عندما ينطق الرويبضة ويتطاول الأقزام ويتخذ الناس رؤوسا جهالا يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون فإنهم يسببون للأمة والدِّين بالمحن والكوارث ويوهنون عرى الدين في المجتمع ويفسدون على الأمة عقيدتها فيظهر الفساد وتتزعزع الثوابت وتشاع الفاحشة وتنتشر الرذيلة وتضيع الأمانة وتسفك الدماء وتستباح الأعراض وتثار النعرات الجاهلية التي جاء الإسلام ليهدمها
قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)
ربما لم يتوحد أسيادنا الذين في قصور السلطة العربية أطال الله أعمارهم ونصرهم على من يعاديهم سوى في أمرين
الأول ترك أهلنا في غزة يذبحون والذين بقوا أحياء منهم يشردون ويجوعون إذ إن الظاهر لنا نحن الرعية ىأن نفراً من تيجان رؤوسنا من شرق الأمة إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها يتلذذون بما يحدث وكأنهم يشاهدون فيلم سينمائي يقوم فيه مثلهم الأعلى نتنياهو رمز القوة والسيطرة بقتل وإبادة كل من يقول “لا”؛ فهم ينظرون إلى “حماس” وفصائل المقاومة على أنها فصائل معارضة لحكومة شرعية مقرها تل أبيب ويرون أن وجود فصائل مقاومة في المنطقة يشكل خطراً عليهم أنفسهم ويتخوفون من أن تمتد عدوى التمرد على حكومة نتنياهو الشرعية المنتخبة من قِبل هذه الفصائل إلى الشعوب العربية فتتمرد على حكوماتها الشرعية غير المنتخبة وإن الزمان الذي نعيش فيه هو الزمان الذي انقلبت فيه الموازين والأوضاع وهو الزمان الذي نطق فيه الرويبضة ونظر ودبر شئون الناس وتدخل في حياتهم وتقلد فيه زمام التوجيه والقيادة
هذا هو الميزان الشرعي الذي يجب أن توزن به الأمور لا أن نأخذ موازيننا من أهوائنا أو عاداتنا أو تقاليدنا أو الأفكار الدخيلة سواء كانت غربية أو شرقية
وهذا هو أحد أمراض الأمة التي تعيشها وهو أحد أسباب انحطاطها وانهزامها بل هو من الأسباب الخطيرة التي لها ثقل عظيم في إفراز هذا الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة حيث استهان الأعداء بها ولم يعبأوا بصغير ولا كبير فيها فاحتلت أراضيها وسفكت دماؤها وانتهكت أعراضها ولا من مغيث ولا منقذ من هؤلاء الرويبضات الذين تسلطوا على زمام الأمور وعشعشوا في زوايا الأمة وأفسدوا كل خير فيها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيأتي على الناس سنوات خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة)
قيل وما الرويبضة؟ قال (الرجل التافه يتكلم في أمور العامة)
هذا الحديث يبين أن هناك مراحل زمنية تمر بها الأمة يحدث فيها انقلاب للأوضاع فيعد المعروف منكراً والمنكر معروفاً وهو أمر ناتج عن انحراف الناس عن دينهم في التصورات والمفاهيم والسلوك والأخلاق والموازين والقيم
وإلا فكيف يصدق الكاذب الذي ليس له إلا النبذ والتكذيب وكيف يكذب الصادق الذي يجب أن يؤخذ بقوله ويحترم كلامه ويبنى عليه المواقف والأحكام ويدل الحديث أيضاً على أمر خطير آخر وهو ائتمان الخائن الذي يجب الأخذ على يده وحماية الأمة أفراداً وجماعات من خيانته وتجريده من مكانته الاجتماعية والسياسية بإقالته من مناصبه وأعماله التي تتعلق بعموم الأمة وفي انقلاب الأوضاع هذا يقصى الأمين ويخون ولا يوضع في المكان المناسب من عمل وقيادة وتوجيه لأنه في نظرهم خائن
وهكذا تفسد الحياة وتأسن بسيطرة المفسدين على مقاليد الأمور وإبعاد الصالحين الجادين الذين يسعون في إصلاح البلاد والعباد ولم يبق في مواطن التوجيه والقيادة إلا المفسدون أصحاب الأهداف الدنيئة والأفكار السخيفة والاهتمامات التافهة ومن هذه الاهتمامات التافهة البرامج التي تقع في ضمن ما يسمى بالعواصم الثقافية حيث نجد معظمها رقصاً وغناء ومسرحيات وتمثيليات لا يحصل بها ثقافة صحيحة ولا تنوير بالحقوق والواجبات ولا هدى إلى خير ينفع وهذا هو الانقلاب الحقيقي للموازين والأوضاع إن أمور العامة وشئونهم وتدبيرها يجب أن يناط ويسلم إلى أهل الصلاح والجد وأهل السلامة في العقيدة والسمو في الخلق والجدية في السلوك لكن انعكست الأمور فأبعد الصالحون وقرِب الفاسدون التافهون وليس المقصود بالتفاهة هنا عدم الذكاء إذ قد يتولى أمور العامة من كان ذكياً ولكن ليس زكياً فقد يكون ذكياً في إفساد أمور العامة ولكن ليس زكياً صالحاً يسعى في الإصلاح بل يحاول إبعاد المصلحين واتهامهم بالخيانة والكذب والإفساد
إن هؤلاء مثل قوم وصفهم الله عز وجل بأن لهم قلوباً وأعيناً وآذاناً لكنهم لا ينتفعون بها في إصلاح أنفسهم و اتباع هدى الله ومن كان هذا حاله فكيف يصلح الناس؟ قال تعالى”ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون” وقال سبحانه “ومنهم من يستمع إليكى وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً ” فتأمل كيف أثبت الله لهم قلوباً وآذاناً وعيوناً لكن لا ينتفعون بها فهم كالأنعام في حياتها واهتماماتها قال تعالى “يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم”
إن انحصار الاهتمام بالدنيا ومتاعها والعمل من أجلها دون النظر إلى الآخرة التي تعني الاهتمامات العليا وتعني الاهتداء إلى الدين الحق والدين الصحيح وتعني التمسك الحق بالدين الحق والسعي المتواصل إلى الوصول إلى ما يحبه الله ويرضاه من العقائد والمفاهيم والتصورات والقيم والموازين والأخلاق والسعي إلى نشر هذه القضايا والأمور بين العامة والسعي لتطبيقها عليهم وجعلهم يحتكمون إليها وتعني المضي قدماً في إزالة الفساد والمفسدين والتافهين
كما قال الله تعالى”والذين يمسِّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين”
فالإصلاح إذن هو إقامة فرائض الدين وتحكيم الكتاب في حياة الناس وشئونهم فمن لم يقم بذلك فليس بمصلح وإن زعم الإصلاح قال تعالى “وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون”
فأمتنا اليوم تعيش في أحلك فترات تاريخها حيث تسلط عليها عدوها وامتلك زمام قيادتها وقد لعب القوميون دوراً خطيراً في إيصال الأمة إلى وضعها المأساوي الذي تعيشه ذلك أن القوميين يتبنون أفكاراً ومعتقدات ضالة تخالف الإسلام بل وتسعى إلى هدمه
فالفكر القومي يعلي من شأن رابطة الدم على حساب رابطة الدين فأساسها إبعاد الإسلام عن معترك الحياة فهي ردة إلى الجاهلية وضرب من ضروب الغزو الفكري الذي أصاب الأمة الإسلامية لأنها في حقيقتها صدى للدعوات القومية التي ظهرت في أوروبا
ومن ضلالات الفكر القومي أنه هدف بزعمه إلى تحرير الإنسان العربي من الخرافات والغيبيات والأديان لذلك تبنى شعار الدين لله والوطن للجميع
وللأسف صارت مصلحة الوطن هي مصلحة الزعماء وأصحاب المناصب حتى صار الوطن يرادف كلمة الزعيم أو الرئيس أو الوزير
هذه الحكومات الوطنية زادت في تفريق الأمة وتشتيتها وصار بعضها يكيد لبعض ويتآمر بعضها على بعض ولذا تجد أزمة ثقة بين قادتها فكل واحد خائف من الآخر ولا يأمن بعضهم بعضاً بل تجدهم يتسارعون في إرضاء أمريكا ويتنافسون في تنفيذ طلباتها وإن ظهروا إعلامياً أنهم يعارضونها وذلك لأن كل واحد لا يأمن أن يخذله الآخر إذا وقف موقفاً يشرفه ويشرف أمته بل لا يأمن أن يتآمر عليه ويكون يداً عليه مع عدوه
مثل ما حصل للعراق؟ لقد تآمروا عليه وهم يظهرون في وسائل الإعلام أنهم ضد الغزو الأمريكي وأنهم لن يوافقوا على استخدام أراضيهم في الهجوم عليه والحقيقة أن أمريكا غزت العراق بإمكانات الدول المجاورة له وباستخدام أراضيها وبإعطائها البترول الرخيص
هذا أمر وأمر آخر نجد هذه الدول تدخل فيما بينها في حروب ومشاكل وسوء تفاهم وسوء علاقات من أجل الحدود المصطنعة لتبدد ثروات الأمة ويقتل أبناؤها وتعطل طاقات كثيرة وعظيمة من أجل خوض هذه الحروب التي لا تأت بنتيجة غير الدمار والهلاك وإنهاك اقتصاد البلد ثم نجد الكبر المتداول بين هذه الدول فلا تريد أي دولة أن تأتمر بأمر دولة أخرى بحجة السيادةفالدول الكرتونية الصغيرة تريد أن يكون لها صوت مسموع ودور مؤثر في المنطقة وتأبى الانصياع للدول الكبيرة فمن أجل النكاية بها تفتح أراضيها للمستعمر النجس وتوجد له قواعد يتحكم بواسطتها وعن طريقها في المنطقة
أي سيادة هذه تدعيها وأنت تنتهكها بسيادة أعدى أعداء الأمة الإسلامية وتكون حينئذ رمزاً للعمالة وخيانة الأمة ودينها وأرضها
كما رأينا وشاهدنا بعض الدول قد انبطح زعيمها الملهم لأعداء الأمة فصاروا يبولون ويلقون بنجاساتهم وفضلاتهم عليه ومن تحته شعبه يفحص عليه ويرفس وقد كشف أسراراً لدول ساعدته ودعمته في بعض مشاريعه النووية إنهم بحق رويبضات هذا الزمان
فهذه الحكومات جعلت الولاء للوطن بديلاً عن الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين فإذا تعارض في نظرهم وزعمهم ما يقتضيه الوطن مع أمر الله ورسوله قدموا الوطن وعصوا الله ورسوله مع أن حقيقة الأمر أن معصية الله ورسوله هي خيانة للوطن ولن يتعارض ما جاء عن الله ورسوله مع مصلحة الوطن إذ مصلحة الوطن تكمن في الطاعة المطلقة لله ورسوله