للمرة الثانية في أقل من عام .. وفي تحذير شديد اللهجة ردا على زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة.. أجرت الصين مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في محيط تايوان، على مدار 3 أيام وقامت خلالها بمحاكاة “تطويقاً كاملاً” لشبه الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تدعي بكين أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها.
المناورات الصينية أثارت ردود فعل منددة من تايوان والولايات المتحدة.
ومنذ انفصال الصين، وتايوان في نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، أصبح المضيق الذي يفصل بينهما نقطة توتر جيوسياسية.. ويكمن جوهر الصراع بين الصين وتايوان في حقيقة أن بكين ترى تايوان مقاطعة منشقة سيعاد ضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف، فيما يختلف الكثير من التايوانيين مع وجهة نظر بكين، إذ أنهم يرون أن لديهم أمة منفصلة، سواء تم إعلان استقلالها رسميا أم لا.
– السيف المشترك
مناورات الصين التي أطلق عليها اسم “السيف المشترك”، جاءت في اطار استعراض واضح لقوة الصين العسكرية، حيث قامت عشرات الطائرات العسكرية الصينية بالتحليق فوق الخط الأوسط لمضيق تايوان، كما أجرت طائرات مقاتلة وسفن البحرية الصينية تدريبات “محاكاة شملت شن ضربات دقيقة مشتركة” ضد أهداف رئيسية في جزيرة تايوان التي يقطنها 23 مليون نسمة وتطالب بكين بالسيادة عليها.
وقالت بكين إنها حشدت مدمرات وقاذفات صواريخ سريعة ومقاتلات وأجهزة تشويش في المناورات.
كما شاركت حاملة الطائرات الصينية “شاندوغ” في المناورات.
وزارة الدفاع التايوانية رصدت 11 سفينة حربية و70 طائرة صينية حول الجزيرة، وذكرت الوزارة أنّه من بين الطائرات التي رصدها “نظام الاستخبارات والاستطلاع” التابع لها طائرات مقاتلة وقاذفات قنابل.
الصين ترى أن إظهار قوتها العسكرية يعد بالأمر الضروري من أجل ردع الولايات المتحدة وتايوان عن الانخراط في مزيد من التعاون رفيع المستوى في المستقبل.
المتحدث باسم الجيش الصيني شي يي قال إن المناورات “تحذير جدي إزاء التواطؤ بين القوى الانفصالية الساعية إلى استقلال تايوان والقوى الخارجية وأنشطتها الاستفزازية أيضا”.
التدريبات جاءت ردا على اجتماع بين رئيسة تايوان تساي إنغ وين ورئيس مجلس النواب الأمريكي كيفين مكارثي بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
والتقى الطرفان في ولاية كاليفورنيا، بعد أسبوع من تكريم الرئيسة تساي في نيويورك بجائزة القيادة.
وأشادت تساي “بشراكتهما القوية والفريدة من نوعها”، وقال مكارثي إن مبيعات الأسلحة إلى تايوان يجب أن تستمر.
– تايوان تندد بالمناورات
رئيسة تايوان تساي إنغ وين نددت بـ”التوسع الاستبدادي” للصين مؤكدة أن تايوان “ستواصل العمل مع الولايات المتحدة والدول الأخرى لدعم قيم الحرية والديمقراطية”.
كما أثارت المناورات قلق السكان في تايوان والذين يريدون أن يعيشون في سلام واستقرار.
– أمريكا تدعو لضبط النفس
من جهتها، دعت الولايات المتحدة بكين إلى “ضبط النفس”، كما جدّدت وزارة الخارجية الأمريكية دعوتها إلى “عدم تغيير الوضع القائم”، في حين قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها “تتابع التطورات عن كثب”.
– توغل أمريكي
سعت الولايات المتحدة التي طلبت من بكين “ضبط النفس”، إلى عرض قوة أيضا، فقد نفذت المدمرة الأمريكية “ميليوس” عملية تندرج في إطار “حرية الملاحة” في منطقة من بحر الصين الجنوبي تطالب بها بكين.
وقد نددت الصين على الفور بهذا “التوغل”.. وأكد تيان جونلي الناطق باسم القيادة الجنوبية في الجيش الصيني في بيان إن “المدمرة قاذفة الصواريخ ميليوس توغلت بشكل غير قانوني في المياه المحاذية لشعاب ميجي في جزر نانشا الصينية من دون موافقة الحكومة الصينية” مضيفا أن سلاح الطيران الصيني “تابع السفينة وراقبها”.
– الصين تحذر من استقلال تايوان
وحذرت الصين من أن استقلال تايوان يتعارض والسلام في مضيق تايوان، وقال وانغ وينبين الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية ان “استقلال تايوان والسلام في مضيق تايوان نقيضان” مضيفا “إذا أردنا حماية السلام والاستقرار في مضيق تايوان علينا أن نعارض بحزم أي شكل من أشكال الانفصال المؤدي إلى استقلال تايوان”.
– مناورات الصين ..كلاكيت ثاني مرة
مناورات الصين تعد الثانية من نوعها خلال أقل من عام.. حيث كان آخر انتشار كبير حول الجزيرة حصل في أغسطس الماضي مع مناورات عسكرية صينية غير مسبوقة حول تايوان أطلقت خلالها صواريخ ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي حينها الديمقراطية نانسي بيلوسي للجزيرة.
لكن المراقبون أكدوا أن هذه التدريبات الحالية كانت مدتها أقصر من سابقتها التي جرت في أغسطس الماضي.
– تقارب أمريكي مع تايوان
تايوان تمثل أكبر نقطة خلاف بين الولايات المتحدة والصين، وتنظر الصين باستياء إلى التقارب الذي حدث في السنوات الأخيرة بين السلطات التايوانية والولايات المتحدة، والذي يوفر للجزيرة دعما عسكريا كبيرا رغم عدم وجود علاقات رسمية بين الطرفين.
– العلاقات المضطربة بين الصين وتايوان
طالما كانت جزيرة تايوان خاضغة للسيطرة الكاملة للصين، وخصوصًا منذ بداية القرن الـ17 قبل أن تضطر الصين في عام 1895 للتنازل عن الجزيرة لليابان بعدما هزمتها في الحرب الصينية اليابانية الأولى.
استردت الصين سيادتها على الجزيرة عقب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945.
لكن الحرب الأهلية التي نشبت في الصين جراء الصراع السياسيي بين الحكومية القومية بقيادة تشيانغ كاي شيك والحزب الشيوعي الذي يتزعمه ماو تسي تونغ، أدت إلى عدم الاستقرار فبعدما انتصر الشيوعيون على الحزب الحاكم في عام 1949 وسيطروا على بكين فر الرئيس المخلوع تشيانغ كاي شيك ومن بقي معه من الحزب القومي- المعروف باسم الكومينتانغ- إلى تايوان، ليجعلوا منها مقرًا لحكومتهم حيث حكموا لعدة عقود تالية.
– أهم المحطات منذ الانفصال بين الصين وتايوان
بعد شهرين من الانفصال .. جرت محاولة أولى للجيش الشعبي الصيني للسيطرة على جزيرتي كيموي وماتسو الصغيرتين اللتين تعودان إلى تايوان.
من جهة أخرى.. قامت أمريكا بنشر اسطول بمضيق تايوان.. في 1950 حيث أصبحت تايوان حليفة لواشنطن في الحرب ضد الصين في شبه الجزيرة الكورية.
وفي تطور للأزمة بين الصين وتايوان في 1971.. تم منح مقعد الصين في الأمم المتحدة الذي كانت تشغله تايوان لبكين.. الأمر الذي صاحبه اعتراف أمريكي.. ففي مارس 1979 أقامت واشنطن علاقات دبلوماسية مع بكين.. ومنذ ذلك الحين تلتزم الولايات المتحدة على غرار المجتمع الدولي برمته بسياسة الصين الواحدة معترفة ببكين وحدها كحكومة شرعية، لكن ذلك لم يمنعها من إقامة علاقات وثيقة اقتصادية وعسكرية مع تايبيه.
وتحسنت العلاقات بين البلدين في الفترة من 1987 الى 2004، حيث سُمح للتايوانيين بالتوجه الى الصين القارية ما أدى إلى لم شمل عائلات، ما فتح الطريق للمبادلات التجارية.. كما ألغت تايوان في 1991، من جانب واحد كل الإجراءات التي تفرضها حالة الحرب مع الصين.
لكن في يونيو 1995، علقت بكين مفاوضات لتطبيع العلاقات احتجاجا على زيارة الرئيس لي تنغ هوي إلى الولايات المتحدة.. إلا أنه في يونيو 2008، استأنفت بكين وتايبيه حوارهما الذي علق في 1995 بعد فوز مرشح كومينتانغ ما يينغ جيو بناء على برنامج يقضي بالتقارب مع الصين في الانتخابات الرئاسية.
في 2005 اعتمدت بكين قانونا يسمح باللجوء إلى القوة في حال أعلنت تايوان استقلالها.
في نفس الوقت.. وقعت الصين وتايوان سلسلة اتفاقات اقتصادية لتنظيم رحلات جوية ولتشجيع السياحة.
وفي فبراير 2014 أطلقت بكين وتايبيه حوارا بين الحكومتين للمرة الأولى منذ انفصالهما عام 1949.
ولكن بحلول عام 2016.. انتهى شهر العسل بين البلدين .. فقد فازت تساي إينغ وين من الحزب الديموقراطي التقدمي المؤيد تقليديًا للاستقلال، في الانتخابات الرئاسية في تايوان .. لتوقف الصين الاتصالات مع تايوان بعد امتناع الحكومة الجديدة عن الاعتراف بسياسة “الصين الواحدة”.
أمريكا من جانبها، أنهت عقودا من الدبلوماسية حيث قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالتحدث مباشرة مع تساي عبر الهاتف.
وفي 2021 ، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا هاجمتها الصين، في تصريحات تراجع البيت البيض عن جزء منها.
وفي عام 2022 وفي أعلى زيارة لمسؤول أمريكي للجزيرة منذ 25 عاما، أثارت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي غضب الصين لترد الصين الغاضبة بأكبر مناورات عسكرية على الإطلاق في المنطقة حيث طوقت تايوان في الرابع من أغسطس الماضي وأجرت مناورات حربية استمرت حوالى أسبوع.
وللمرة الثانية .. في 2023: تساي تلتقي مكارثي .. لتقوم الصين بإجراء مناوراتها احتجاجا على الزيارة.
التعليقات مغلقة.