بعد المشاركة الناجحة ” كضيف شرف ” في معرض القاهرة للكتاب: فصل استثنائي في كتاب العلاقات المصرية العمانية
بقلم :أيمن سمير
خبير العلاقات الدولية
جاءت مشاركة سلطنة عمان كضيف شرف في النسخة 56 من معرض القاهرة للكتاب لتؤكد ” المكان والمكانة ” التي تحظى بها سلطنة عمان قيادة وشعباً في عقل وقلب كل مصري ومصرية ، وكانت الفاعليات المختلفة التي شهدها معرض القارة للكتاب شاهداً على عمق وقوة ومتانة العلاقات المصرية العمانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، فكل من شارك وزار المعرض هذا العام تلامس بصدق من ” الكيمياء الخاصة ” التي تجمع الشعبين المصري والعماني ، وهذا ما كشفه الحضور المصري الرسمي والشعبي غير المسبوق لكل نشاط من الأنشطة العمانية ، وهو الأمر الذي دفع البعض للقول أن سلطنة عمان لم تكن فقط ضيف الشرف في معرض القاهرة ، بل مصر هي التي كانت في ” ضيافة سلطنة عمان ” في كل فاعلية من فاعليات الأجنحة العمانية في معرض القاهرة للكتاب ، وهو ما يقول أن العلاقات المصرية العمانية تسير على الطريق الصحيح بفعل الرعاية الكاملة من جلالة السلطان هيثم بن طارق ” حفظه الله ورعاه ، وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي
الناظر بعمق لما جرى في أيام وليالي معرض القاهرة للكتاب بأنشطته المختلفة ، والحضور العماني غير المسبوق يتأكد له أننا أمام ” حقبة جديدة” و” نهضة شاملة ” تشمل كل أنشطة الحياة في سلطنة عمان كشفتها المشاركة الفاعلة والنوعية لكافة الأنشطة في معرض القاهرة ،فالثقافة دائما هي مرآة الشعوب ، والمدقق في الحضور الثقافي لسلطنة عمان هذا العام سوف يكتشف بسهولة أننا أمام نقلة نوعية وحضارية يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق في سلطنة عمان ، وأن الثقافة بكل أبعادها هي إحدى تجليات هذه النقلة النوعية والحضارية
ولعل مشاركة شخصيات عمانية لها حضورها الرسمي والشعبي في معرض القاهرة للكتاب هذا العام أضفى “منطوراً ” آخر يؤكد على امتداد التميّز الذي تحظى به العلاقات بين البلدين الشقيقين ، فقد تلألأت بالفعل أضواء الثقافة العمانية في سماء المحروسة على مدار كل أيام المعرض ، الأمر الذي يؤكد القيمة المضافة الكبيرة للحضارتين العمانية والمصرية في التاريخ الإنساني ، ففي كل ندوة ولقاء وتوقيع كتاب لمسنا كيف تساهم الثقافة العمانية في تعزيز وتدعيم شعلة الثقافة العربية والإسلامية، فقط كانت فاعليات وأنشطة معرض القاهرة هذا العام بمثابة الفرصة الذهبية للاحتفاء بالتراث العماني الغني ، وبثقافة بلاد كانت دوما من” الفاعلين الكبار ” في التاريخ الإنساني ، فهذه البلاد التي تعانقها البحار وتكللها الجبال، لم تكن سلطنة عمان يوماً مجرد مساحة على خريطة الجغرافيا، بل ظلت وتعمل حتى يومنا هذا كمنارة للعلم والحضارة ، فهي مركز لحركة التجارة العالمية، وموطناً لأعرق الموانئ التي شكلت همزة وصل بين الشرق والغرب، لذلك شكل حضورها الثقافي في معرض القاهرة للكتاب تجسيداً لعمق العلاقات التاريخية والثقافية مع مصر عبر العصور، وتعزيزاً لآفاق الحوار الثقافي العربي خصوصاً مع تصدر جناح سلطنة عمان سنويا في معرض القاهرة الدولي للكتاب لقائمة المشاركات الدولية من حيث الأهمية والإقبال الكبير من زوار المعرض ، وكذلك الزيارات الرسمية التي يحظى بها الجناح العماني من المفكرين والأدباء والمثقفين المصريين ، ومن هنا جاء اختيار سلطنة عمان كضيف شرف هذا العام ، الأمر الذي يعد تكريسا لأهمية موروثها الثقافي الثري الممتد عبر السنوات، والذي يتناغم مع تطلعاتها الحديثة نحو التقدم والنهضة وهو ما تكشفه بوضوح رؤية عمان 2040 ، لذلك يمكن القول أن اختيار سلطنة عمان كضيف شرف بمثابة دعوة مفتوحة للغوص في عمق التاريخ العماني ، واستكشاف هويتها متعددة الأبعاد ،وكل ما زار الجناح العماني في معرض القاهرة للكتاب هذا العام بات لدية الجديد عن الثقافة العمانية بجوانبها الحضارية المشرقة ، وتلامس عن قرب مع الإنتاج الفكري العماني الغزير والمتميز خاصة في جوانبه التراثية والأدبية والتاريخية ، وربما هذا يفسر الإقبال غير العادي الذي شهده الجناح العماني من الزوار المصريين بمختلف الفئات العمرية والشرائح الثقافية والفكرية، إضافة إلى الزيارات غير المسبقة من جانب الشخصيات الرسمية والتعليمية والأكاديمية المصرية فقد زار المعرض هذا العام أكثر من مليون زائر، وشاركت ٢٢ مؤسسة عمانية ( حكومية – مجتمع مدني – دور نشر ومكتبات )، وتلامس الجمهور مع أكثر من ٥٠٠٠ عنوان في شتى مجالات المعرفه، وشملت فعاليات البرنامج الثقافي ٢٢ فعالية شملت ندوات وأمسيات وجلسات حوارية – فنون موسيقية
الواضح أن هذا النجاح المبهر والحضور المرموق في جناح سلطنة عمان في معرض الكتاب هذا العام كان ورائه جهد كبير تجلى في مشاركة 22 مؤسسة عمانية، من بينها وزارات حكومية مثل وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ووزارة الإعلام، ووزارة التراث والسياحة، وجامعة السلطان قابوس، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني مثل الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وبيت الزبير، والنادي الثقافي، ومؤسسة ذاكرة عمان، ولهذا تعد مشاركة سلطنة عمان هذا العام في معرض القاهرة للكتاب هي الأكبر في تاريخ المشاركات العمانية ، وهو ما يعكس الاهتمام بإيصال الإصدارات العمانية ومختلف جوانب الثقافة العمانية إلى القارئ المصري والعربي في مختلف المجالات بعد أن وجد القارئ المصري والعربي في الجناح العماني ركنا خاصا يتعلق بنوادر المطبوعات والمخطوطات العمانية التي تعود إلى ما يقارب 900 عام، وهي توثق مجالات علمية مختلفة مثل التاريخ، واللغة، والفقه، والأدب كما أن عدداً من هذه المخطوطات مسجل في سجل ذاكرة العالم نظرا لأهميته العلمية، خاصة تلك المتعلقة بالطب والملاحة البحرية واللغويات، وربما ما فاجأ جمهور المعرض هذا العام مجموعة المطبوعات الحجرية العمانية التي تم طبعها في مصر قبل أكثر من 135 عاما، وهو دليل إضافي على عمق الروابط الثقافية بين البلدين
ونحن نتحدث عن هذا النجاح الاستثنائي لسلطنة عمان في معرض القاهرة للكتاب لا يمكن أن ننسى التصميم الرائع لجناح سلطنة عمان خاصة أن تصميمه كان من الحارات العمانية التقليدية، التي تحيط بها الأسوار والأبواب، فضلا عن تنسيق كل ركن بشكل يعبر عن جزء من الثقافة العمانية، هذا التجسيد البصري غير التقليدي أضفي على الجناح طابعا تراثيا مميزا، وساهم في جذب الزائرين إلى رحلة عبر الزمن لاستكشاف العمق التاريخي للحضارة العمانية ، فالجناح لم يكن مجرد ساحة عرض للكتب والوثائق العمانية، بل كان نافذة أطلت منها عمان بكل إرثها الثقافي والحضاري، والروح العمانية الأصيلة على كل من زار المعرض خصوصاً ما شهده الجناح العماني من محاكاة للطبيعة ،و إعداد الحلوى العمانية أمام الجمهور، مما سمح لرواد المعرض بالتعرف على طريقة صناعتها ومكوناتها وتذوقها وهي طازجة، ناهيك عن نجاح الجناح العماني في إبراز وتقديم العادات العمانية في أجمل صورها مثل تقديم القهوة العمانية، وسط أجواء تراثية تعكس الكرم العماني الأصيل ،والركن الخاص بالواقع الافتراضي، الذي منح الزوار فرصة استكشاف الفنون العمانية المسجلة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، مثل فن البرعة، ولبس الخنجر العماني، إلى جانب استعراض الفضاءات الثقافية العمانية كالمجالس التقليدية، و محاكاة الشخصيات، حيث ارتدى فنانون عمانيون أزياء تحاكي العصر الذي عاشه أولئك العلماء، بينهم مؤسس علم العروض الفراهيدي، والجغرافي أحمد بن ماجد، والطبيب عبدالله بن محمد الازدي، خصوصاً عندما تجولت تلك الشخصيات بين جنبات المعرض على مدار اليوم لتعريف الزوار بتاريخ تلك الشخصيات التي التف حولها رواد المعرض للتعرف عليها ، وهي تجربة أشاد بها الجميع وتعبر عن ” روح الابتكار ” التي يتمتع بها الشعب العماني ، وهو ما منح الزوار فرصة فريدة للتفاعل مع التاريخ بطريقة حية ومباشرة
لكن ربما ما لفت نظر الكثيرين من الرواد الذين لم يزوروا عمان من قبل ، وليس لديهم معرفة كافية بمسارات التنمية العمانية هو الحضور الفاعل والنشط والمميز للمرأة العمانية في فعاليات المعرض وحواراته وأمسياته وندواته و إبراز الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع العماني، وقد عكس هذا الحضور المميز توازن المجتمع العماني بين المحافظة على تقاليده وانفتاحه الحضاري ووعيه بأهمية دور المرأة، وهو ما شاهدناه في مشاركة المرأة العمانية في ندوات “ضيف الشرف” عبر حضور كاتبات عمانيات لهن باع كبير في الثقافة العربية
برنامج ثقافي عُماني حافل
ونحن نحتفى بهذا النجاح وما يعبر عنه من عمق في العلاقات المصرية العمانية بمختلف جوانبها وقطاعاتها لا بد من التأكيد على الدور الكبير لكل ما ساهم وعمل وسهر الليالي من أجل هذا النجاح خاصة الحضور والافتتاح الرائع الذي قام به معالي د احمد فؤاد هنو وزير الثقافة المصري ، وبحضور معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الاعلام رئيس الوفد العماني ، وسعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة، وسعادة السفير عبدالله بن ناصر الرحبي سفير سلطنة عمان لدى جمهورية مصر العربية ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية ونخبة من الشخصيات الرسمية والثقافية من البلدين الشقيقية
المؤكد أننا أمام فصل جديد من كتاب العلاقات المصرية العمانية التي كانت وستظل على الدوام نموذج في العلاقات العربية العربية