مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

انور ابو الخير يكتب : ليله بكت فيها القلوب

 

قد يهمك ايضاً:

غزة صمود شعب في وجه الإبادة. بقلم / آمنة الدبش صحفية…

في مثل هذا اليوم رحل أبي ورحل معه الأمان وفي ليله من الليالي الحزينة وفي ركن غرفتي مسكت قلمي لاخط همومي واحزاني علي كثرة من يموتون في كل لحظه فاذا بقلمي يسقط مني ويهرب عني فسعيت له لأسترده فاذا به يهرب عني وعن اصابع يدي الراجفه فتعجبت وسألته الا يا قلمي المسكين اتهرب مني ام من قدري الحزين فاجابني بصوت يعلوه الحزن والاسى سيدي تعبت من كتابة معاناتك ومعانقة هموم الاخرين ابتسمت وقلت له يا قلمي الحزين انترك جراحنا واحزاننا دون البوح بها قال اذهب وبوح بما في اعماق قلبك لي
فلك اناس اعز لك من الروح بدلا من تعذيب نفسك وتعذيب من ليس له قلب ولا روح سألته واذا كانت هذه الجراح بسبب انسان اعز من الروح فلمن ابوح فتجهم قلمي حيرة واسقط بوجهه علي ورقتي البيضاء فأخذته وتملكته وهو صامتا فاعتقدت انه قد رضخ لي وسيساعدني في كتابة خاطرتي فاذ بالحبر يخرج من قلمي متدفقا فتعجبت ونظرت اليه قائلأ ماذا تعني قال سيدي هل لأنني بلا قلب ولا روح اتريدني ان اخط احزان قلبك ولا ابكي فؤادك المجروح لا يكاد الجرح فينا يوشك أن يلتئم فإذا بالجروح تتوالى نازفة واحداً بعد الآخر وكلما جفت دمعة حزن إذا بأخريات تهل على وجنتي كل منا ومع كل مأساة وحالة وفاة انكسار تمر بنا علينا أن ننتظر المزيد منها ودون أن تكون لدينا القدرة في السيطرة عليها فانفجار هذا السيل العرم من دموعنا وهذا البكاء الذي لا يتوقف ولا يفارقنا هو قدرنا في هذه الحياة
فنحن نبكي اليوم وبحرارة بوفاة “” أبي “” ليكون لنا موعد غداً يتجدد مع بكاء آخر بل مع أكثر من بكاء على من سوف يتوالى فقدهم من أخيار الناس الأعزاء ممن كانوا رموزا في حياتنا وروادا بيننا وطلائع يشار إليها بالبنان كلما جاء ذكرهم وأسماء كلما ذكرت توالى الحديث عنهم والتميز الذي كانوا عليه في مسيرتهم الحياتية بما لا أعتقد أن أحدا تخفى عليه نعـيش في هذه الدنيا ونعلم جيداً أننا راحلون يوماً إلى طريق لا عـودة منه لذلك للحياة دمعـتان دمعة لقاء ودمعة وداع وبينهما دمعة لقاء بعـد فـراق وتعلمت من الحياة بأن أيامها ولياليها قـصيرة وتمضي أسرع من عـقارب الساعة وتمضي ولا تعود فكلنا على سفر أين الذين كانوا قبلنا؟
وأين الذين كانوا معنا؟
أين الذين كنا نجالسهم نحادثهم نحاورهم نضاحكهم ألم يرحلوا جميعا عنا بعيدا ألم يكونوا إلى جوارنا ومعنا وبيننا وحولنا وقد صدق الله القائل
«كل نفس ذائقة الموت»
كلنا على سفر ولن يبقى أحد مخلدا في هذه الدنياالفانية كلنا يوما سنفارق ونرحل سواء طالت بأحدنا الرحلة في الحياة أم قصرت سنرحل كما رحل من كان قبلنا مع شروق شمس أومع قدوم ساعات ليل بهيم سنرحل لا محالة
فانظر كيف نحن نفرح بمرور الأيام والسنوات ونحن نقطعها غير أنها من أعمارنا التي تتصرم
لكن يبقى السؤال ما الذي أعددناه لما بعد يوم الرحيل ما الذي جهزناه من زاد ومتاع لنا ليوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ما الذي حضرناه من إجابات أعددناها كي نجيب على أسئلة الامتحان العسير الكبير عن العمر الذي قضينا سنواته فيما قضيناه وعن الشباب الذي أعقبه ضعف فيما أفنيناه يوم كان أحدنا بكامل قواه ونشاطه وعافيته وصحته وعن العلم الذي تعلمناه هل استفدنا منه وأفدنا منه في كل ما قرأناه وكتبناه وحررناه من مقالات وكتابات وتغريدات وأخيرا ماذا عن المال الذي كسبناه كيف اكتسبناه وفيما أنفقناه وهل أجدنا أعمالنا وأخلصنا فيها وأتقناها كي تتبارك لنا لقمة الرزق التي نضعها في أفواهنا والمال الذي يدخل إلى حساباتنا تلك الأسئلة تحتاج إلى إجابات مقنعة تحتاج إلى إعادة كشف حساب يومي بل وتلاحظه سريعا قبل يوم الحساب وتقف وقفة صادقة مع النفس قبل أن تغرغر الروح وتذهب إلى بارئها فكلنا على سفر فتلك سنة الحياة ونحن أبناء دين وسطي عظيم لاغلوفيه ولاتطرف لم يقل لك الدين لا تفرح أو لا تسعد أو لا تبحث عن ملذات البهجة الحلال بل بل قال لك
«ولا تنس نصيبك من الدنيا» فلربك عليك حق ولنفسك ولأهلك ولمن حولك كلها لها حق لكن هذا النصيب من الحقوق المشروعة مشروطة بقوله تعالى «ولا تبغ الفسادفي الأرض إن الله لايحب المفسدين فنحن في هذه الدنيا الدنية ضيوف عليها وراحلون نعيشها ونحن في كل لحظة مع مواعيد من الفرح ومواعيد مع الأحزان والترح ومواعيد مع لحظات تسر ومواعيد مع ساعات من أقدار الله قد تسلب ابتساماتنا وتستدر دموعنا من مآقيها فنسكبها رغم محاولاتنا أن نخفيها مواعيد مع نجاحات وعثرات لكن دوما بطبع المؤمن بربه نحاول العيش لأن أمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر
لهذا فنحن نتقرب إلى الله بشكر نعمه كي تدوم ونحيا بالأمل كي نعيش بسعادة ونحتزم بالصبر كي نؤجر على ما يصيبنا لهذا لا نجزع من موعد قادم لا محالة مع الموت لأنه نهايتنا الحتمية شئنا أم أبينا لكن كل ما يشغلنا ما بعد الموت فنحن نريد أن نعمل لما بعده كي نكسب رضا الله وجنته
لذا قـررت أن أسامح وأتجاهل من يخطئ بحقي وأبني جسور المحبة أكثر من أن أهدم بها عـلها يوماً تكون طريقا للفرح