باسل عاطف يكتب/ طفح الكيل من القطاع الخاص
“إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه”.. من أكثر الأمثال الشعبية وأشهرها لدى المصريين، ولكنه بالطبع يعبر عن مرارة الوضع الحالي ولقمة العيش المغموسة بالذل بالعمل في القطاع الخاص الذي يستنزف ويمص دم الشباب وحتى كبار السن الذين جار عليهم الزمن أو أولئك الذين بلغوا سن المعاش ولكن لديهم القدرة للعمل، وما شجع أصحاب العمل على هذا التمادي في الظلم هو عدم وجود قوانين رادعة لهم.
“الشباب”.. هم كلمة السر لنجاح أي أمة، فالإهتمام بهم وتأمين مستقبلهم وتوفير وظيفة مناسبة لشهاداتهم الجامعية أمر لا يحتمل النقاش، خاصة وأن هناك تمييز واضح، فتجد أن خريجي الكليات العسكرية مؤمن عليهم لا يبحثون عن وظيفة بعد التخرج وهذا حقهم بل وأقل نظرا لما يقدمونه من تضحيات كي نعيش في أمان، ولكن أيضا هذا ليس مبررا لتهميش خريجي الكليات الاخرى الذين يعانون من مرارة البحث عن وظيفة مستقرة فيقعون فريسة بين هذا وذاك.
السؤال الذي يطرح نفسه الاَن.. ما فائدة الجامعات المصرية لطالما يتخرج الطالب منها بشهادة لا تسمن ولا تغني من جوع لا قيمة لها مستقبلا دون أن يكون لديه واسطة، فكما يعلم الجميع أنه لا تعيين في المؤسسات القومية ولكن هناك حالات استثنائية لأبناء الكبار وحدث ولا حرج!.
شهادات عليا معلقة على حائط المنزل ينظر إليها بحسرة من حين لاخر، يعمل “كول سنتر” في شركة دعايا وإعلان صباحا هذا بجانب عمله كبائع في “سوبر ماركت” مساءا؛ لتوفير احتياجاته اليومية دون الاعتماد على ذويه.. هذا هو الواقع المؤلم لأغلب شباب الجيل الحالي، فلا عيبا في العمل ولكن العيب في المنظومة التي تهدر حق أصحاب الشهادات.
ظلم الشباب وصل إلى حد لا يمكن السكوت عليه وباتت الهموم عليهم أثقل من الجبال، فكافة العاملين في القطاع الخاص مهما بلغت رواتبهم لا يطمئن قلوبهم ويظلوا يعملوا وايديهم مرتعشة خشية من الفصل التعسفي أو غلق مؤسستهم؛ بسبب تراكم الديون عليها أو الخسارة المادية التي تلحق بها، وهذا هو الواقع دون تزييف.
أما على الجانب الآخر فقد روي لي رجلا كبيرا أنه دفع مبلغ وقدره كي يتم تعيين ابنه في وظيفة حكومية وبالفعل تم تعيينه، ولكن كانت الصدمة!، فمرتب نجله لا يتعدى الألف جنيه شهريا بحيث إن قام بإدخاره بقيه العمر فلن يستطيع إجماع المبلغ المدفوع في هذه الوظيفة.. الخلاصة أيضا أن الوظائف الحكومية ستجعلك فقير لكن مستور تجد ثمن رغيف الخبز ولكن سيكون محلك سر مجرد موظف حكومي .
الحل يكمن في عدة خطوات أولها يقع على كاهل الدولة في توفير وظيفة ثابتة للخريجين إما أن تغلق الجامعات التي تهدر 4 سنوات من حياة الشاب، والحل الثاني ضرورة وجود قوانين رادعة تطبق على صاحب العمل الخاص لحفظ حقوق العامل كالمطبقة على المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى ضرورة وجود ودائع بنكية في كافة المؤسسات الخاصة تصرف على العمال في حال غلق تلك المؤسسة.
وإن تحدثت عن مهنة صاحبة الجلالة التي اعمل بها فسأقول أن الوضع ليس سيئ فقط وإنما بلغ قمم السو، فالرواتب متدنية للغاية والأمر غير مبشر في القطاع الخاص والعاملين مهددين بالطرد في اي لحظة، نظرا لعدم وجود رقابة، وهذا الوضع غاية في الخطورة بالنسبة للدولة والمجتمع، نظرا لحساسية هذه المهنة ومدى تأثيرها، فالكلمة تستطيع أن تغيير من وضع دولة بأكملها.
ما لفت نظري وآثار غضبي أن هناك عدد من المسئولين خرجوا علينا وطالبوا الشباب وخريجي الجامعات بالعمل في أي مهنة، نظرا لعدم وجود تعيين في المؤسسات الحكومية، دون وضع قوانين تحفظ حقهم من الفصل أو الظلم أو غلق مكان عملهم، لذا أطالب هؤلاء المسئولين أن يوفروا وظائف مناسبة لشهادات هؤلاء الشباب ويكون مؤمن عليهم لمساواتهم مع أبناء الكبار إما أن يلتزموا الصمت.
تشريد الأسر أمر ليس بالهين.. فمن يسمع صرخات الشباب يا حكومة!.