كتبت : حياة الحفيان ، تونس
تعلمت في حياتي أن لا أدافع عن شخص معين أو عن دين معين وأن أفتح قلبي لجميع البشر دونما إستثناء وأن اصاحب المسلم والمسيحي واليهودي وحتى اللاديني على حد سواء وتعلمت ان أدافع عن الإنسان كإنسان وليس كأبيض او اسود أو كذكر او انثى، وحاولت دائما ان أبعث برسالة إنسانية مفادها المساواة في المعاملة دونما تمييز وذلك إيمانا مني بأننا جميعا خلقنا سواسية أمام الطبيعة ولكل منا الحق في حياة واحدة و رحيل واحد فأدركت بذلك انه لا سبيل للتكبر أو التفاخر أو التمييز وكل هذه الثلاث آفات انانوية سرعان ما تحولت إلى أمراض مجتمعية يصعب الشفاء منها خاصة بعد أن يتم تبنيها كقواعد حياتية حينها لا تبعث إلا على انهيار الحضارة وانهيار المجتمع، ودليل ذلك أن جميع المجتمعات التي تأسست على التمييز والعنصرية سرعان ما أوشكت على الانهيار لتعيد ترميم نفسها وفق معيار أولي وهو المساواة فما بالك إذا أن تبنى عائلة على التمييز وهذا ما يغزو عائلاتنا العربية منذ القدم، حيث تجد الأم أو الأب أو كليهما يفضلان احد أبنائهم عن البقية فهذه العائلة تميز الطفل عن الطفلة وليس الذكر كالأنثى، فالذكر هو رجل البيت وكيف للبيت ان يستقيم دون رجل؟! إنهم لا يفرقون بينهم في مستوى الجنس فحسب بل يفرقون بينهم كذلك في المعاملة فالذكر حر يفعل ما يشاء ويرتدي ما يشاء ويذهب حيثما يشاء لانه ذكر أما هذه فهي امرأة وشاءت عائلاتنا أن تقيد المرأة وتحرر الرجل، وهذه اللحمة الصغيرة لك يا صغيرة اما اللحمة الكبيرة فهي من نصيب أخيك وعن تجربتي الخاصة وجدت نفسي أختا لأربع بنات وأخ وحيد وهو اخر العنقود فأمي انجبتنا خمس بنات وحينما أنجبت ذكرا اتخذت قرارها هي و والدي بعدم الإنجاب مرة أخرى وإني لعلى يقين بأن مجيئنا كان مشيئة إلهية تخطت رغبة والدي في إنجاب رجل فكما يقال في مجتمعاتنا العربية “الراجل يجيب راجل”” ومن لا يمنحه الله ذكرا يعيب زوجته فيذهب ليتزوج عليها داخل المجتمعات الإسلامية أو أن يطلقها داخل المجتمعات العلمانية ويظل في سباق ضد الوقت وضد العمر الذي لا ينتظر حتى تأته إحداهن بذكر وكم يؤسفني حال هؤلاء الرجال الذين يبحثون دونما كلل أو ملل عن ذكر يحمل أسماءهم دون أن تشاء مشيئة الإله في تحقيق ذاك الهدف، في الحقيقة أشفق عليهم كثيرا لأنهم يعتقدون أن الرجولة تكمن في إنجاب الرجال وهذا يعني حسب فهمهم البسيط أن الذين لم ينجبوا ذكورا ليسوا برجال، شيء مقرف للغاية كما انه مضحك، وذلك وجه من وجوه التخلف والذي أصنفه بالخطير جدا، ولا يقف التخلف عند التمييز في المعاملة بين الذكر والأنثى بل يتجاوزها وصولا إلى التمييز في المستوى الديني فتجد اهل الكتاب يختلفون مع بعضهم البعض فالمسلم يرى نفسه انه الوحيد الذي سوف يدخل الجنة وكذلك الحال بالنسبة للمسيحي واليهودي وكأن كل واحد فيهم قد تحصل على تفويض الهي يجعله يقرر من فيهم سيظفر بالجنة ومن فيهم سيدخل النار، أما اللاديني يرى أن الإله متعال عما فيه يختلفون وتبقى حقيقة الجنة والنار بالنسبة له أمرا نسبيا قابلا لليقين كما انه قابل للشك، فهذا علي يكذب مينا ومينا يكذب جاكوب وكلاهم في صراع غير متناه ليبدأ الإقصاء في بسط دواليبه وصولا إلى بث الفتنة والخراب.
وبذلك نقف وجها لوجه مع أنفسنا و واقعنا لنقر بأن التمييز في المعاملة بين الذكر والأنثى وبين الديني(مسلم،مسيحي،يهودي…) واللاديني هو ليس مجرد خطأ اجتماعي بقدر ماهو إجرام مجتمعي تتحمل مسؤوليته العائلة والمجتمع على حد سواء باعتبار كتابة “مسلم” أو “مسيحي” أو “يهودي” على البطاقة الشخصية للمواطنين هو في حد ذاته دعوة صريحة للتمييز والإقصاء وخاصة دعوة للتفرقة بين مواطني البلد الواحد وبالتالي فإن بناء عائلة متينة داخل مجتمع متين يحتاج إلى إعادة ترميم فورية للعقل البشري ترنو نحو المساواة في المعاملة دونما فصل أو تمييز.