عننا
وأنا أومئ لها أصبري أصبري فلذاتُ أكبادك بأمان… فا الدفئ إنعكاسُ أنعكاس أنفاسٍ فأنا آمدهم بالحنان
وقد أصبحنا أنا وأختي نخلد إلى ذلك العشّ والقبرة تبتعد عن عشها قليلاً وكأنها تقول لاتطيلو المكوث
قسماً إنها تنطق بجوارحها وكأنها إختبرتنا أنا وأختي حتى أصبحت تبقى ماكثتاً بالعش ونضع أيدينا فوقها وهي مطمئنة لنا وتقول حتى أقسم بالحجر نعم
إنكم من بني الحيوان مثلنا
وإن كانت صورتكم الظاهرة
من بني الإنسان
التعليقات مغلقة.