مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

انور ابو الخير يكتب: ما اسرع العمر

66

 

قد يهمك ايضاً:

عاش الوطن ومات الشباب بنار تحرق طموح الشباب غيمة تحجب نورالأمل في قلوبهم ذلك المرض الخبيث الذي توغل في أغلب البلدان العربية ليهدم الأحلام والرغبة الملحة في توفير لقمة العيش من منا لا يذكر ذلك السؤال الروتيني الذي سمعناه مرات ومرات عديدة عندما كنا أطفالا ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ فنبتسم ببراءة ونطلق العنان لمخيلتنا الفتية ثم نجيب بسذاجة كل حسب حلمه الصغير مهندس. محامي. أستاذ طبيب. ها قد كبرنا وصرنا نحتاج طبيبا ليسكن وجعنا ويرمم ما تبقى من طيف ذلك الحلم شاخت سنين العمر ولا زال ذلك الطفل بداخلنا يبكي ما خاب من آمال وعادة ما يحب الأطفال اللعب بالبالونات حيث يشعر الطفل بنشوة وفخر عند رؤية بالونه الملون ينتفخ رويدا رويدا فيواصل النفخ بعزم وجهد يعتبر عظيما أمام أنفاسه الصغيرة لكن إذا ما انفجر البالون في وجهه وتحول إلى أشلاء يشعر بخيبة ومرارة تعصر قلبه حد البكاء ويتحول معه أمله ومراده إلى أشلاء أيضا
تختلف الأسباب المسببة في البطالة وتتعدد نتائجها وتتفاقم مخاطرها يوما بعد يوم وكمواطنين وأفراد نشاهد الحكومات مكتوفة الأيدي ليس بوسعنا سوى السؤال إلى أين وإلى متى؟
هذا هو حال أغلب الشباب العربي اليوم أطفال البارحة بعدما نضج فيهم الحلم ونما في خبايا أفئدتهم بعدما ترعرعوا في وطن عربي جريح ينزف منذ سنوات بصمت كبروا دون أن يدركوا أن الوطن والحلم شيء واحد فإذا نزف الوطن استنزفت معه الأحلام وإذا دمر الوطن غدت أحلامنا حطاما وسرنا جميعا نحو الهلاك فقد علمونا ألا ننفخ البالون كثيرا كي لا ينفجر ولم يعلمونا ألا نحلم كثيرا لم يخبرونا أن عمق أحلامنا ستصبح يوما عمق جراحنا
نحن الشباب علمونا أن نموت نموت ويحيا الوطن ها قد عاش الوطن متألما وصرنا نحن فيه أمواتا أحياء علمونا أن من جدّ وجد ومن زرع حصد فاجتهدنا وجاهدنا ودرسنا بكد وجد وصبر وتفان لسنوات مرت علينا أطول من الدهر على أمل أن نحصد ما زرعناه من علم طيلة مسيرتنا الدراسية لكننا اكتشفنا بعد فوات الأوان أننا أمضينا سنوات نزرع أرضا قاحلة وأدركنا أن الشهائد العلمية في وطننا الحبيب ليست سوى مسكنات لشباب يائس ثائر شباب منهك تعب حتى من الأحلام فرماها جميعا باستثناء حلم واحد يأبى أن يرمى حلم يعتبر مجرد شيء بسيط وبديهي وحق من الحقوق في بقية البلدان ألا وهو الحصول على شغل هذا المطلب الذي أصبح مستحيلا بالنسبة لغالبية الشباب باستثناء بعض اللذين تمكنوا من الهجرة منهم والبعض الآخر من أصحاب النفوذ اللذين يحصلون على عمل ببساطة حتى لو كانوا ذوي مستوى علمي متدني أو كما نسميهم بلهجتنا المصرية المعبرة أصحاب الكتافات أي بالواسطة أما البقية فلهم الله وليس عليهم سوى السعي المتواصل علهم يتمكون من خلق الأمل من رحم المستحيل وتحويل مرارة وحموضة الليمون إلى شراب حلو أو الاستسلام والتحسر على الشهائد وسنوات الكد والتعب أو محاولة البحث عن شغل مهما كانت الأسباب التي تقف وراء ظاهرة البطالة فجميعها تتكاتف لتؤدي إلى نتائج أقل ما يقال عنها أنها ذات خطورة على الفرد بانتشار الفساد والجرائم في المجتمع كالسرقة والنهب باعتبار أن البطالة ترتبط بحرمان الفرد من الدخل مما يصعب عليه مواجهة غلاء الأسعار والخوض في صعاب الحياة نتيجة العجز في تلبية حاجياته الإنسانية الضرورية وكذلك الهجرة غير الشرعية التي تمثل كارثة في حد ذاتها حيث يرمي فريق من شباب يائس بنفسه في قوارب الموت كي يواجه رحلة بحرية موحشة نتيجتها إما غرق أو نجاة ومواجهة مصير مجهول في بلد غير مرحب بهم ماتوا ضحايا البطالة تاركين وراءهم أطفالا يتامى وزوجات متحسرات وأمهات مقهورات وكذلك تأخر سن الزواج نظرا لعدم تمكن الشباب العاطلين عن العمل من تأسيس عائلة وبناء عش وبالتالي ارتفاع نسبة العنوسة في البلاد وانتشار العلاقات غير الشرعية والزواج العرفي ولجوء بعض الشباب لاستعمال المخدرات والخمور والعديد من المسكنات الزائفة التي تزيد الطين بلة ظنا منهم أنها قادرة على تخفيف آلامهم وشعور الشباب بالنقمة على الحكومة وعلى المسؤولين وأحيانا على وطنه بحجة أنه لم يقدم له شيئا فيندثر عنده الشعور بالانتماء شيئا فشيئا وينقص عنده الإحساس بالوطنية
تختلف الأسباب المسببة في البطالة وتتعدد نتائجها وتتفاقم مخاطرها يوما بعد يوم وكمواطنين وأفراد نشاهد الحكومات مكتوفة الأيدي ليس بوسعنا سوى السؤال إلى أين وإلى متى؟

التعليقات مغلقة.