مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

انور ابو الخير يكتب : مسرح الوعود الزائفة

 

ظننا أننا سنودع المسرح الكوميديا المطروح علي الساحة للمشهد السياسي للانتخابات البرلمانية المقبلة المحدد لها في شهر نوفمبر 2025 ولكن يبدو أن المواطنين واهمين حيث وجد الناخب نفسه حائرا
أمام الوعود العرقوبية المتشابهة التي يقدمها المرشحون خلال الحملة الانتخابية بغية استمالة الناخبين للوصول إلى كرسي المجالس والتمتع بلقب حضرة ” سعادة العضو” وما فيه من مظاهر الرفعة والنفوذ
ويطل علينا المرشحين محملين بأطنان من الوعود والكلام المعسول الذي يكاد يصيب الناخب بالتخمة الكلامية وذلك في ظل اللوائح الانتخابية إلا ما نذر تفتقد للواقعية والموضوعية وأن غالبية هؤلاء الذين يقدمون الوعود الزائفة سيتنكرون لمنتخبيهم بعد أن يحطوا رجالهم في مقر المجلس وهذا يمثل أبشع استغلال يمكن أن يخرج من أقبية تلك الكيانات السياسية
لأن من يخدع المواطن بوعود لا يمكن تحقيقها ويخون الأمانة والثقة التي يمنحها المواطن إياه فمن اليسير عليه بعد الفوز من إخلاف وعوده والغرق في مستنقع الفساد الإداري والمالي
ويرى العديد من الملاحظين السياسيين أنه في ظل حملة انتخابية يشوبها الفتور لم يجد المرشحون للانتخابات الفردية أو الجماعيه بدا من إطلاق الوعود بما في ذلك تلك التي يستحيل تحقيقها وهي وعود لم تكن تخطر على بال أغلبية الناخبين كما أن لا أحد من المترشحين أعطى التفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك مما يعزز شكوكهم في قدرة هؤلاء على تجسيدها في أرض الواقع إدراكا منهم لمحدودية إمكانيات الجماعات والجهات وتردي الأوضاع في شتى المجالات
وحسب المتتبعين لسير الحملة الانتخابية فإن البرامج المتنافسة تتشابه في الكثير من المحاور بكل المدن و القرى حتى أن أحد المواطنين شبهها ب ” الفنيد” الذي كان يوزع على المرضى في كل مستشفيات الأحياء لعلاج كل الأمراض فما يصلح كبرنامج انتخابي لمدينة مثل زفتي هو نفسه الذي يصلح لمدينة القاهرة وهكذا
ويشير أغلب الملاحظين إلى أن هذا التشابه وضع الناخب أمام صعوبة التمييز بين برامج الأحزاب التي تختلف في توجهاتها السياسية شعارات رنانة يطرحها المرشحون معظمها كذب وخداع ويحتاجون معجزة إلهية من أجل تحقيقها وعود تتراوح بين الوهم وبين المفترض حدوثه وتصور تلك الوعود المتلفزة والميدانية كل شبر من بلدنا كأنه ” الجنة المهملة” التي تنتظر فوز صاحبها بالانتخابات كي ينطلق في مهمة تغييرهاوهي وعود وصفت ب ” غير الواقعية” و “المضحكة” إلى درجة أصبحت مسألة تنذر في كثير من الأحيان

قد يهمك ايضاً:

        أمي .. إلى لقاء

نانسى محسن تكتب : ــ  ضابط قنا رمز النزاهة والشجاعة في…

فمن المرشحين من سيشفي الأعرج والأبرص والأعمى ومنهم من سيضرب بعصاه البحر ليشق طريقا لحشود المعطلين عن العمل ومنهم من وعد ناخبيه بتحويل الأحياء إلى حدائق غناء حيث الخضرة وزقزقة العصافير ومنهم من وعد ببناء الجسور والأنفاق ومحطات المعالجة ومنهم من وعد بتوفير أرقى خدمات النقل والنظافة بالمدن و القرى ومنهم من وعد بما يفوق صلاحيات وإمكانيات المجتمع والجهات الحكومية

إنه نوع من العبث يكاد يرقى إلى “الكوميديا السوداء” فترى المرشحين يبتسمون في وجه كل الناس ومن يقابلونه ويأخذونه بالأحضان والبوس كأنه صديق حميم لم يراه من زمن بعيد في مسلسل انتخابي برنامجه سيئ الإخراج عبارة عن صفحات صماء وكم هائل من الوعود والأرقام التي من الصعب أن يستوعبها المواطن تستخدم كطعم لناخب يؤرقه تغيير واقعه المعيش
كل ذلك يحدث في إطار عملية خداع للناخب بالعزف على أوجاعه وجعله ضحية للوعود الكاذبة إذ غالبا ما يفشل المرشح الذي يصبح مستشارا أو حتى رئيسا فيما بعد بالوفاء بوعوده
وكثير من الأحزاب لا تجد فرصة لتحقيق بعض الوعود لأن الناخبين لا يمنحونها ثقتهم وحتى الأحزاب التي تفوز في الانتخابات قد تنسى ما وعدته للناخبين قبل إجراء الانتخابات ويلاحظ أن كثيرا من السياسيين قد لا يكون لديهم فكرة واضحة عن كيفية تنفيذ مثل هذه الوعود على أرض الواقع وتكون النتيجة وعود انتخابية بغرض الفوز بالمقعد وبدون نية حقيقية في تنفيذ تلك الوعود ولم يصل العلم حتى الآن إلى طريقة تكشف الكذاب من الصادق
ومن النادر أن تجد سياسي يقول الحقيقة وهو أمر يعرفه الناخبون “المنتفعون” ممن اعتادوا أن يحصلوا على بعض “مطالبهم” مباشرة أثناء الحملات الانتخابية لعلمهم بأنهم لن يروا المرشح مرة أخرى إلا في الانتخابات التالية خاصة أن هناك شبه إجماع على أن المال يلعب دورا في الانتخابات وليس هناك طريقة لكشف هذه الأمور التي تتم بتراضي الأطراف ويصعب إثباتها
ونفس الأمر فيما يخص الكشف الطبي لا يوجد حتى الآن كشف عن الكذب السياسي ولو حدث وتم عرض المترشحين على جهاز كشف الكذب ربما لن يكون هناك إمكانية لترشح الغالبية الساحقة منهم
ومع تكرار الوعود الكاذبة من أحزاب متعددة وساسة من كل الاتجاهات يبدأ الناخبون في فقدان الثقة في العملية السياسية برمتها و يتضح ذلك جليا في تدني مستويات المشاركة في الانتخابات وتدني معدل ثقة المواطنين في الساسة والعملية السياسية واندلاع الاحتجاجات الشعبية الواسعة
إن غالبية الأحزاب السياسية أغرقت المواطن في “سوق الأحلام الانتخابي” غير أن المواطن لم يجن من تلك الوعود سوى نقيضها فالبرامج الانتخابية السابقة ونواب المجلس الحالي كم منها تحقق على أرض الواقع؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى عدم الوفاء بها؟ الإجابة عن هاته الأسئلة تسهم في جعل عملية الإدلاء بالأصوات وإعطاء الثقة للأحزاب السياسية التي ستتولى استلام السلطة بعد الانتخابات عملية ناضجة وواعية
وإذا أردت أن تقيس مدى جدية المسؤولين في تنفيذ وعودهم فاقسم عدد وعودهم المنفذة على تلك التي لم تنفذ لتظهر لك نسبة جدية الوفاء بالوعود وتبعا لذلك فإن ما تعهدت به الشخصيات المرشحة والأحزاب بالأمس واليوم على سبيل المثال لا الحصر بإنشاء عشرات السدود الكبرى ومئات السدود الصغرى ومئات المحطات لمعالجة المياه العادمة وعشرات المحطات لتحلية مياه البحر لم تكن سوى وعود زائفة جرى اختبارها أمام بالوعات الأحياء والشوارع
ورغم أن المواطنين يرددون مقولة ” وعد الحر دين عليه”، فإنه لا يبدو أننا اعتدنا سماع وزير أو نائب أو مستشار أو رئيس مدينة أو وحدة قد تقدم باستقالته لأنه لم يف بمطلب شعبي يستحق أن يدفع ثمن تأخره في إنجازه
وهذا ما يفسر تسرعنا في إشهار الوعود عند كل مناسبة انتخابية قبل التيقن من مدى مقدرتنا على الوفاء بها وهذا ما يذكرنا بقول الفرنسيين ” عطاء من دون وعد خير من وعد من دون وفاء” ومن هذا المنطلق فإنني أحترم المسؤول الذي يعلن اعتذاره على الملأ فور ما يكتشف عدم استطاعته الوفاء بوعوده

والتاريخ الحديث في بلدنا لم يزخر بمسؤولين تقدموا باستقالتهم لأنهم لم يتمكنوا من الوفاء بوعودهم
كما حث رسول صلى الله عليه وسلم بقوله ” خير الناس من نفع الناس” فالذي يبذل جهده لخدمة الوطن والمواطنين هو من يستحق أن يدلي الناخبون بأصواتهم له وعليهم الحكم على من أخلف وعوده الانتخابية بالفساد وعدم المصداقية وعدم التصويت لصالحه
فالمستقبل سيكون للنزيه ذي الخبرة والمهنية العالية الذي يستطيع الوفاء بوعوده وخدمة الشعب بهمة عالية وإخلاص فمراجعة الأداء ومحاسبة المقصرين والعزم على تنفيذ الوعود الانتخابية التي لم يفلحوا في الإيفاء بها للمواطن في الحملات الانتخابية السابقة بغض النظر عن الأسباب يجب أن تأخذ مكانها من مساحة تفكير الناخبين