إن الحب في جوهره يبقى قيمة ثابتة لا تتغير أبدا لكن تعامل الإنسان معه باستغلاله استغلالا سلبيا والاستخفاف به هو الذي أحدث تغيرا بارزا والعيب كل العيب في الإنسان بالدرجة الأولى قبل الواقع الحقيقي المادي الذي يعيش فيه والواقع الافتراضي الذي أصبح أيضا متنفسا جديدا يتواجد فيه بكثرة كان الحب منذ عقود قليلة يسكن في قلوب تعرف معناه وحقيقته وتستوعبه جيدا لهذا كان يحظى باحترام وتقدير لما فيه من رفعة وفضل على المرء ذاته وعلى غيره كما لا ننكر أنه في الماضي كان هناك مناخ مجتمعي يتنفس فيه الحب بشكل أكثر تحفظا لذا كانت تكتسيه نوع من القداسة في نفوس المحبين
ولنعرف حقيقة الحب السائد في زمننا سنلج للموضوع من باب المقارنة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون لتتضح الصورة أكثر ولتتخذ الأفكار التي نصوغها صبغة حجاجية مقنعة يزال معها الشك وسوء الفهم عن كل ذات مفكرة كثيرا ما تجد نفسك مجرد وسيلة لتحقيق مصالح من يدعون حبك نفاقا وخداعا فنتألم وتصبح خائب الأمل وهذا ما قد يدمر علاقات كثيرة سواء كانت أسرية أو مرتبطة بالأصدقاء ولربما تجعل مثل هذه المواقف المرء ينسحب بشكل نهائي من حياة من ادعوا حبه زيفا ومن الجيد دائما أن تدرك مبكرا هذا الحب غير الصادق الذي يقدم لك وحديثنا هنا عن المصلحة ليس من باب الاستنقاص منها وربطها بالشر والسوء والنفاق والمادية فنحن ممن يدعو لقضاء حوائج الناس ونفخر أن يرى الآخرون مصالحهم عندنا فنقضيها لهم قدر المستطاع وإنما نرفض استغلال المصلحة واقترانها بالخديعة والمكر وإظهار ما هو باطل لا أساس له من الصحة لتحقيق نفع شخصي بتغليفها بالحب وإظهاره على أنه حقيقة صادقة
هكذا بعض البشر لا يتذكرون ما قمت به من أجلهم ولكنهم يتذكرون مالم تستطع القيام به
فعندما تنتهي مصالحهم ينتهي الحب وتغيرت المفاهيم وتبدلت المبادئ بشكل واضح للعيان
لكن الواقع المستبطن شيء مناقض لذلك تماما لأنه مجرد ادعاء للحب مرهون بمصلحة فاسدة وغرض نفعي زائل
ليس الحب مجرد كلمة تخرج من الأفواه دون أن تمس الأفئدة فهي إن تكن كذلك فإنما هي تأتي خلاف الحب ألا وهو النفاق أعاذنا الله منه ومن المنافقين به وليس الحب ذلك ما يؤسس على قاعدة خذ مني وأعطني فإنه إن يكن كذلك فليس هو بالحب ولكنه استغلال الآخرين وتحايل عليهم
فالحب هو أن تعطي دون انتظار الجزاء بل هو ذلك الشعور الذي يدفعك لاستمرار العطاء رغم الشقاء الذي تلاقيه بسبب ذلك الذي يطلقون عليه الحب
والحب على هذه الطريقة نادر أن تجده في هذا الزمان بمعانيه السامية حيث أن الملاحظ في هذا الزمان هو السير على قاعدة خذ وأعطني المقابل فإن كنت تعجز عن قضاء حاجتي فلا حاجة لي عندك إذن هذا النوع ليس حبا كما أسلفت فلا نكاد نلمس الحب الحقيقي في هذا الزمان سوى بين الزوج وزوجته فيما ندر وبين الابن وأبويه وربما انعدم بين الأخوين أو بين الأصدقاء فقد توجد أنواع من العلاقات يظن أنها الحب من ظاهرها ولكنها مجرد ارتباط فقط لمصلحة ما أو كذلك فإذا ما انتهت هذه المصلحة أو فشل الطرف الآخر في تحقيقها لزمن متقلب لا يثبت على حال حيث تغيرت فيها المفاهيم وتبدلت فيها المبادئ بشكل واضح للعيان فالحياة تمضي ونلتقي بأناس قد يبقى بعضهم معنا حتي الرمق الاخير وآخرين يولون الادبار
ومن الطبيعي أن يبحث كل فرد عن مصلحته الخاصة ويسعى إلى بناء علاقات تخدم أهدافه الشخصية ولكن خلال هذا البحث المتواصل عن مصالحنا الخاصة قد نغفل أحياناًعن جوهر الصداقة وعمقها الحقيقي وقد نصل في النهاية إلى حائط سد لايمكننا حينها استكمال مسيرتنا
ففي العادي الأشخاص يرجون من أي علاقة صداقة الدعم المعنوي أو المادي أو تقديم النصح والإرشاد أو حتى مجرد الحصول على التحفيز أو الاحتواء في المواقف الحياتية أو قضاء أوقات ممتعة والاستئناس من الوحدة والأهم من ذلك إرضاء الحاجة الفطرية للإنسان بكونه اجتماعياً ومحبوباً
لكن وللأسف صداقة المصلحة عكس ذلك تماماً فهي استحصال طرف لحقوقه كاملة من علاقة الصداقة وتجنبه لأداء واجباته تجاه العلاقة وتجاه صديقه ولذلك فاحتياجات علاقات الصداقة بين الأفراد متباينة
ولذلك قد لا تتشابه أهداف كل طرف في الصداقة من هذه العلاقة لكن القاسم المشترك بين كل نوع من أنواع الصداقة هو وجود مصلحة مصلحة يتطلب الحصول عليها أداء الواجبات تجاه الصديق كما نحصل على الحقوق وهذا ما لا يفعله صديق المصلحة فهو يظهر كطرف في علاقة الصداقة عند احتياجه إلى دعم من اي نوع ويختفي فور حصوله عليه لأن هذا غرضه من الأساس ويظهر مرة أخرى وأخرى ويختفي فور تقديمك المساعدة والاحتواء وحل المشكلة وهكذا دواليك دون أن يفتح لك المجال لطلب جزء مما تمنحه له كأي علاقة متكافئة قائمة على المشاركة
فالصداقة لها أساس واحد لا يمكن تجزئته وأساسها هو الاحترام والمنفعة المتبادلة بين الصديقين ليس إلا وأصدقاء المصلحة دائما لا منفعة منهم كالمبنى الآيل للسقوط في اي لحظة
فأصحاب المصلحة مثل البلياردو من ضربة واحدة يتفرقون أما الاصدقاء الحقيقيون مثل كرات البولينج مهما تفرقوا يتجمعون في النهاية في حفرة واحدة بمصير واحد حيث يسيرون على درب واحد حتى نهاية الطريق وتحت أي ظروف فقواميس الصداقة الحقيقية لا تحتوي على مصطلح انتهاء صلاحية بل تظل صلبة ومتينة مثل الصخور
فالحب مسؤولية نحملها بكل أركانها وليس مجرد نزهة وقتية نسعد به للحظات عابرة
ثم لمجرد ما أن يقع ما يخدشه ويسيء إليه نتخلى عنه ونمل منه فنعود أدراجنا بدونه
لا يمكن تصور أبوين بكامل قواهما العقلية والقلبية أن يحبا ابنهما أو بنتهما لغرض مادي إلا إن كانوا غير أسوياء ومرضى نفسانيين
وإننا نعيش في زمن نفتقر فيه للحب الصادق بين الأصدقاء وأصبحت المصالح هي السائدة وبمجرد ما أن تنتهي المصلحة تزول كل تلك المشاعر الزائفة التي كانت تقدم على أنها حب فالأصدقاء الزائفين أصبحوا الفئة الطاغية عكس الأصدقاء الحقيقين الذين يمثلون الفئة القليلة والنادرة
ولكن الصداقة التي تحمل حبا صادقا يوجد فيها نكران الذات إخلاصا لمن تتقاسم معهم هذه الرابطة فيكون الصديق هنا محبا لك في الله فتجده الأنيس الناصح والرفيق الصادق والجليس العاقل التقي وهذا مما يمكن تصنيفه ضمن المنح الربانية فأن تكون ممن يتمتع بصداقة صادقة فأنت منعم بنعمة عظيمة من حيث لا تدرى
التعليقات مغلقة.